للمتجه إلى مصر الجديدة.. "الطريق الرابع"
بما أنني أكتب لك هنا للمرة الأولى، في هذا الموقع المحترم "دوت مصر"، فمن الواجب إذن أن أدخل البيت من بابه، بأن أخبرك من أي طريق جئت، وإلى أين المسير.
جئتك من الطريق الرابع!
في مصر اليوم، 3 طرق رئيسية، في الرأي العام السياسي، ممهدة معبدة مريحة، السائرون فيها كثر، لكنني أقترح عليك طريقا آخر، مليء بالحُفر والمطبات، وبلا لوحات إرشادية تم وضعها مسبقا، لذا فإن عليك أن تتوقف كل حين لتسأل، أن وجدت أصلا من تسأله، أو تفكر وحدك، لتحدد مسارك، والأنكى.. هو أن السائرين في كل الطرق الثلاث الأخرى، رغم اختلافهم الشديد فيما بينهم، الا أنهم سيجتمعون على السخرية منك، باعتبارك ضالا تائها فى البرية، لذا فإن البعض سيلعنك عبر السباب الشهير بأبواق السيارات، والبعض الآخر سيضئ الكشافات المُبهرة في وجهك، ناصحا وهاديا.
ولكن.. تجاهل كل ذلك، فالسباب لا يلتصق، والأضواء المُبهرة قد تعميك للحظات، لكنها لا تطفئ شعاع النور؛ نور الضمير والأمل والمستقبل؛ ذلك النور الهادي لك في طريقك.. إذن فلا تلتفت، وواصل المسير، فى الطريق الرابع، إلى مصر الجديدة.
بعد "ما جرى" فى السنوات الأربع الماضية بمصر، توجد 3 طرق رئيسية، يتفاوت اتساعها ونسب السائرين فيها.
الطريق الأول، هو للمؤيدين دائما وأبدا؛ أهل "يونيو كلها ووحدها"، مؤيدين للنظام الحاكم في كل ما يفعله. وإذا ما أخطأ النظام، لأن الحاكم بشر، فهم يبررون، ويبادرون بالطعن في "نوايا" الطاعنين. هدفهم النهائي، في طريقهم، هو "الاستقرار" بأي وجه يكون، وفي سبيل ذلك فهم ينطلقون، من أرضية الواقع وحده دون الفكر، متباهين بارتداء ثياب "الوطنية"، التي لا يملكها غيرهم!
الطريق الثاني، هو للثائرين دائما وأبدا؛ أهل "يناير كلها ووحدها"، رافضي النظام الحاكم في كل ما يفعله. وإذا ما أصاب النظام، وسعى للبناء، فهم يسخرون، ويبادرون بالطعن في "نوايا" المؤيدين. هدفهم النهائي، في طريقهم، هو "الحرية" بأي وجه تكون، وفي سبيل ذلك فهم ينطلقون، من أرضية الفكر وحده دون الواقع، متباهين بارتداء ثياب "الثورية"، التي لا يملكها غيرهم!
أما الطريق الثالث، فهو مختلف وخطير، طريق "الإخوان" ومن شاكلهم، أهل التدين على طريقتهم. وهو طريق رافض للكل، كاره للكل، يرى أن أهل يونيو انقلبوا عليه، وأهل يناير خذلوه، رغم أنه طريق إلى الله، بل الطريق الوحيد، الذي لا يعرفه غيرهم، لذا فلا مناص لديهم من الدفاع عنه، وتحطيم الخارجين عليه، ولو بالسلاح والهدم والدم. وهو طريق محاصر، لكنه مخيف، فالحصار لا يميت، وأخطر المجرمين من يرتكبون الجريمة إيمانا بفكرة!
ولكن.. أليس هناك من طريق آخر.. طريق رابع؟!
هناك بالفعل طريق، يتم تسويته وتمهيده حاليا في الوعي الجمعي، ولكن على مهل؛ مهل شديد، ولكن لا ضير، إذ ليس من العقل أن نتوقع تغيير أفكار الشعوب بين عشية وضحاها، بل أن هدم الأنظمة السياسية المستبدة، رغم صعوبته، يظل هو الأيسر، أمام محاولة تغيير ثقافة راسخة، أضحت واقعا يوميا في حياة شعب.. ثقافة مفادها أن للحقيقة طريقا واحدا (تعصب).. ينبغى أن يسود (استبداد).. بأي وسيلة (عنف)!
الطريق الرابع، الذى لا يُجبرك أحد على المسير فيه، هو للباحثين عن الحقيقة، دائما وأبدا، المجاهرين بالتنقل بين "منعطفات الآراء" بشجاعة، طالما دلتهم ضمائرهم على بصيص شعاع النور، في الرحلة إلى مصر الجديدة.
هو طريق لأهل "يناير ويونيو معا".. لا بل ذاك خطأ.. هم أهل "نصف يناير ونصف يونيو".. فهم فى يناير، لم يكونوا يوما من المتآمرين، المموَلين (بفتح الواو)، الذين أرادوا إسقاط الدولة لا النظام، ممن مثّلوا "نصف يناير الخائن"، بل كان حلمهم فقط هو "مصر الحرة".. وهم في يونيو، لم يكونوا أبدا من المنتفعين، المموِلين (بكسر الواو)، الذين أرادوا إعادة النظام لا الدولة، ممن مثّلوا "نصف يونيو الفاسد"، بل كان حلمهم فقط هو "مصر الدولة".
وهكذا.. ومن محصلة "ما جرى" في السنوات الأربع الماضية، فإن أهل الطريق الرابع، ينطلقون من أرضية الفكر والواقع معا. هدفهم النهائي، في طريقهم، هو "مصر الدولة الحرة".. لأن الدولة بلا حرية، استقرار هش، يقود إلى ثورة ولو بعد حين.. والحرية بلا دولة، فوضى كاملة، سرعان ما يتبعها استبداد جديد.
وأخيرا.. فإنك إذا ما قررت أن تسلك هذا الطريق، ستجد "استراحة" نعرّج عليها لاحقا، لنطرح الأسئلة، ويالعذاب الأسئلة، فأهل الطرق الثلاثة تتباين اتجاهاتهم جميعا حول "الموقف من الدولة" وكيف تكون ممارساتها، ولكن ماذا عن "الموقف من الشعب"؟! كيف يرون أنفسهم؟! هل أقام أهل الطريق الأول "الدولة" حقا في البيت والعمل والشارع؟ وهل مارس أهل الطريق الثانى "الحرية" بالفعل فى حياتهم اليومية؟ وإذا كان أهل الطريق الثالث يرون أن من حقهم أن يحاربوا مخالفيهم فلماذا يصرخون إذن عندما يحاربهم أيضا مخالفوهم؟
(لوحة ارشادية)
للمتجه إلى مصر الجديدة.. اسلك الطريق الرابع.. ابدأ بنفسك.. أمامك مطبات عديدة.. حاول أن تتبع مسار شعاع النور.. ذاك الذى يبدأ من داخلك.. صحبتك الحقيقة.