التوقيت الجمعة، 26 أبريل 2024
التوقيت 09:49 ص , بتوقيت القاهرة

لحن القوافي| إبراهيم ناجي "لو جرت في خاطري أقصى المنى لتمنيتُ خيالاً من خيالك"

يومياً وحتى انتهاء شهر رمضان ينشر "دوت مصر" أحد قصائد العشق الإلهي والعذري التي يرددها البعض أو قد سمعها من مطرب أو منشد ولا يعرف باقي تلك القصيدة أو صاحبها.


هؤلاء الشعراء ذابوا شوقا فأذابوا بتنهداتهم الرقيقة، العاشقون اشتياقاً، وغردوا على أوتار القلب فخرجت كلماتهم لحن قوافي يسبي ويسري بين الأفئدة، رقوا وارتقوا فصارت حروفهم ألسنه تطير لا يحدها زمان أو مكان.


قصيدة اليوم للشاعر إبراهيم ناجي، طيب الأدباء وأديب الأطباء، الذي حصل على بكالوريوس الطب ثم اتجه للشعر، ساعيا نحو الكمال والجمال فسكر من الحب بانيا الخيال من حوله، فكان شاعر يسهو وبذكر العهد يصحو، محاولا أن يتعلم كيف ينسى وكيف يمحو، متسائلا في النهاية أو كل الحب غُفرَانٌ وَصُفْحُ ؟!.؟!.


جاءت شهرة "ناجي" بعد وفاته ولم يلق التكريم الذي يستحقه كشاعر مرهف الحس مضطرب الجوانح والخلجات دائما، أجاد توظيف المفردات وتطويعها لتكون في خدمة حالته الشعرية، فأجاد وصف حالات العاشق ما بين الصد والهجر والقلى وقطع الرجاء.


ارتبط ناجي بقصة حب مع الفنانة زوزو حمدي الحكيم، وكان يكتب قصائده ممهورة بإهداء لـ"ز"، وكانت ملهمته في معظم قصائده التي تحدث فيها عن النوى والهجر والقرب والصد.


زوزو حمدي الحكيم


وسبب اشتهاره عقب وفاته 1956، حينما غنت له سيدة الغناء العربي أم كلثوم قصيدته الأشهر "الإطلال" ومزجت معها أبيات من قصيدته "الوداع".


 دوت مصر يعرض اليوم أبيات من قصيدة "الخريف" للشاعر إبراهيم ناجي التي تميزت كلماتها بالعذوبة والرقة، والشجن المتدفق منسابا مع كل حرف مخبراً عن صب مدنف لا يعيش إلا على الذكرى والأطلال.


 


يا حبيبي غيمة في خاطري   وجفوني وعلى الأفق سحابهْ


غفر اللهُ لها ما صنعت        كلما شاكيتها تندى كآبة


 


كثر الهجرُ على القلب فهل    من سلو أو بعاد يرتضيهِ


أنت فجرٌ من جمال وصبا    كل فجر طالع ذكَّرنيهِ


كيف جانبتك أبغي سلوةً       ثم ناجيتك في كل شبيهِ


أيها الساكن عيني ودمي       أين في الدنيا مكان لست فيهِ


 


عندما أقفرتِ الدنيا جميعاً     لحتَ لي تحمل عمراً وربيعا


إن يكن حلماً تولى مسرعاً    أجمل الأحلام ما ولى سريعا


إن يكنْ ما كان دَيْناً يقتضيْ   خلني أدفعه عنك دموعا


قد شريناه عزيزاً غالياً إن تكن بعتَ فإني لن أبيعا


 


لم أقيدك بشيء في الهوى     أنت من حبي ومن وجدي طليقْ


الهوى الخالص قيد وحده      رب حر وهو في قيد وثيقْ


مزّقت كفيك أشواكُ الهوى    وأنا ضقت بأحجار الطريقْ


كم ظميٍ بظميٍ يرتوي         وغريق مستعين بغريق             


 


يا قماري الروض في أيك الهوى     جفّتِ الروضة من بعد النديمْ


حل بالأيك خريفٌ منكرٌ       وظلال قاتماتٌ وغيومْ


ماتت الروضةُ إلا طائفاً       من هوى حي على الذكرى يقومْ


 


يا عذارى الحسن في ظل الصبا      كل حسن بعد ليلاي دميمْ


يا نعيم العيش في ظل الرضا آه لو أعرف ما طعم النعيمْ


 


يا فؤادي قاتل اللهُ الضجرْ     وعذابي بين حل وسفرْ


ما ترى قنطرةً من بعدها      راحة ترجى وبال يستقرْ


ذلك الجرح وما أفدحه     ما عليه لو إلى السلوى عبرْ


قد طواه اليوم في بردته       وأتى الليلُ عليه فانفجرْ


 


مرَّ يومي فارغاً منك ومن    أملِ اللقيا فما أتعسَ يومي


أنت يومي، وغدي أنت    وما من زمان مرّ بي لم تكُ همي


آهِ كم أغدو صغيراً     حاجتي لكَ كالطفل إلى رحمةِ أمِّ


ولكم أكبر بالحب إلى أن      أغتدي مستشرقاً آفاق نجمِ


 


أي سرٍّ فيك إني لست أدري   كل ما فيك من الأسرار يغري


خطرٌ ينسابُ من مفتر ثغر    فتنة تعصف من لفتة نحرِ


قدر ينسج من خصلة شعر    زورق يسبحُ في موجةِ عطرِ


في عباب غامض التيار يجري       واصلاً ما بين عينيك وعمري


 


أخيالاً كان هذا كلُّهُ    ذلك الجسر الذي كنا عليه؟


والمصابيح التي في جانبيه    ذلك النيل وما في شاطئيه؟


وشعاع طوفت في مائه       وظلالٌ رسبت في ضفتيه


وحبيب وادع في ساعدي      ووعود نلتها من شفتيه؟


 


رب لحن قص في خاطرنا    قصةَ الحادي الذي غنّى سهادَهْ


وكأن الصمت منه واحدةٌ      هيأتْ من عشبِها الرطبِ وسادَهْ


ها أنا عدت إلى حيث التقينا   في مكان رفرفت فيه السعادَهْ


وبه قد رفرف الصمتُ علينا  إنَّ في صمت المحبين عبادَهْ


 


رفرف الصمتُ ولكن أقبلتْ   من أقاصي السهلِ أصداءً بعيدَهْ


تتهادى في عبابٍ ساحرٍ       مرسلٍ للشطِّ أمواجاً مديدَهْ


كم نداء خافت مبتعد           تشتهي أذنُ الهوى أن تستعيدَهْ


عاد منساباً إلى أعماقها        هامساً فيها بأصداءٍ جديدَهْ


 


هذه الدنيا هجيرٌ كلُّها  أين في الرضاء ظل من ظلالكْ


ربما تزخر بالحسن وما       في الدمى مهما غلت سر جمالكْ


ربما تزخر بالنور وكم        من ضياء وهو من غيرك حالكْ


لو جرت في خاطري أقصى  المنى   لتمنيتُ خيالاً من خيالك


 


أنا إن ضاقت بي الدنيا أفئْ   لثوانٍ رحبةٍ قد وسعتنا


إنما الدنيا عبابٌ ضمنا وشطوطٌ من حظوظٍ فرقتنا


ولقد أطفو عليه قلقاً   غارقاً في لحظة قد جمعتْنا


 


ما الذي صبك صباً في الفؤادْ         ما الذي إن أقصِه عنيَ عادْ


طاغياً يعصفُ عصفاً بالرشادْ       ظامئاً سيان قرِب وبعادْ


ساهر العينين موصول السهادْ    ما الذي يجري لهيباً في الرمادْ


ما الذي يخلقنا من عدم        ما الذي يجري حياةً في الجمادْ



كم حبيب بعدت صهباؤه      وتبقت نفحةٌ من حببِهْ


في نسيجٍ خالدٍ رغم البلى      عبث الدهرُ وما يعبث بِهْ


ما الذي في خصلة من شعرهِ ما الذي في خطه أو كُتبِهْ؟


ما الذي في اثرٍ خلَّفه  من أفانين الهوى أو عجبِهْ؟


 


ما الذي في مجلس يألفه       عقد الحبُّ عليه موعدَهْ؟


ربما يبكي أسى كرسيُّهُ        إن نأى عنه وتبكي المائدَةْ


ربما نحسبها هشتْ إذا عائدٌ هش لها أو عائدَهْ


ربما نحسبها تسألنا    حين نمضي أفراق لعدَهْ؟


 


يا فؤادي العمر سفرٌ وانطوى وتبقتْ صفحة قبل النوى


ما الذي يغريك بالدنيا سوى   ذلك الوجه، وذياك الهوى؟


الحلقات السابقة


لحن القوافي| الحلاج.."والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت إلا وذكرك مـقـرون بأنفاسـي"


لحن القوافي| أبو مدين الغوث.. "تضيقُ بنا الدنيا إذا غبتُم ُعنا"