التوقيت الثلاثاء، 23 أبريل 2024
التوقيت 03:26 م , بتوقيت القاهرة

من بطل إلى مسجون.. الشاذلي "عقل أكتوبر المدبر" المجهول

 لم يتوقع الفريق سعد الدين الشاذلي أن بداية طريق منصب رئيس أركان القوات المسلحة، الذي تقلده في 16 مايو 1971 سينتهي باللجوء السياسي للجزائر، بعد حرب أكتوبر، ثم العودة إلى الوطن بعد محاكمته وسجنه وتنصيله من الأوسمة والنياشين.


ورغم ثقة الرئيس محمد أنور السادات في قدراته وإمكاناته، وتعيينه رئيسا للأركان مفضلًا إياه على 40 لواء أقدم منه، عانى الشاذلي من حرب تشويه وخلافات وأزمات مع وزيري الحربية، الفريق أول محمد صادق، والمشير محمد إسماعيل، والسادات نفسه، ثم الرئيس الأسبق، محمد حسني مبارك.


ولم يعرف أبناء وطنه قدره مثلما عرف أعداؤه، فأطلق عليه الإسرائيليون "ديان مصر"، ولقبه الخبراء العسكريون بـ"العقل المُدبر" لحرب أكتوبر، وسُمي بـ"صاحب المآذن العالية" نسبةً إلى خطته التي أتاحت للجيش المصري العبور وتحقيق النصر، في حين حرمته قياداته من التكريم، فاستلم الوسام في الخفاء، ورُفع اسمه وصورته من قائمة الأبطال.


وتحل اليوم الأربعاء، الذكرى الخامسة لوفاة الفريق سعد الدين الشاذلي، الذي توفي عن عمر يناهز 89 عامًا، في 10 فبراير من العام 2011.. "دوت مصر" يرصد أبرز الأزمات التي واجهته خلال مشواره العسكري وحتى مماته.


السادات يفضل الشاذلي على صادق


بدأت خلافات الشاذلي مع وزير الحربية الأسبق، الفريق أول محمد صادق، قبل أن يصبح الشاذلي رئيسًا للأركان، حيث حضرا ذات مرة مؤتمرًا خارج مصر، في مجلس الدفاع العربي المشترك، واقترح الشاذلي، بصفته الأمين العام المساعد العسكري للجامعة العربية، مشروعًا جديدًا على المجلس، وأثناء الاستراحة طلب منه صادق، بصفته وزير الدفاع، تغيير خطته للمشروع للتوافق مع رأيه، وعندما رفض الشاذلي هدده محمد صادق بعزله فورًا.


وبعد تعيين الشاذلي، رئيسًا للأركان، ظلا مختلفان في العديد من الأمور، ومنها خطة العمليات الخاصة في تحرير سيناء، فحاول صادق النيّل من الشاذلي، وتحميله مسؤولية أخطاء الخطط الإستراتيجية، وبعدما تفاقمت الأزمة ذهب صادق للسادات قائلًا: "عليك أن تختار يا أنا يا سعد الشاذلي في القوات المسلحة".


ولكن اختلف الرئيس السادات مع صادق، في هذا الأمر، إضافة إلى اقتناعه برؤية الشاذلي، وفضل استمراره في منصبه، آنذاك، ما جعله يحسم القرار بإعفاء محمد صادق من منصبه كوزير للحربية، وتعيين المشير أحمد إسماعيل.



الشاذلي وإسماعيل.. علاقة متوترة


قابل العميد أحمد إسماعيل، قبل توليه منصب وزير الحربية، العقيد الشاذلي في أحد الاجتماعات، وتبادلوا بعض الكلمات الخشنة، وكاد يصل الأمر للاشتباك بالأيدي، مما تسبب في علاقة متوترة استمرت لسنوات.


وبعد تعيين أحمد إسماعيل وزيرًا للحربية، ظلت العلاقات بينهما متوترة، لكنهما لا يختلطا كثيرًا حتى بدأت أزمة حرب أكتوبر، وبدا اختلاف وجهة نظر الشاذلي مع السادات وإسماعيل، مما أعطى الفرصة للأخير للتحالف ضده مع السادات، وتحميل الشاذلي كل أخطاء الحرب، واتفقا على إقصائه، وتشويه صورته.


واعترف إسماعيل للشاذلي وهو على فراش المرض بعد سنتين بذلك قائلا: "أعلم أنك كنت هدفًا لهجوم شرس وظالم، ولكني أريد أن أؤكد أن الرئيس هو من وراء ذلك، وحتى الفيلم التسجيلي الذي أعددناه عن حرب أكتوبر فقد أمر السادات بإسقاط اسمك وصورك منه".



السادات والشاذلي..وفاق ثم تشويه


بدأت العلاقة بين السادات والشاذلي بتوافق كبير، وانتهت بحملات تشويه وتزييف للتاريخ، فبعدما كثرت الأزمات بينهما، واختلفا كثيرًا في الآراء، فوجأ الشاذلي باستدعاء من أحمد إسماعيل في ديسمبر 1973، قائلًا له: "قرر رئيس الجمهورية إنهاء خدمتكم كرئيس أركان حرب القوات المسلحة، وأصدر قرارًا جمهوريًا بتعينك سفيرًا في وزارة الخارجية".


وبدأت حملات تشويه لصورته وإنكار دوره وتحميله مسؤولية أخطاء الحرب، ومع بداية منصبه الجديد كسفير في وزارة الخارجية لم يُكرم الشاذلي كباقي قادة القوات المسلحة، ولم يُذكر اسمه بين أسماء أبطال أكتوبر، الذين تسلموا الأنواط والأوسمة في مجلس الشعب، واكتفى السادات بإرسال "نجمة الشرف" له في مكتبه في لندن.


وتفاقمت الأزمة بعدما هاجم الشاذلي اتفاقية "كامب ديفيد"، وعارضها علانية، واتهم السادات بالديكتاتورية، بعد توقيعها في العام 1978، ثم اتخذ قرارًا بترك منصبه كسفير، واختار اللجوء السياسي للجزائر.


أمر السادات بعدها بالتخلص من صور الشاذلي، التي يظهر فيها بجانبه داخل غرفة العمليات، واستبدالها بآخرين، وفي العام 1978، كتب السادات مذكراته "البحث عن الذات" واتهم فيها الشاذلي بالتخاذل وحمله مسؤولية التسبب بالثغرة، وقال عنه: "عاد منهارًا من الجبهة".



الشاذلي ومبارك.. نهاية وحقائق غائبة


نشر الشاذلي مذكراته، والتي رد فيها على اتهامات السادات له، وبعد تولي مبارك الحكم، تم التحقيق في الأمر، وصدر حكمًا في عهد مبارك بمحاكمة الفريق الشاذلي غيابيًا في العام 1983 بالسجن ثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة، بتهمة إفشاء أسرار عسكرية، ووضعت أملاكه تحت الحراسة، كما تم حرمانه من التمثيل القانوني، إضافة إلى تجريده من حقوقه السياسية.


وظل الشاذلي في الجزائر حتى اتخذ قرارًا بالعودة في 14 مارس 1992، بعد قضاء 14 عامًا خارج البلاد، وتم القبض عليه فور وصوله للمطار، ونُفذ الحكم عليه بقضاء فترة بالسجن الحربي، كما صودرت منه الأوسمة والنياشين.



وحصل الشاذلي على عفو، وخرج من السجن في أكتوبر 1993، وعاش فترة كبيرة مختفيًا عن الأنظار، حتى حل ضيفًا على قناة "الجزيرة" في حوار تلفزيوني معه في العام 1999، وتوفي في 10 فبراير 2011، بعدما قضى عمرًا طويلًا امتلأ بالأحداث والأسرار والعلاقات المتوترة والتوافق والخلاف والتشويه.


وبعد كل ذلك ظهرت الكثير من الحقائق عندما نشرت إدارة الشؤون المعنوية، في يونيو الماضي فيلمًا وثائقيًا يوضح إنجازات الشاذلي ودوره في حرب أكتوبر: