التوقيت السبت، 10 مايو 2025
التوقيت 01:31 ص , بتوقيت القاهرة

أصوات سينمائية واعدة في أجيال

اختتمت مساء السبت الماضي، 5 ديسمبر، فعاليات الدورة الثالثة لمهرجان أجيال السينمائي في الدوحة، المهرجان الذي يسير بخطى واثقة ليثبت نفسه كواحد من أهم الفعاليات التي تستهدف الأطفال والناشئة في المنطقة العربية.



وخلال حفل توزيع الجوائز التي اختارتها لجان تحكيم مكوّنة بالكامل من أطفال وشباب، تم تقسيمهم لأربع مراحل عمرية بين 4 و21 سنة، يمكن أن تلمس بوضوح تأثير تجربة التعرض الجماعي لأعمال سينمائية ومناقشتها مع صناعها على وعي أكثر من 500 صبي وفتاة شاركوا في التحكيم.



لكن بخلاف المسابقات الأربعة لأفلام الناشئة، والمعنونة بأوجه القمر: بريق، مُحاق، هلال، بدر، فهناك مسابقة عمرها أقدم من المهرجان نفسه، هي مسابقة "صُنع في قطر" التي انطلقت عام 2011 من مهرجان الدوحة ترايبكا الذي توقفت فعالياته، لتستكمل المسابقة تواجدها ضمن "أجيال"، عارضة مجموعة من الأفلام القصيرة المنتجة من قبل قطر، سواء لمخرجين مواطنين أو مقيمين فيها، ليبلغ عدد الأعمال المشاركة في مسابقة هذه الدورة 17 فيلماً.


الأفلام جاءت متباينة في النوع والأسلوب وبالطبع المستوى، وبينما عاني كثير منها من عيوب البدايات، فإنّ خمسة أفلام على الأقل كانت تشي بمواهب واعدة تحتاج لمزيد من الرعاية، وبالتأكيد مزيد من الدراسة والتدريب من قبل صناعها.


"مشكلة صناعة السينما الوليدة في قطر أننا لا نعرف حتى الآن فكرة التفرغ للسينما، كل من يصنعون الأفلام هنا لديهم وظائفهم وعائلاتهم ويمارسون السينما كهواية لا احتراف، وهو ما يؤثر بالطبع على الوقت الذي يمكنهم أن يخصصونه لتطوير أعمالهم، وهو ما تحاول المؤسسة مساعدتهم فيه"، هكذا تحدثت فاطمة الرميحي الرئيسة التنفيذية لمؤسسة الدوحة للأفلام ومديرة مهرجان أجيال السينمائي، موضحة موقف المهرجان والمؤسسة من الأفلام التي نتعرض لأبرزها في هذا المقال.



شجرة النخيل
على العكس من الثرثرة الغالبة على الكثير من أفلام البرنامج، وهي أحد عيوب البدايات، يصنع المخرج جاسم الرميحي فيلمه خالياً من أي حوار أو تعليق صوتي، فقط أربع عشرة دقيقة من الرصد لعالم النخيل في الجزيرة العربية، زراعته وتصنيعه وتحويل التمر إلى منتج جاهز للتسويق. عملية لا ينقلها المخرج بحس إخباري بل يحاول صياغتها في تكوينات بصرية جمالية، مع الاعتماد على أصوات المكان الواقعي في خلق جوّ عام مناسب للعمل. أكثر أفلام البرنامج إخلاصاً لفكرة السينما كفن بصري، وكان من الطبيعي أن يتوج بجائزة أحسن فيلم تسجيلي في نهاية المهرجان.



قلب البيت
للمخرجة البريطانية غابرييل سول، التي تدخل إلى كواليس أحد الفنادق الفاخرة في الدوحة، وبالتحديد لعالم ثلاثة من العاملين في الفندق: طاه وعامل خدمة غرف ونادلة، كلهم من الأجانب العاملين في قطر. قوة الفيلم تكمن في فكرة التسلل إلى عوالم نراها دائما من السطح دون أن نعرف ما وراءها، ففي النهاية الثلاثة يجب عليهم أن يبتسموا في وجه جميع النزلاء حتى لو لم تكن تلك هي مشاعرهم الحقيقية. المخرجة التي قامت بتصوير لقطات ممتازة بصرياً لعالم الفندق الخلفي، عابها التحفظ في التعامل مع الشخصيات التي تحدثت في أغلب زمن الفيلم (20 دقيقة) عن عملها بحياد لا يريد أن يقع في أي خطأ يحسب عليه، فيما عدا لحظات قليلة كالتي يعترف فيها عامل الغرف البنغالي أن أهله في الوطن لا يعرفون طبيعة عمله لأنهم سيشعرون بالعار لو علموا، وهي بالظبط اللحظات التي كان يجب على المخرجة أن تفتش عنها حتى تخرج بعمل أكثر زخم وإنسانسية.



تخليد الذكريات
الصورة الحالية للدوحة هي ناطحات السحاب الشاهقة، لكن الأجيال القديمة من السكان عرفت وجها آخر للمدينة. المخرج المصري مصطفى الششتاوي يقوم بتخليد ذكرياته ـ وفقاً للعنوان ـ بفيلم تسجيلي عن العمارة التي نشأ فيها، وهي بناية كلاسيكية من عدة طوابق تدعى عمارة العطية، سكنتها أسرته لعقود مع العديد من أسر المهاجرين الذي تركوا بلادهم بحثاً عن الرزق، فكوّنوا مجتمعاً وعائلة بديلة داخل البناية. في الفيلم حس نوستالجي مسيطر يرفقه المخرج في الكثير من الحالات بمعادل بصري شيق من تفاصيل العمارة التي تحمل بشكل ما ملامح لذكريات جيلين أو أكثر، وإن عابه مباشرة المقابلات مع السكان وتقليديتها، سواء على مستوى الصورة الاستاتيكية التلفزيونية في تسجيل الحوار، أو في التعبير عن المشاعر تجاه المكان بعبارات صريحة أشبه بالشعارات.



بخلاف الفيلمين السابقين يمكن التنويه بعملين آخرين من البرنامج، هما "أصوات خفيفة" للمخرج المصري كريم كامل و"مريم" للمخرجة زينب محمد عيون. الأفلام الخمسة كانت أبرز ما في البرنامج، والأكثر تعبيراً عن أصوات واعدة، ربما يكون لها شأن في صياغة سينما خاصة بمنطقة لا تزال تتلمس طريق إيجاد صناعة سينمائية وطنية.


موسم المهرجانات السينمائية يبدأ