التوقيت الأربعاء، 07 مايو 2025
التوقيت 08:57 ص , بتوقيت القاهرة

لحن القوافي| عنترة بن شداد "أُعاتِبُ دَهراً لاَ يلِينُ لعاتبِ"

يومياً وحتى انتهاء شهر رمضان ينشر "دوت مصر" أحد قصائد العشق الإلهي والعذري التي يرددها البعض أو قد سمعها من مطرب أو منشد ولا يعرف باقي تلك القصيدة أو صاحبها.


هؤلاء الشعراء ذابوا شوقا فأذابوا بتنهداتهم الرقيقة، العاشقون اشتياقاً، وغردوا على أوتار القلب فخرجت كلماتهم لحن قوافي يسبي ويسري بين الأفئدة، رقوا وارتقوا فصارت حروفهم ألسنه تطير لا يحدها زمان أو مكان.


قصيدة اليوم للشاعر عنترة بن شداد


قال العرب "الشعر أحلاه أحرمه.. وأعذبه أكذبه"، وهكذا تفرد عنترة بن شداد العبسي بشعره، فقالوا إنه صاحب بيت الشعر الأكثر كذبا وكذلك الأجمل، في تاريخ الأدب.


وَلَقَدْ   ذَكَرْتُكِ   وَالرِّمَاحُ   نَوَاهِلٌ.. مِنِّي وَبِيضُ الْهِنْدِ تَقْطُرُ مِنْ دَمِي


فَوَدِدْتُ تَقْبِيلَ السُّيُـوفِ   لأَنَّهَا... لَمَعَتْ كَبَارِقِ   ثَغْرِكِ الْمُتَبَسِّـمِ



ولد في نجد كان فارساً له مكانةٌ مرموقة لدى قومه، أما والدته فهي زبيبة الحبشية التي أسرها والد عنترة، عند ولادة عنترة رفض شداد أن يتبعه بنسبه، حيث كان لدى العرب عادة بألّا يعترفوا بنسب أبناء الإماء.


اكتملت عنده صورة الخطاب الشعري، جماليا وبديعيا وعبر عن الحياة في الصحراء العربية بكل صورها، وفي شعره رقّة وعذوبة، وكان عفيفاً يكسب قوته بيده، ويترفّع عن الطّلب من الآخرين، يعتمد على نفسه متحمّلاً آلام الجوع، ولا يهين نفسه ولا يحقّرها.


اشتهر بحبه لبنت عمه مالك "عبلة" وحيل دون زواجهم فملئ سماء البيد عشقا بحبها.


بيضاء تسحبُ شعرها من طولهِ... وتغيبُ فيهِ وهو ليلٌ أسحمُ


فكأنها فيه نهارٌ طالعٌ.... وكأنه ليلٌ عليها مظلمُ


زادت محاسنها على من حولها... فسعى بخدمتها الجميعُ ويمموا


وكأنه بدرٌ بدا في تمّه.. لمّا بدا خفيت لديه الأنجمُ


قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما وصف لي أعرابي قط فأحببت أن أراه الا عنترة"


وقال في عبلة:


ألا يا عبل قد زاد التصابي.. ولج اليوم قومك في عذابي


وظل هواك ينمو كل يوم.. كما ينمو مشيبي في شبابي


عتبت صروف دهري فيك حتى.. فني وأبيك عمري في العتاب


ولاقيت العدى وحفظت قوما.. أضاعوني ولم يرعوا جنابي


سلي يا عبل عنا يوم زرنا.. قبائل عامر وبني كلاب


وكم من فارس خليت ملقى.. خضيب الراحتين بلا خضاب


يحرك رجله رعبا وفيه.. سنان الرمح يلمع كالشهاب


قتلنا منهم مائتين حرا ..وألفا في الشعاب وفي الهضاب


وله في الحكمة:


وإذا بليت بظالم كن ظالماً       وإذا لقيت ذوي الجهالة فاجهل


وإذا الجبان نهاك يوم كريهة           خوفا عليك من ازدحام الجحفل


فاعص مقالته ولا تحفل بها            واقدم إذا حق اللقا في الأول


واختر لنفسك منزلا تعلو به            أو مت كريما تحت ظل القسطل


فالموت لاينجيك من آفاته        حصنٌ ولو شيّدتهُ بالجندل


موت الفتى في عزةٍ خيرٌ له            من أن يبيت أسيرَ طرفٍ أكحل


يا نازلين على الحمى وديارِهِ          هلاّ رأيتم في الديار تقَلقُلي


قد طال عزكم وذلي في الهوى         ومن العجائب عِزّكُم وتذَلّلي


لا تسقني ماء الحياة بذلة بل            فأسقني بالعز كأس الحنظل


ماء الحياة بذلة كجهنمٍ           وجهنمٌ بالعز أطيب منزل


وله في الفخر:


أُعاتِبُ دَهراً لاَ يلِينُ لعاتبِ      وأطْلُبُ أَمْناً من صُرُوفِ النَّوائِبِ


وتُوعِدُني الأَيَّامُ وعْداً تَغُرُّني    وأعلمُ حقاً أنهُ وعدُ كاذبِ


خَدَمْتُ أُناساً وَاتَّخَذْتُ أقارباً     لِعَوْنِي وَلَكِنْ أصْبَحُوا كالعَقارِبِ


يُنادُونني في السِّلم يا بْنَ زَبيبة ٍ وعندَ صدامِ الخيلِ يا ابنَ الأطايبِ


ولولا الهوى ما ذلَّ مثلي لمثلهم  ولا خَضعتْ أُسدُ الفَلا للثَّعالبِ


ستذكرني قومي إذا الخيلُ أصبحتْ     تجولُ بها الفرسانُ بينَ المضاربِ



وقال في الفخر أيضاً:


أُعاتبُ دَهراً لا يَلينُ لناصِح     وأخفي الجوى في القلب والدَّمعُ فاضحى


وَقَومي معَ الأَيَّام عَوْنٌ على دَمي       وَقَدْ طلَبوني بالقَنا والصَّفائِحِ


وقد أبعدوني عن حبيبٍ احبُّه    فأصبحتُ في قفرٍ عن الانس نازح


وقد هانَ عندي بذلُ نفسٍ عزيزة ٍ      ولو فارقتني ما بكتها جوارحي


وأَيسَرُ منْ كَفِّي إذَا ما مَددْتُها    لَنَيْل عَطَاءٍ مَدُّ عُنْقي لذَابح


فيا رَبُّ لا تجْعلْ حَياتي مَذَمَّة ً   ولا مَوْتتي بين النِّساءِ النَّوائِحِ


ولكن قَتيلاً يَدْرُجُ الطَّيرُ حوْلَهُ   وتشربُ غربانُ الفلا من جوانحي


الحلقات السابقة 


لحن القوافي| أبو فراس الحمداني.. "ومنْ يخطبَ الحسناءَ لمْ يغلها المهرُ"


لحن القوافي| المعتمد بن عباد "فالعقل عندي أن تزول عقول"


لحن القوافي| ابن زيدون "يَا نسيمَ الصَّبَا بلّغْ تحيّتَنَا مَنْ لَوْ على البُعْدِ حَيّا كان يحيِينا"


لحن القوافي| ابن عبد ربه الأندلسي "أَعطيتُهُ ما سأَلا حكَّمتهُ لوْ عدلا"