التوقيت الأحد، 28 أبريل 2024
التوقيت 09:27 م , بتوقيت القاهرة

عمر الزهيري يستحضر "تشيخوف" في القاهرة

"ما بعد وضع حجر الأساس لمشروع الحمام بالكيلو 375".. فيلم قصير لمخرجه المصري الشاب عمر الزهيري، والذي شارك في مسابقة "سينيفونداسيون"، ضمن فعاليات النسخة 67 من مهرجان "كان" السينمائي لعام 2014.


يتناول الفيلم موقفا محوريا في حياة أحد الموظفين، الذي يضطر إلى العطس بشكل تلقائي، بينما يضع مسؤول كبير في الشركة حجر الأساس للمشروع في إحدى المناطق الصحراوية، ويسيطر الخوف على الموظف ما يدفعه للعودة للمنزل ليحضر أجندة التليفونات ويبحث عن رقم المسؤول، حتى يتصل به ويعتذر له عن الموقف الذي حدث دون قصد.


الفيلم مقتبس من قصة "موت موظف" للكاتب الروسي أنطون تشيخوف، التي نشرها تحت اسم مستعار "أَنْطُوتْشَا تْشِيخُونْطِي" في مجلة Les éclats عام 1883، حيث تدور القصة الأصلية حول الموظفِ الفائق "إيفان تْشِيرْفياكُوف"، الذي كان يستمتع ذاتَ ليلة بمشاهدة أوبرا أجراس كورنفيل، وفجأة عَطَسَ فظن أن عطسه أصاب قفا رجلٍ عجوزٍ، كان يجلس في الصف الذي أمامه، وتأكد له الظن حينما رأى الرجلَ يمسح قفاه وجمجمتَه الصلعاءَ بقفازه، وسمعه يُزمجر ببعض الكلمات الغامضة.


 


عرف إيفان أن الرجل هو القائدُ المدني لوزارة المواصلات أو الاتصالات، حينذاك شعر بالحرج واعتذر للقائد الذي لم يبالِ بالأمر، وتكررت الاعتذارات في القصة حتى بلغ عددُها 6، ما بين ليلةٍ ويومين، ولكن الاعتذار الأخيرَ أثار غضب الرجل العجوز وهو في مكتبه، فثار وصاح في وجه إيفان بحدةٍ شعر هذا الأخير على إثرها بشيء ما قد انشق في داخله، وبعد أن عاد إلى داره واستلقى على الأريكة مات.



قصة "الزهيري" مقتبسة بشكل مباشر من قصة "تشيخوف"، لكن الأول وضع لمساته الخاصة على الكادرات البصرية والألوان المستخدمة، ألوان الفيلم تعطي إحساسا بالبرودة والجفاف، ألوان تشبه الموجة السينمائية في أفلام أوروبا الشرقية، وجوه شاحبة، وصمت يخيم على تقاطيع الصورة.


 


الفيلم يحمل شحنة من الكوميديا السوداء والسخرية التي تتجلى في عدّة مشاهد، منها المشهد الذي يجلس فيه مسؤول الشركة مع أحد الخبراء الأجانب ليتحدثوا عن المشروع، ليقوم أحد الموظفين بمدح المشروع بشكل مبالغ فيه، كما يواظب الصحفيون على تقديم صور مزيفة تنافي الواقع عن رؤية المشروع، حالة من الخوف العام تسيطر على بطل الفيلم وأتابعه، وصورة أشبه بمجتمع تسحق فيه طبقة الأقوياء الطبقة الكادحة التي تمثل لأوامرها، ربما أراد أن يُوصل رسالتين، أولهما أن مشاركة الضعفاء السلبية خلقت تلك الطبقة وجعلتها تتوحش، والثانية أن تحميل منطق الخوف أكثر من طاقة سيتحول إلى كابوس يومي يطارد صاحبه.


الفيلم مدته 18 دقيقة من الرهبة والتشتت، وتم تصويره في أحد المصانع القديمة للحديد والصُلب بمنطقة "حلوان"، وهو الفيلم الثاني لعمر الزهيري، وقد عمل هذا الشاب مساعدا للمخرج الكبير يسري نصر الله، لأكثر من 8 سنوات.


قدّم الزهيري شكرا خاصا له في نهاية الفيلم، لكنه كان يؤكد دائما على استقلاليته الفنية، والغريب في الفيلم أيضا أنه تم انجازه في فترة زمنية قصيرة؛ حيث كان ضمن مشروعات التخرج الخاصة بمعهد السينما في أكاديمية الفنون.