التوقيت السبت، 20 أبريل 2024
التوقيت 03:53 ص , بتوقيت القاهرة

لحن القوافي| ابن زيدون "يَا نسيمَ الصَّبَا بلّغْ تحيّتَنَا مَنْ لَوْ على البُعْدِ حَيّا كان يحيِينا"

ينشر "دوت مصر" يوميًّا وحتى انتهاء شهر رمضان، أحد قصائد العشق الإلهي والعذري التي يرددها البعض أو قد سمعها من مطرب أو منشد ولا يعرف باقي تلك القصيدة أو صاحبها.


هؤلاء الشعراء ذابوا شوقا فأذابوا بتنهداتهم الرقيقة، العاشقون اشتياقًا، وغردوا على أوتار القلب فخرجت كلماتهم لحن قوافي يسبي ويسري بين الأفئدة، رقوا وارتقوا فصارت حروفهم ألسنة تطير لا يحدها زمان أو مكان.


قصيدة اليوم للشاعر الوزير الأندلسي ابن زيدون


عاش زهرة شبابه في قرطبة وتولى ابن زيدون الوزارة لأبي الوليد بن جهور صاحب قرطبة، ثم اتهمه ابن جهور بالميل إلى المعتضد بن عباد صاحب إشبيلية، فحبسه، إلا أنه تمكن من الهرب، ولحق ببلاط المعتضد في إشبيلية الذي قربه إليه، فكان بمثابة الوزير، وكان من ندماء ابنه المعتمد الذي تولى الحكم بعد ابيه المعتضد.



لم يعرف التاريخ الأندلسي شاعر ملك السياسة واليراع كابن زيدون، فهو الوزير والسفير المفوه وهو العاشق والشاعر الذي طوع مفرداته واستخدمها في غرامياته ولهوه في مراتع الأندلس.


كان فخورا بنفسه مختال بشبابه وكان مطمع ومطمح لفتيات الأندلس لرقة شعره وجمال صورته.


وكان مزهوا بنفسه يجيد الجدال والردود الدبلوماسية واستطاع ان يطوف جنبات الأندلس مغردا بكلماته وأشعاره بين الملوك والأمراء.


كانت القصة الأروع في تاريخ الأندلس، بين الشاعر إبن زيدون، وولادة بنت المستكفي، إبنة أحد أمراء قرطبة.


وكتب فيها وكتبت فيه، مفردات وتنهيدات تسبي الشعور وفاقت الوصف، واختلف معها من فرط غيرته عليها حينما دونت على ثوبها:


أنا واللَه أصلح للمعالي وأَمشي مشيتي وأتيهُ تيها... أمكنُ عاشقي من صحن خدّي وأعطي قُبلتي مَن يشتهيها


وهاج وماج وانفعل وأخذته فتوة الشباب، وهو الوزير الفارس المختال بنفسه، ولطمها على وجهها فطردته وكانت القطيعة التي استمر كل منها على ذكراها حتى وفاته.


وحين حاولت مصالحته بعد تلك الواقعة كتبت:


بيضٌ نواعمُ ما هممن بريبة ٍ    كظباءِ مكة َ صيدهنَّ حرامُ
يُحْسَبْنَ من لِينِ الكَلامِ زَوَانِيا    ويصدَّهنّ عن الخنا الإسلامُ


إلا أن ابن زيدون كان قد غادر إلى مستقر جديد، منشدا لها قبل سفره:


ودّع الصبرَ محبّ ودّعك    ذائع مِن سرّه ما اِستودَعك
يقرع السنّ على أَن لم يكن    زادَ في تلك الخطى إذ شيّعك
يا أَخا البدرِ سناء وسنى    رحم اللَه زماناً أطلَعك
إن يطُل بعدك ليلي فلكم    بتّ أشكو قصرَ الليل مَعك




 


قصيدة ابن زيدون المسماة "النونية" وهي من أجمل ما قيل في ألم النوى:


أضْحَى التّنائي بَديلاً منْ تَدانِينَا،       وَنَابَ عَنْ طيبِ لُقْيانَا تجافينَا


أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا       أُنساً بِقُربِهِمُ قَد عادَ يُبكينا


غِيظَ العِدا مِنْ تَساقِينا الهوَى فدعَوْا   بِأنْ نَغَصَّ، فَقالَ الدهر آمينَا


فَانحَلّ ما كانَ مَعقُوداً بأَنْفُسِنَا؛        وَانْبَتّ ما كانَ مَوْصُولاً بأيْدِينَا


وَقَدْ نَكُونُ، وَمَا يُخشَى تَفَرّقُنا، فاليومَ نحنُ، ومَا يُرْجى تَلاقينَا


يا ليتَ شعرِي، ولم نُعتِبْ أعاديَكم،   هَلْ نَالَ حَظّاً منَ العُتبَى أعادينَا


لم نعتقدْ بعدكمْ إلاّ الوفاء لكُمْ  رَأياً، ولَمْ نَتَقلّدْ غَيرَهُ دِينَا


ما حقّنا أن تُقِرّوا عينَ ذي حَسَدٍ       بِنا، ولا أن تَسُرّوا كاشِحاً فِينَا


بِنْتُم وَبِنّا، فَما ابتَلّتْ جَوَانِحُنَا  شَوْقاً إلَيكُمْ، وَلا جَفّتْ مآقِينَا


نَكادُ، حِينَ تُنَاجِيكُمْ ضَمائرُنا، يَقضي علَينا الأسَى لَوْلا تأسّينَا


حَالَتْ لِفقدِكُمُ أيّامُنا، فغَدَتْ    سُوداً، وكانتْ بكُمْ بِيضاً لَيَالِينَا


إذْ جانِبُ العَيشِ طَلْقٌ من تألُّفِنا؛       وَمَرْبَعُ اللّهْوِ صَافٍ مِنْ تَصَافِينَا


وَإذْ هَصَرْنَا فُنُونَ الوَصْلِ دانية ً      قِطَافُها، فَجَنَيْنَا مِنْهُ ما شِينَا


ليُسقَ عَهدُكُمُ عَهدُ السّرُورِ فَما كُنْتُمْ لأروَاحِنَ‍ا إلاّ رَياحينَ‍ا


لا تَحْسَبُوا نَأيَكُمْ عَنّا يغيّرُنا؛   أنْ طالَما غَيّرَ النّأيُ المُحِبّينَا!


وَاللهِ مَا طَلَبَتْ أهْواؤنَا بَدَلاً    مِنْكُمْ، وَلا انصرَفتْ عنكمْ أمانينَا


يا سارِيَ البَرْقِ غادِ القصرَ وَاسقِ به مَن كانَ صِرْف الهَوى وَالوُدَّ يَسقينَا


وَاسألْ هُنالِكَ: هَلْ عَنّى تَذكُّرُنا        إلفاً، تذكُّرُهُ أمسَى يعنّينَا؟


وَيَا نسيمَ الصَّبَا بلّغْ تحيّتَنَا     مَنْ لَوْ على البُعْدِ حَيّا كان يحيِينا


يا رَوْضَة ً طالَما أجْنَتْ لَوَاحِظَنَا      وَرْداً، جَلاهُ الصِّبا غضّاً، وَنَسْرِينَا


ويَا حياة ً تملّيْنَا، بزهرَتِهَا،    مُنى ً ضروبَاً، ولذّاتٍ أفانينَا


ويَا نعِيماً خطرْنَا، مِنْ غَضارَتِهِ،      في وَشْيِ نُعْمَى ، سحَبنا ذَيلَه حينَا



لَسنا نُسَمّيكِ إجْلالاً وَتَكْرِمَة ً؛ وَقَدْرُكِ المُعْتَلي عَنْ ذاك يُغْنِينَا


يا جنّة َ الخلدِ أُبدِلنا، بسدرَتِها  والكوثرِ العذبِ، زقّوماً وغسلينَا


كأنّنَا لم نبِتْ، والوصلُ ثالثُنَا، وَالسّعدُ قَدْ غَضَّ من أجفانِ وَاشينَا


إنْ كان قد عزّ في الدّنيا اللّقاءُ بكمْ    في مَوْقِفِ الحَشرِ نَلقاكُمْ وَتَلْقُونَا


نأسَى عَليكِ إذا حُثّتْ، مُشَعْشَعَة ً،     فِينا الشَّمُولُ، وغنَّانَا مُغنّينَا


لا أكْؤسُ الرّاحِ تُبدي من شمائِلِنَا      سِيّما ارْتياحٍ، وَلا الأوْتارُ تُلْهِينَا


دومي على العهدِ، ما دُمنا، مُحافِظة ً، فالحرُّ مَنْ دانَ إنْصافاً كما دينَا


فَما استعضْنا خَليلاً منكِ يحبسُنا       وَلا استفدْنا حبِيباً عنكِ يثنينَا



 


الحلقات السابقة 


لحن القوافي| حافظ إبراهيم "كَتَمْتُ فقالوا شاعِرٌ يُنْكِرُ الهَـوَى"


لحن القوافي| إبراهيم ناجي "لو جرت في خاطري أقصى المنى لتمنيتُ خيالاً من خيالك"


لحن القوافي| أبو مدين الغوث.. "تضيقُ بنا الدنيا إذا غبتُم ُعنا"


لحن القوافي| ابن عبد ربه الأندلسي "أَعطيتُهُ ما سأَلا حكَّمتهُ لوْ عدلا"