"الطقطوقة".. فن السماع والسلطنة


كتبت- ناهد سمير:
"الطقطوقة".. لا هي موشح، ولا هي موال، ولا قصيدة، ولكنها في مراحلها الأولى كانت نتاج البحث عن تبسيط الغناء، وتسهيل مهمة المستمع في استقباله، ذلك لكونها السهل الممتنع، فهي سهلة السمع والتذوق لكونها بلغة عامية، الأمر الذي يؤكد اختلافها عن القصيدة والموشح، إضافة إلى أن موضاعاتها وتلحينها أسرع من القوالب الغنائية الأخرى، ظهرت في ثلاثينيات القرن العشرين، وتزامن مع ظهورها العديد من شعراء العامية الذين أبدعوا فيها.
"هتجنن" لـ بيرم التونسي وأحمد زكريا
زجل أم طقطوقة؟
بداية "الطقطوقة"، يقال إنها نوع من أنواع "الزجل"، الأمر الذي عالجه العديد من شعراء العامية وقتها، ومنهم: بيرم التونسي، بديع خيري، أحمد رامي، ويونس القاضي، ووضعها ملحنون أمثال: زكريا أحمد، سيد درويش، القصبجي، والسنباطي في قالب غنائي، وبدأ معها ظهور الأصوات النسائية من مغنيات الطقطوقة أمثال: منيرة المهدية، أم كلثوم وفتحية أحمد.
طقطوقة "قولي ولا تخبيش يا زين" كلمات بيرم التونسي غناء أم كلثوم
محمد عبد الوهاب
من أهم الملاحظات المتعلقة بالطقاطيق أن هذا النوع كان حافزا للملحنين أصحاب الملكات اللحنية الثرية، بمعنى أنها كانت حافزا للتنويع في نفس الأغنية، هذا ما ساعده على تجسيد أفكارهم اللحنية والموسيقية، خصوصا الموسيقار محمد عبد الوهاب، الذي كان في بعض طقاطيقه يلحن غصن من الأغنية على نغمات غربية، ثم غصنا آخر على مقامات شرقية أصيلة ومنها على سبيل المثال:
"على إيه بتلومني
الدنيا سيجارة وكاس
أنا والعذاب وهواك
أحبك وأنت فاكرني
حن يا اللي هجرت الروح
ردي علي كلميني"
"إمتي الزمان يسمح يا جميل" بصوت محمد عبد الوهاب
طقطوقة كلاسيكية
بالرغم من كون الطقطوقة قالب فني باللغة العامية، إلا أنها اتخذت طابعا كلاسيكيا، بسبب تلحينها الذي اختلف عن الموشحات، فهي تقوم على "لازمة" موسيقية معينة، وقد أبدع بعض الملحنين في تلحين كل مقطع بلحن مختلف سواء كان الاختلاف في المقام أو الإيقاع، فالطقطوقة يمكن أن تُلحن بأكثر من مقام لكل مقطع، ولكن المذهب يظل مستقلا ولا يتغير بين المقاطع، وكان سيد درويش أبدع من لحنها وخرج بها من الشكل التقليدي في الألحان، إلى أشكال أخرى مختلفة عن لحن "المذهب"، وتعد طقطوقة "الحلوة دي" و"الشيالين" خير مثال على ذلك.
ومن أشهر الطقاطيق التي كتبها ولحنها سيد درويش وغناها زكي مراد، لحنها على مقام "عجم"، وهو من المقامات الشرقية التي تعطي انطباع "غربي" لدى المستمع، لذلك عرف باسم "عجم"، واللازمة هنا كانت "زوروني كل سنة مرة حرام تنسوني بالمرة"، فهي تتكرر بعد كل مقطع.
طقطوقة نسائية
غنت منيرة المهدية طقطوقة من ألحان محمد حلمي، وكرر عبد الحليم حافظ هذه الطقطوقة في جزء من أغنية "يا سيدي أمرك"، مع تغيير بعض الكلمات، وتقول كلماتها:
"حبك يا سيدي غطى ع الكل.. ارحم فؤادي يكفاني
والنبي ترحم..
قولوا لي إيه أحوال الحب.. غير البكا وعذاب القلب
يا رب توب علي يا رب.. وأقول أنا حرمت أحب
والنبي ترحم.."
ليس هذا فحسب بل ساهم زكريا أحمد في تطور الطقطوقة، ولحن العديد منها لـ"أم كلثوم"، ومن أشهرها طقطوقة "غني لي شوي شوي"، من كلمات بيرم التونسي، والتي زينها الشيخ زكريا بمقام "الراست سوزناك"، وهو من مشتقات مقام "الراست" الأساسي في الموسيقى العربية.