قصة أغنية| "تحت السجر يا وهيبة" وثورة الأبنودي الأولى

محمد رشدي والأبنودي
عمرو شاهين
الأربعاء، 15 مارس 2017 12:13 ص

"الليل بينعس ع البيوت وع الغيطان" في تلك اللحظة أعتقد أن الجميع توقف، الزمن نفسه توقف، الكل يصغي بإهتمام في محاولة لفهم واستيعاب ما يقوله رشدي، ثم تذوق حلاوته وجماله وعذوبته، لتنتهي " تحت السجر يا وهيبة" ليبدأ الجميع بالبحث عن هذا الشاعر المختلف كليا وجزئيا، الرجل الذي أطلق الرصاصة الأولى في ثورة غنائية، الجميع يبحث عن الأبنودي.
تحت الشجر واقفه بتتعاجبي
ولكن من قال إن تلك هي بداية القصة، دعونا نرجع للخلف، للقاء جمع صلاح جاهين والأبنودي في مكتب الأول بجريدة الأهرام، ليسأله جاهين "معاكش حاجة أنشرها؟ علشان مش قادر أرسم" ليخرج له الأبنودي قصيدة "دودة القطن" وينشرها جاهين في المساحة المخصصة له في الأهرام لتنقلب الدنيا رأسا على عقب من حول عبدالرحمن الأبنودي.
" وعيون ولاد كل البلد صاحيين"، في الأساس من طلب من الأبنودي القدوم للقاهرة هو جاهين حينما قرا له قصيدة كان الأبنودي قد أرسلها ونشرها، وبعث إليه يطلب منه القدوم للقاهرة، وتبناه جاهين، لدرجة ان "اغنية الدودة" أوصى جاهين بأن يتم تلحينها وغنائها في الإذاعة، وهناك رواية أخرى أنها أعجبت محمد حسن الشجاعي مشرف الموسيقى والاغاني في الإذاعة فأمر بتلحينها إذاعتها في الإذاعة بصوت مطربة لم تأخذ حظها من الشهرة اسمها "فاطمة علي".
سواء أرسلها جاهين أم اعجبت الشجاعي فالأبنودي لم يعرف إلا بالصدفة، فكان يسير في أحد شوارع وسط البلد ومعه صديقيه صلاح عيسى ومحمد خميس، ليسمعوا الإذاعة تذيع كلمات تشبع تلك التي كتبها الابنودي ليكتشف الأبنودي انها كلماته بالفعل، لتنتهي الأغنية ويسمع مذيع الإذاعة يعلن انها من تأليفه، ليطير إلى صلاح جاهين لكي يعرف كيف وصلت الأغنية إلى ميكرفون الإذاعة.
وبغض النظر عن كون صلاح جاهين قدمها للشجاعي أو أن الشجاعي قرأها فأعجبته، فحصيلة اللقاء أن جاهين طلب من الأبنودي ان يسرع بلقاء الشجاعي في مكتبه في مبنى الإذاعة في شارع شريف، ليصبح الأبنودي في "حيص بيص" هو لا يملك ملابس تناسب تلك المقابلة الهامة، ليعرض عليه صديقه الملحن "إبراهيم رجب" أن يعطيه قميص جديد وبدلة كان اخوه قد اشتراها من لندن، ولكن الطريف ان البدلة كانت ملونة بالوان فجة، وارتداها الأبنودي بالفعل وذهب لمقابلة الشجاعي، وفق لما نقله الصحفي محمد توفيق في حلقات "سيرة الخال".
" يا عايقه يا انتي يا نجمة الصبحية"، فور دخوله على الشجاعي سأله بإندهاش " إنت مين يا أبني" فعرفه بنفسه فقال الشجاعي "ومالك لابس كدة ليه أنت طاووس" فرد الأبنودي " ده انا لابسها مخصوص علشان اقابلك" ليضحك الشجاعي ويقول "ياريتك كنت جيت بهلاهيلك" ليسأله "المهم بتعرف تكتب أغاني، فأجاب الأبنودي "طبعا" قاله " طيب وريني" ليخرج الأبنودي ويتجه إلى صديقه محمد خميس ليحتفل خميس بصديقه الذي صار كاتبا في الإذاعة "بأكلة كباب معتبره" ليذهب الابنودي إلى منزله، وكان يستأجر عوامة في النيل على كورنيش الكيت كات، ليغلق الباب على نفسه ليكتب ثلاث أغاني دفعه واحدة.
خلخال برنة يرقّص الجلابية
الأغنيات الثلاث التي تسلمها الشجاعي هي " أتمد يا عمري اتمد" والتي كانت عن السد العالي، واغنية "بالسلامة يا حبيبي بالسلامة" التي غنتها نجاح سلام ولحنها عبدالعظيم محمد، واغنية "تحت السجر يا وهيبة" أو العقدة، لان حينما قرأها الشجاعي فسأله "ده إيه اللغة دي.. دي يمني؟ّ!"، نسبة إلى اليمن، ليتابع سؤاله " ودي مين اللى ها يغنيها" فأجاب الأبنودي بثقة " محمد رشدي".
"تحت الشجر راح تضحك الجنة"، في تلك الفترة كان الوصول لمحمد رشدي أشبه للوصل للقمر ليس لأنه نجم او مشهور، ولكن لأنه كان معتزلا للحياة كلها، بعد حادثة فايد، كان رشدي ومطربة صاعدة وقتها تدعى نادية فهمي وراقصة تدعى سلوى المسيري، يحيون إحدى حفلات الترفيه عن الجنود في معسكر فايد، واثناء عودتهم اصطدمت سيارة نقل محملة بانابيب البوتاجاز بالأتوبيس ليجد رشي نفسه وسط جثتين لرفيقتيه " نادية وسلوى" بينما هو مهشم الساق، وظل بجوار الجثتين ما يقرب من ساعتين حتى شاهد جندي في سلاح الحدود الحادثة وابلغ عنها.
ولكن ليست تلك المعضلة الوحيدة في أغنية " تحت السجر يا وهيبة" هناك ازمة أخرى، جميع الملحنين رفضوا تلحين الأغنية، منير مراد رفض، محمد الموجي أيضا رفض وغيرهم الكثير، حتى وصلت الأغنية لإمام المبدعين "عبدالعظيم عبدالحق" ضمن مجموعة من أغاني الإذاعة ليقرر أن يلحن "تحت السجر يا وهيبة"
بحث الابنودي عن رقم محمد رشدي وحصل عليه من معهد الموسيقى واتصل به، فأجابه رشدي بجفاء وتعالي شديد، ولكن الأبنودي نجح في أن يحصل منه على موعد في مقهى "التجارة" بشارع محمد علي، في بداية اللقاء كان رشدي يعامل الأبنودي بجفاء وتعالي حتى قال الأبنودي " أنا جايلك من عند الأستاذ الشجاعي" لتتحول معاملة رشدي 180 درجة، فاسم الشجاعي وحده يعنى أنه امام شاعر حقيقي، لأن الشجاعي لا يقدم إلا الموهوبين وليس المدعين، لتتحول الجلسة على مقهى التجارة إلى "تمشية" من شارع محمد على حتى مبنى الإذاعة في شارع شريف، رشدي سيغني الأغنية، والأبنودي انتصر.
"دي برتقانة ولا ده قلبي" في يوم وليلة أصبح الجميع يسأل عن الأبنودي، رشدي نجمع يعود بقوة، فأثناء تسجيل الاغنية يسند له الشجاعي مهمة تسجيل ما يقرب من 85 موال هم ملحمة أدهم الشرقاوي، ليعود رشدي نجما يسطع بقوة، بل تتأكد نجوميته على يد الأبنودي مرة أخرى في أغنية عدوية، ولكن تلك قصة أخرى.
لا يفوتك