التوقيت الجمعة، 25 يوليو 2025
التوقيت 05:36 ص , بتوقيت القاهرة

محمود أبو زيد.. الإصلاحي صاحب "الكيف"

هو أحد أبرز أبناء جيله، واحد من قلائل أصبحت جمل كتبوها وصاغوها، أمثال و"إفيهات" يتم تناقلها على ألسنة المصريين في أغلب المواقف، رغم رصيده السينمائي البسيط إلا أنه له علامة كبيرة ومهمة في السينما المصرية، أختلف النقاد حول سينماه ولكنهم أبدا لم يقللوا من قدرته ككاتب حوار بارع وسيناريست جيد، هو الراحل محمود أبو زيد.


ولد أبو زيد في 7 مايو عام 1941، وحصل على بكالوريوس المعهد العالي للسينما عام 1966، كما حصل على ليسانس الآداب قسم فلسفة، قدم أول أفلامه عام 1971 وحمل عنوان " بنات في الجامعة" وطوال عشر سنوات كان أبو زيد يقدم أفلامه، ولكن بداية أبو زيد الحقيقة جاءت حينما قدم مع المخرج على عبد الخالق فيلمهم الأول والهام "العار" عام 1981.


أبو زيد وسينماه الإصلاحية


العار هو بداية أبو زيد الحقيقة، في هذا الفيلم يبدأ منهج وطريقة محمود أبو زيد كسيناريست مختلف عن كل الأصوات السينمائية السائدة، صوت ظل يتردد في العديد من الأعمال بعد ذلك ربما كان أهمها " الكيف عام 1985، جري الوحوش 1987، البيضة والحجر عام 1990" والثلاثة من إخراج على عبد الخالق.


إذا كان هناك خلاف سائد بين فلاسفة السينما حول دور السينما في المجتمع وتأثيرا كلا منهما على الأخر، وأسفر هذا الخلاف عن ظهور تيارات عديدة كل منها تحمل وجهة نظر في السينما والمجتمع، فإن أبو زيد كان من أنصار تيار يمكن ان نطلق عليه السينما الإصلاحية، وهي السينما التي من وظائفها إصلاح حال المجتمع بعرض سلبياته وكيفية علاجها.



أبو زيد في أفلامه كان لابد أن تجد ذلك الصوت الوعظي، فمثلا فيلم "جري الوحوش"، هناك الصديق الذي يحاول طيلة الوقت القيام بدور الواعظ لأصدقائه ولكل من حوله، متحدثا بالآيات والأحاديث والأسانيد الشرعية، أيضا في فيلم "العار"، أبو زيد لا يقاوم تلك النزعة، فينهي الفيلم بآية قرآنية، وفي الكيف ينتهي الفيلم ببيت شعر " إنما الأمم الأخلاق ما بقيت".


هذا الاتجاه الذي داوم محمود أبو زيد على اتباعه في أعماله، لذلك فإن أغلب أعمال أبو زيد تكون متميزة للغاية حتى تقترب من الثلث الأخير للفيلم، فيبدأ هذا الصوت الوعظي في الظهور، حتى تجد أن الأمر تحول إلى ما يشبه "إرشادات الوزارة" كما كان يقال وقتها، ويتحول الحوار المتميز الذي خلقه طيلة أحداث الفيلم لحوار من عينة " افعل ولا تفعل".


صاحب "الشمخ الجواني"


على جانب أخر كان أبو زيد واحدا من أفضل كتاب الحوار في السينما المصرية، لا يمكن أن تخطئ أذنك حوارا كتبه محمود أبو زيد، ليس فقط لأن حواره مناسب لجو الفيلم العام، أو مناسب للشخصية التي تتحدث، بل إن أبو زيد صاحب الجملة التي ما إن تسمعها حتى تقول "الشخصية ما ينفعش تتكلم غير كدة" هو إذن لا يقدم حوارا يليق بالشخصية، ولكنه يقدم حوارا نابعا من الشخصية نفسها، كأنما كان يجلس مع تلك الشخصيات ويدون خلفهم ما يقولونه.



وأيضا من أهم مميزات أبو زيد في كتابة الحوار، تلك الجرأة التي يكتب بها كلماته، كأن يكتب مثلا "أه من نشأ الدود في بطن العمود"، ليرد عليه " الدود مردود والعمود ممدود" تلك جمل حوارية من فيلم الكيف لمحمود أبو زيد، تجد تلك الجرأة في التركيب واختيار اللفظ، وربما أكبر مثال على ذلك هو حوار فيلم "الكيف" ككل، وكيفية تفاوت لغة الحوار بين الشخصيات المختلفة حسب طبقتهم الاجتماعية ومستواهم الفكري أيضا، ولا يغفل أبو زيد أن يغير لسان "مزجانجي" حينما يحاول إقناع أخيه، فهو هنا يتحول ليخاطبه بنفس اللغة التي يفهمها أخوه عالم الكيمياء، ولكن لسانه يتغير حينما يتحدث مع "بيصي النكش" في القهوة.



من مميزات أفلام أبو زيد أيضا هو اختياره لأسماء الشخصيات، فلن تجد سيناريست في مصر قرر أن يطلق لقب مزجانجي على بطل أحد أفلامه سوى محمود أبو زيد، وستجد أيضا في أفلامه "بيصي النكش، محروس ننس، كأوده، صباصي، وتوالي تنيح، وسخسوخ، وعبده الكرف" وغيرها من أسماء أطلقها أبو زيد على شخوصه، ربما إمعانا في السخرية أو إمعانا في الشعبوية.


أبو زيد لم يكن مجرد سيناريست وكاتب حوار جيد، بل هو أيضا كاتب أغاني، فكل الأغاني في فيلم الكيف وفيلم البيضة والحجر وفيلم جري الوحوش كتبها أبو زيد بنفسه، ربما كان يعتقد أن أي شاعر مهما بلغت درجة موهبته وتفهمه للشخصية لن يأتي بأغنية تصلح أن تغنى على لسان الشخصية مثله، لذلك تجد الأغاني أيضا في أفلام أبو زيد جزء لا يتجزأ من نسيج العمل نفسه.



أبو زيد قدم للسينما حوالي 22 فيلم أخرهم كان " بون سوارية" وله في ذمة الدراما المصرية مسلسل وحيد وهو "العمة نور" بينما قدم للمسرح مسرحيتين هما "جوز ولوز" وحمري جمري"، قبل أن يبتعد عن الساحة الفنية لسنوات طويلة، قبل أن يغادر دنيانا مساء اليوم 11 ديسمبر 2016.