عن المحن!


قيل في الأثر- باب طبائع الأشياء- دخول الحمام مش زي خروجه. كانت أحداث يناير 2011 "حمام" دخل فيه الوطن وخرج منه "حاجة ثانية خالص". أتذكر الحياة قبل أحداث يناير، ويمكنني أن أجزم أن من ضمن ما تغير فيما تغير في الوطن هو اللغة.
قبل يناير "الشتيمة" كانت عيبا (على الأقل في مجتمعي). لم يكن من المقبول اجتماعيًا أن يستخدم رجل كلامًا خارجًا في حضرة النساء. قبل يناير لم يكن استخدام التعبيرات ذات الدلالات الجنسية شائعًا في الحوارات العامة. بعد يناير أصبحت الشتائم مكونًا رئيسيًا في معجم الحوار (خاصة على شبكات التواصل الإجتماعي).
وأصبح الرجال أكثر تحررًا من قيود التقاليد التي تعيب استخدام ألفاظ خادشة للحياء في حضرة النساء واكتفى بعضهم بإضافة "لا مؤاخذة" قبل اللفظ الخادش (قال يعني كده أصبح اللفظ مقبولًا). أما التعبيرات ذات الدلالة الجنسية فأصبحت تستخدم "عادي خالص" من كلا الجنسين حتى أن المرء يتساءل كيف عاش الناس قبل استخدام مثل تلك التعبيرات.
بالنسبة للكثيرين، وأنا منهم، كانت يناير ثورة لغوية "أبيحة" وكان علينا أن نفهم ما خفي علينا من معانٍ سواء بالاستنتاج أو بالسؤال المباشر.
من ضمن المفردات التي أضفتها لمعجمي بعد أحداث يناير، كلمة "مُحّْن". ظهرت الكلمة أمامي مرارًا في سياقات مختلفة لم تمكنني من استنتاج معناها. ولما شق عليّ الأمر قررت الاستعانة بصديق.
كانت إجابة صديقي أن "محن" كلمة فضفاضة يمكن تحميلها بالكثير من المعان. أحيانًا تستخدم في سياق سلبي وأحيانًا في سياق الوصف العادي. وأنها يمكن أن تشير لـ "السهوكة" أو "الدلع" أو "الرغبات الجنسية" أو غيرها من المعان الشبيهة.
انتشرت الكلمة الفضافضة وأصبح كل شيء فجأة محنًا! الشعر محن، الأفلام العاطفية محن، قصص الحب محن، النظرة واللفتة ومسكة اليد محن، الكلمة الحلوة محن، وبكل تأكيد الرغبة في الحضن محن!
إذن الحب محن؟
ستأتي إجابة الأغلبية سريعة وحاسمة، "إيه دخل الكلام الحلو والأحضان والنظرات والهمسات واللمسات بالحب؟ إيه دخل المحن بالحب؟ الحب أفعال لا أقوال!".
والإجابة السريعة والحاسمة بديهية بالفعل، فالحب أفعال لا أقوال. فالحب هو تقبل الشريك حلوه ومره، الحب هو المواءمة من أجل إنجاح العلاقة، الحب هو الخروج من مناطق راحتنا وأماننا من أجل محاولة إسعاد الشريك، الذي بدوره سيخرج من مناطق راحته وأمانه من أجل إسعادنا. الحب هو مشاركة السعادة واقتسام الفرح. الحب هو أن تجد من يمكنك الاعتماد عليه، لا لعجز فيك ولا لقلة حيلتك ولكن لإن رحلة الحياة أكثر سهولة وأمانًا في وجود هذا الشخص.
الحب أن يكون الحبيب حاضرًا في كل فكرة وكل تصرف. الحب كلمة حلوة في يوم سخيف، الحب مشاركة الطعام المفضل، الحب صحبة في مشوار ثقيل، الحب طبطبة تشجيع أو مواساة. الحب حضن مفتوح للحظات الضعف قبل القوة، الحب "مراضية". الحب مودة ورحمة، الحب تفاصيل صغيرة كثيرة يجدها الكثيرون غير مهمة في المطلق لكنها مهمة جدًا في سياقها.
الحب محن؟!
إن كنت تجد كل ما سبق محنًا فربما عليك إعادة تعريف المحن أو الحب أو حتى إعادة تعريف الحياة!
اقرأ أيضا