التوقيت السبت، 20 أبريل 2024
التوقيت 07:20 ص , بتوقيت القاهرة

تبييض نفرتيتي وتسمير أوروبا.. يهمني لونك وسلسالك!

لا يزال هوس تفتيح لون البشرة سلوكا شائعا في العالم، من الهند إلى جنوب أفريقيا إلى أمريكا، تتخذه شركات مستحضرات التجميل العالمية منطلقا لترويج سلعها "الترفيهية" التي تُمنّي البعض ببشرة فاتحة في غضون أسبوعين، وتظل تُلحّ على الناس صباح مساء بأفكار "وقحة" أحيانا، تلامس السباب والشتائم العنصرية صراحة أو تلميحًا في لعب غير مسؤول بمشاعر الناس، بل يشتط البعض في شعوره بعدم الثقة بالنفس أو بعض درجات كره الذات، بحسب علماء النفس، ليقرر تغيير لون بشرته الغامق إلى درجة من درجات البياض، متناسيا أن البعض ينفقون الأموال في عيادات التجميل لتسمير البشرة والحصول على موضة العصر "تان".



هذه المراوحة النفسية بين البياض والسمار تظل قائمة بتعدد الأمم والثقافات واختلافها، بل بالتمايز الجيني الموروث والمزروع عبر أجيال في "سلسال" العائلة وأصولها وجذورها، وقد عبّر عنه ببلاغة الشاعر العربي أبو العلاء المعري منذ قرون، بقوله الذائع: "هذا جناه أبي عليّ وما جنيت على أحد".


هذه المعركة التجارية والنفسية المستعرة والمتجددة يوميا والتي نعيشها في الواقع، بين الضدين البياض والسمار، وجدتْ لها أصداء واسعة في التاريخ في الأيام القليلة الماضية، من خلال واقعتين مختلفتين دالتين، ليصلا الشرق بالغرب على ما يبدو!


"تبييض" نفرتيتي:


التمثال النصفي للملكة الفرعونية نفرتيتي


تبقى الملكة الفرعونية السمراء نفرتيتي، زوجة الفرعون إخناتون، الذي حكم مصر القديمة في الفترة من 1336 إلى 1353 قبل الميلاد، أيقونة للجمال الفرعوني المصري، بل والعالمي لدرجة أن بيوت أزياء وموضة عالمية تبتكر تصاميم خاصة لها، كدار "كريستيان ديور" الفرنسية الشهيرة والتي استوحت أفكارا لتصميم مجوهرات من مقتنيات الملكة الفرعونية، وتمثالها النصفي الخالد، والذي عُثر عليه في مقبرة أمنحتب الثاني في وادي الملوك في أواخر القرن السابع عشر، يشهد بهذه الحقيقية التي لا ينازعها أدنى شك.


مومياء نفرتيتي


خالف برنامج "توداي شو" على شبكة "إن بي سي" الأمريكية الاعتقاد السائد بأن نفرتيتي كانت ذات بشرة أفريقية سمراء، وعرض نسخة ثلاثية الأبعاد لتمثال رأس الملكة المصرية الفرعونية نفرتيتي ببشرة بيضاء، وهو التصور الذي يستند إلى نتيجة دراسة حديثة تعتمد آلية الفحص بتقنية البعد الثالث 3D، خلص إليها عالم المصريات في جامعة بريستول البريطانية، أيديان دوسون، رجحت أن الملكة الفرعونية كانت بيضاء البشرة، مما أثار جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي.



واتهم أغلب منتقدي البحث التصور ثلاثي الأبعاد لتمثال الملكة نفرتيتي الذي نحتته الفنانة المتخصصة في الأعمال التاريخية إليزابث دانيس، بتزييف التاريخ، على حد قولهم، لأنه مخالف بشكل صارخ لتمثال نفرتيتي النصفي، ووصفه خبير الآثار المصرية، الدكتور زاهي حواس، بأنه تشويه للحقائق قائم على فهم خاطئ عن المومياوات المصرية ينتشر حول العالم، بينما وصفه الدكتور أيمن عشماوي، رئيس قطاع الآثار، بالخطأ العلمي، ولا يمكن الرد عليه، لأنه ضمن برنامج شو، ومبني على تصورات وليس له أساس من النهج العلمي السليم، واصفا ما تردد حولها بالـ"التفاهات"، ولا يستحق الرد عليه.


"تسمير" أوروبا عبر" شيدر مان":


يهرب الأوربي إلى دول الشرق حتى يتمتع بشمسها ويكتسب لونا، هكذا يحرصون خلال نزهاتهم على السواحل المشمسة، ولا يستطيع أحد إنكار أن أوربا تعتبر نفسها "بيضاء"، حتى أن بعض الجرائم التاريخية، وخاصة جرائم التطهير العرقي، جاءت على خلفية أفكار عن الجنس الآري النقي، وهو ما اتخذه أدولف هتلر ذريعة لتطهير ألمانيا من اليهود والسود.


وفي اكتشاف صادم، أشاح  باحثون مؤخرا الستار عن ما أسموه وجه أول بريطاني حديث عاش منذ أكثر من 10 آلاف سنة، ويُعتقد أنه أقدم سلف في بريطانيا ببشرة داكنة اللون وعينين زرقاوين وشعر مجعد أسود.


وكُشف عن كامل الإنسان الأحفوري المعروف باسم "شيدر مان"، في عام 1903، داخل كهف جوغ في Cheddar Gorge Somerset.


صورة متخيلة للإنسان الأحفوري شيدر مان


وأجرى الباحثون تحليلا شاملا للحمض النووي، واكتشفوا أن جينات "شيدر مان" ما تزال تؤثر على واحد من كل 10 بريطانيين، وتشكل نتائج البحث خروجا دراماتيكيا عن طور إعادة التشكيل المبكرة، والتي صورت أوائل البريطانيين الذكور على أنهم من ذوي البشرة الفاتحة.


واستخدم الباحثون تقنيات حديثة لاستخراج الحمض النووي من شظايا عظام "شيدر مان" القديمة، وتعاونوا مع المختصين لإجراء تحليل واسع النطاق، ثم نقلت المعلومات الناتجة إلى الفنانين الهولنديين، ألفونس وأدري كينيس، المختصين في صنع نماذج الأحافير.


ولكن الاكتشاف الأخير أثار سلسلة من الجدل السياسي والعنصري على الإنترنت، فالبعض شكك في نتيجة الأبحاث الجديدة وقال إنها ربما تكون محاولة لفرض صورة أن أصحاب البشرة السوداء هم الأصل في أوروبا وأن على الجميع تقبل الأمر.


بينما قال آخرون بحسب صحيفة "الإندبندنت" إن الاكتشاف الأخير هو دليل على أنه لو حصل في يوم من الأيام ووصل حزب "اليوكيب" العنصري للحكم في بريطانيا، فسوف يرحلون كل البيض من البلاد باعتبار أن صاحب الأرض الأصلي كان رجلا أسود.


العودة إلى الواقع:


سخرية عنصرية من خطيبة الأمير هاري ميجان ماركل


حالة من الغضب اشتعلت فجأة في بريطانيا والولايات المتحدة، بعدما انتشرت صورة فوتوشوب لخطيبة الأمير هاري، ميجان ماركل، يتم تشبيهها فيها بـ"رجل شيدر" الإنسان البدائي البريطاني الأسود.


وبحسب صحيفة "ديلي ستار" البريطانية، فإن المشكلة بدأت عندما نشر السياسي الأمريكي المؤيد لترامب، بول نيلين، الصورة العنصرية في سخرية من أصول "ميجان" المختلطة، كونها من أب أبيض وأم سوداء.


ورفضت الصحيفة وغيرها من وسائل الإعلام نشر الصورة المسيئة، بينما شن مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي حملة ضد السياسي العنصري وأزالوا الصورة من أغلب المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي.


هكذا يظل الصراع بين السمار والبياض قائما حتى ولو أنكر البعض وجوده، حتى على مستوى التاريخ والأبحاث االعلمية.