التوقيت الأحد، 05 مايو 2024
التوقيت 02:02 ص , بتوقيت القاهرة

ألف مشهد ومشهد (25)

يفضل في فيلم "اللص والكلاب" مشهدين وجملة.


قبل ما نتكلم عنهم نقول إن السينما كـ فن فيها عناصر كتير: سيناريو، حوار، تصوير، مونتاج، وإدارة ده كله اللي هو الإخراج، وصناعته اللي هو الإنتاج.


وكل عنصر من دول جواه عناصر زي الفكرة والإضاءة وإدارة الإنتاج، موضوع كبير، ومفيش فيلم تقريبا الواحد شافه محقق التميز في كل العناصر دي بـ نفس الدرجة، مهما كان الفيلم عظيم.


في فيلمنا، العنصر الأول في تقديرنا هو الحوار وبعديه ييجي أي حاجة، الحوار اللي بـ يخليك تستحمل حاجات كتير زي أداء شكري سرحان الأوفر في المشاهد الحاسمة، والمشهدين اللي بـ نتكلم عنهم الحوار فيهم يكاد يكون أشعار، ينفع تنزل في دواوين عادي، وهـ تبقى أحسن من دواوين كتير لـ أسماء كبيرة.


المشهد الأول، هو المحاكمة الافتراضية اللي عملها سعيد مهران لـ نفسه، وفي خياله قعد يسجل دفاعاته.
كمال الشيخ اتصرف كويس، وعمل مشهد مسرحي علشان يتغلب على فكرة المونولوج الطويل اللي قاله سعيد مهران، وده لازم يتكتب زي ما هو: 
القاضي: 
سعيد مهران
إنت متهم بالقتل مع سبق الإصرار
عايز تقول حاجة؟
سعيد: 
يا حضرات المستشارين
أنا اللي هـ أدافع عن نفسي
أنا صحيح شلت المسدس
لكن رؤوف علوان هو اللي علمني ضرب النار
أنا ما قتلتش البواب
لأني لا أعرفه ولا يعرفني 
هو اتقتل علشان كان خدام رؤوف علوان
هو ده السبب
إمبارح بالليل فضلت صورته قدام عنيا
حتى لما نمت على همومي زي كل يوم 
جالي في المنام
داريت وشي منه
قال لي ما تحزنش يا سعيد 
ملايين زيي بيموتوا من غير حساب
أنا هـ أفضل ورا رؤوف لما أشده ورايا فـ تربتي
إن شا الله حتى ما أشوفش بنتي سناء
هـ تحكموا علي بـ إيه
أكتر من اللي حكمت علي بيه سناء
قتلتني قبل ما أشوف المشنقة
كل الناس بـ تعطف علي بينها وبين نفسها
إذا حكمتوا علي بـ الموت، هـ تقتلوا كل دول
أنا حلمهم
أنا أملهم
أنا الدموع اللي بـ تفضح صاحبها
مش أنا بس اللي مجنون 
لو تدوروا تلاقوا 
كل اللي له قلب، مجنون
شوفوا السبب إيه
وبعدين ابقوا احكموا علي


سعيد لا ينكر أي تهمة، هو بـ يعيد تعريف الاتهامات، وتحديد المعايير، وأهم معيار شايفه هو إنه هو اللي بـ يعبر عن واقع "الناس"، كل واحد مننا جوه سعيد مهران عايز ينتقم ويشكل العالم وفقا لـ مفاهيم الفقرا، ويوجد معنى للعدل والظلم غير المعنى المنتشر، المعنى اللي بـ يخلقه رؤوف علوان. علشان كده في المشهد التاني بتاعنا، هو بـ يوصف المحكمة الواقعية، اللي هـ تحاكمه فعلا بـ إنها "محكمة رؤوف علوان".


المشهد التاني هو المشهد قبل الأخير، لما اتحاصر، وجت نور تقنعه يسلم نفسه، تقنعه بـ "الاستسلام" للواقع، فـ قالت له: لازم يكون عندك شوية إيمان، فـ سألها سؤال بسيط: بـ مين؟



الجملة دي كان لازم تتقال بـ هدوء، من غير زعيق خالص، بـ مين؟ هو ده الموضوع، إيمان بـ مين؟ بـ نبوية وعليش؟ ولا بـ رؤوف علوان؟ ولا بـ اللي حواليكي، اللي عايزين رقبتي؟


منظومة الواقع كلها بايظة، التمسك بـ المحكمة الافتراضية هو الحل، الواقع ما فيهوش غير تلات حاجات:


خيانة (نبوية وعليش)
تنظير للخيانة ودفاع عنها (إعلام رؤوف علوان)
الحفاظ على الخونة والمنظرين ليها (الشرطة والقضاء)


والشرطة مش عايزة رقبته لأنه خارج عن القانون، الكل خارجين عن القانون، هم عايزين رقبته لـ إنه عايز يكسر المنظومة دي، وهنا تيجي الجملة الأهم، لما رؤوف سأل سعيد إيه الهدف من ده كله؟
فـ قال له:
الثبات على "المبدأ" يا صاحب الرسالة


والثبات على المبدأ، يخليه يقف بـ مسدس وحيد، ورجل مكسورة، يواجه التحويطة الكاملة، فـ يموت موتة جيفارية، ويقفل الفيلم على "نور" وحيدة في كادر بديع، بعد ما يقف الظابط مع رؤوف علوان يولعوا لـ بعض سجاير على جثة "الشهيد".


الكلاب!