التوقيت الأحد، 16 يونيو 2024
التوقيت 06:08 ص , بتوقيت القاهرة

تشنج دبلوماسي.. "التويتة" التي هزت العثمانيين الجدد

*محمد حامد 


"تويتر" يصنع أزمات دبلوماسية بين الدول، إنها حقا قاعدة جديدة في العلاقات الدبلوماسية بين الدول، ولما لا بعد أن استدعت أنقرة القائم بأعمال السفير الإماراتي في تركيا لإبلاغه على الاحتجاج الدبلوماسي على إعادة تغريد لوزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، نشرها أو نقلها من حساب كاتب سعودي تحدثت عن انتهاكات والي عثماني يدعي فخر الدين باشا قيل إنه اعتدى على أهل المدينة المنورة ونهب خيراتها، وأيا كان دقة هذه الرواية التاريخية، إلا أننا أمام دولة بحجم تركيا ترهن دبلوماسيتها ويتفرغ قادة بلادها إلى الدفاع عن الإرث العثماني المليء بالكواراث، على راسها مذابح الأرمن والتي تنكرها تركيا.


الرئيس التركي دافع عن إرث بلاده العثماني، ووصف وزير الخارجية الإماراتي بالمسكين والبائس في خروج عن اللياقة الدبلوماسية، وأيضا اعتبر ابراهيم كالين أن "تويتة" وزير الخارجية الإمارتي موضة جديدة للهجوم على تركيا، لم يصمت الإعلام التركي، بل شن هجوما كاسحا دفاعا عن فخر الدين باشا، وشن هجوما على الوزير الإماراتي، وهو ما يتسق مع تعبيرات البائس والمسكين.


إن ردة الفعل الإماراتية جاءت عبر "تويتر" حتى الآن أيضًا، فحدث تضامن واسع من مدوني الخليج مع الوزير عبد الله بن زايد، ورأينا إعادة نشر التغريدة التي أزعجت أردوغان، كما دعوا إلى مقاطعة المزارات السياحية التركية.


ويُفسَر الأمر بشكل أوضح، كما يلي:


أولًا : الشد والجذب في العلاقات التركية الإماراتية


استطاع الرئيس التركي التقرب من دول الخليج من بوابة ما فعله في مؤتمر دافوس وانتقاده الحاد لاسرائيل، هذا رفع شعبية الرئيس التركي في المنطقة العربية بشكل عام والخليج بشكل خاص، الذي فتح حوارا استراتيجيا بين دول الخليج، وظل ينعقد حتى صيف عام 2013، وبلغ حجم التبادل التجاري الإماراتي التركي ما يقرب 12 مليار دولار أمريكي، منها 7 مليارات ونصف تجارة غير نفطية، فالإمارات هي الشريك التجاري الـ 15 لتركيا، فشركة إعمار وأبراج كابيتال هما ركيزة الاستثمارات أبوظبي في تركيا، والحكومة التركية تولي اهتمام كبير للاستثمار العقاري، وتعتبره أحد الأعمدة الرئيسية لجذب الاستثمار والحصول على الدولار، خاصة عندما هوت الليرة أوائل العام الحالي، وأصدرت قانون منح الجنسية مقابل تملك عقار بقيمة 3 ملايين دولار، بجانب لتعاون عسكري إماراتي تركي نشأ قبل الربيع العربي.


وكانت زيارة وزير خارجية تركيا إلى أبو ظبي في إبريل 2016، بداية لإعادة العلاقات بين البلدين، التي تجمدت طوال ثلاث أعوام على الأقل، ولم تتحسن إلا بعد تغير القيادة السعودية في يناير 2015.


وبعد إفشال الانقلاب في تركيا، حجت كل دول الخليج إلى تركيا لمباركة صمود الشعب التركي في مواجهة ما يعرف بالانقلابيين، وكان وزير الخارجية عبد الله بن زايد أحد من حجوا لأنقرة في أكتوبر 2016، أي بعد ثلاث أشهر من الإنقلاب الفاشل، وتعمدت القيادة التركية إظهار حفاوة الاستقبال بهدف طوى اختلاف الرؤية نحو مصر بعد الإطاحة بالإخوان حلفاء أنقرة، وكان رأس القيادة الإماراتية زار تركيا، وكان الهدف هو استئناف العلاقات الاقتصادية مرة أخرى، رغم أن رئيس الوزراء على بن يلدرم ألمح بشكل غير مباشر  لقاء تلفزيوني مع "سي إن إن"، أن الإمارات مولت سرا المحاولة الإنقلابية، إلا أن العلاقات استمرت رغم الاتهام المباشر.


دول مجلس التعاون الخليجي أقدمت على اعتبار حركة الخدمة او جماعة جولن منظمة ارهابية بناء على طلب الحكومة التركية في دلالة واضحة على قوة العلاقات بين البلدين تركيا ودول الخليج وأملاً في أن تشارك أنقرة هواجس دول الخليج في المشروع الإيراني في المنطقة.


ثانيًا : فتش عن الدوحة في الخلاف الامارتي التركي:


منذ اندلاع الازمة الخليجية في يوليو الماضي وبدا الثلاثي الخليجي (السعودية والامارات والبحرين) بالاضافة إلى مصر بمقاطعة دولة قطر على كافة المستويات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية انحازت أنقرة إلى الدوحة بدون تفكير وعجلت بتطبيق بانشاء القاعدة العسكرية التركية في قطر والتى وقعت في 2014، وزار الرئيس التركي منطقة الخليج أكثر من مرة ابتعد عن زيارة الامارات بل قال صراحة هناك دولة خليجية كانت فرحة يوم اندلاع الانقلاب الفاشل في تركيا، وحزنت حين انتفضت تركيا لحماية حلفيها الخليجي بارسال أكثر من 30 الف جندي تركي لحماية العرش الأميري لتميم بن حمد، وهنا بدا قناعة لدي دول الخليج ان تركيا اردوغان تنحاز للمصالح الاقتصادية وانها لن تصطف معها في مواجهة ايران التى ترتبط انقرة بعلاقات اقتصادية وثيقة مع طهران ، فتركيا بعد الازمة الخليجية اختارت الاقتراب مت قطر وايران والاخوان في المنطقة وابتعدت كثيرا عن الرباعي العربي المقاطع والداعي لمكافحة الارهاب. في الشهر التالي بالاحري يوليو الماضيمباشرة للمقاطعة العربية واتضاح الانحياز التركي المباشر لقطر بدلا من النصح لتهدئة الاجواء واعادة ادلوحة الى طريق الصواببدا وزير الخارجية عبد الله بن زايد زيارة الى ارمينيا ووضع اكليل من الزهور على مقابر مذابح الارمن التى حدثت قبل 102 عام في علي يدالعثمانيين والتى ترفض انقرة الاعتراف بها حتى الانوكان هناك اهتماما امارتيا بهذه الزيارة في اسارة ان العلاقات التركية الامارتية عادت الى ما بعد 2013 وان الخلافات التى نحيت جانبا عادت مرة اخري للسطح بتواجد تركي على ارض الخليج لاول مرة منذ الدولة العثمانية. ولا تخفي أبوظبي امتعاضها من الدور التركي في المنطقة بعد الربيع العربي والذي يدعم أو يستخدم تيارات الاسلام السياسي لكسر هيبة الدول وهدم استقرار، بل يري ان انقرة انها استفادة من الفوضي في الاقليم وتحديدا في سوريا وهذا جعلها تعمل على عرقلة الدور التركي في المنطقة واستخدمت تجميد التعاون الاقتصادي مع انققرة وانشاء محور مصري امارتي في موجهة محور قطري تركي بالاضافة تعزيز العلاقات مع قبرص واليونان ارمينيا لردع الدورالتركي في منطقة الشرق الاوسط كسياسة رد فعل على ممارسات الحكومة التركية والتى تستضيف على ارضيها معارضين للحكومة الامارتية وشخصيات على قوائم الارهاب ومطلوبة لدي الرباعي العربي المقاطع لقطر. 


هناك دلائل كثيرة تدل على وجود يد قطرية في افتعال الازمة الاخيرة بين الامارات وتركيا، فتدوينة المتحدث باسم الرئاسة التركية ابراهيم كالين جاءت بعد يومين من اعادة التغريد التى قام بها الوزير عبد الله بن زايد  على حسابه الشخصي وعلى ما يبدو أنها اكتشفت عبرمنصات توتير المؤيدة للدوحة والتى فجرت الغضب التركي، كان هناك غضب تركي  مكتوم من ضعف التمثيل الامارتي والسعودي في قمة التعاون الاسلامي الطارئة التى عقدت في أنقرة الاربعاء قبل الماضي، وهنا استطاعت منصات اعلامية " الجزيرة " أو على مواقع التواصل الاجتماعي تعظيم الموقف التركي على حساب الموقف العربي بشكل عام والخليجي تحديدا بالاضافة الى تحدث الرئيس التركي رجب طيب اردوجان ان اذا ضاعت القدس فالدور سياتي على المدينة المنورة  وتاتى تغريدة  الوزير الامارتي التذكير بالتاريخ العثماني في المنطقة الذي ليس بالضرورة انه كان جيدا أو ملائكيا، بل كان احتلالا عثمانيا ينهب ثروات المنطقة العربية ويحقر الجنس العربي في مقابل رفعة العرق التركي، بل أن الذاكرة العربية ضعيفة وتناست ما حدث فالتهمة التركية للوزير الامارتي او مواطن عربي ينتقد الارث العثماني هو خدش التاريخ العثماني امام حكومة تركية قومية متطرفة تفتخر بكونها من احفاد العثمانين تنتهح نهج توسعي على حساب العالم العربي وتصف نفسها بالعثمانين الجدد ولا يخفون ان الموصل وحلب في حوزتهم في عهد العثمانين والحبل على الجرار قد نصل الى مكة والخليج بأكمله.


فالنظرة الإمارتية للأزمة ترى أنها مفتعلة بتحريض قطري، والتي ترغب في الانتقام من الإمارات التي تري فيها إنها من عكفت على تصفية الدور القطري في المنطقة عبر المقاطعة، فالرئيس التركي لم يتأخر، فهو يجامل قطر في مهاجمة الإمارات بحجة الإرث العثماني.


ان أزمة الرئيس التركي الجديدة القديمة تكمن في خلط نفسه وتركيا أو أنه يختصر تركيا في نفسه، وهذا يولد تخبط كبير في السياسة الخارجية وهنا تقرر بلدية انقرة تغيير اسم الشارع الذي يوجد به مقر السفارة الاماراتية إلى اسم فخر الدين باشا، في سياسة طفولية لا تعبر إلا لمجاملة وتملق للحاكم الذي يفرز حكام البلديات في 80 محافظة تركية وهي مكايدة مباشرة لأبوظبي التي سترد عبر التواصل مع المعارضة التركية الممثلة ميرال أكشنار و كمال كلجدار أوغلوا الذي دعا كثيرًا لتحسين العلاقات التركية الامارتية وعدم التلويح بعلامة رابعة وأيضًا التعاون والتنسيق مع الإخوان والتيارات الإسلامية في الدول العربية هذه المعارضة التى تستعد بقوة لانتخابات 2019 الرئاسية والبرلمانية وهي المصيرية في تاريخ تركيا وسترسم مستقبل تركيا خلال العقود القادمة، وهذا هو الميدان الذي ستواجه الإمارات أردوغان ردًا على كل الاستفزازت السابقة.


الخلاصة: تويتة الوزير عبد الله بن زايد اظهرت التوتر الخفي أو المكتوم بين أنقرة وأبوظبي، والمستمر منذ 6 أشهر على الأقل وهي عمر الأزمة الخليجية.. الإرث العثماني ليس ناصع البياض، له ما له وعليه ما عليه، ولا يدافع عن الدولة العثمانية إلا أنصار تيار الإسلام السياسي فقط، ويغفل أخطاءها بحق الأرمن والعرب في بعض المراحل التاريخية.


باحث سياسي*


 


اقرأ أيضًا ..


التغريدة التي هزت عرش تركيا.. هكذا رد الإماراتيون على الثرثار أردوغان


خاص.. قصة «الريتويت» الذي انتفض لمواجهته "أردوغان" وحلفاءه


كيف جاءت تغريدات «تميم» كإعلان لمواصلة التحدي ؟