التوقيت الإثنين، 30 يونيو 2025
التوقيت 04:54 م , بتوقيت القاهرة

الدنيا على جناح عبد الملك زرزور

طائر الرخ يقف على هضبة عالية و"بطلعة نفس" يوقف تلك المجزرة التي صنعها الصبيان في حارات الأباجية، الكل ضد ذاك الشاب ذو القلب الميت، الذي خافه الجميع إلا هو، الوحيد الذي رأى أنه "أخضر"، صخب الدنيا في لحظة إلى سكون، هيبة العجوز تظهره عملاقًا، وما الدنيا في نظره إلا جناح يمامة، وهو ما هو: طائر الرخ "حد له شوق لحاجة؟".


لم تكن لشخصية عبد الملك زرزور أن تظهر بعدها الثالث إلا به، ابن الورديان الذي دعست موهبته الفذة ملامح الفتى الوسيم، وطبعت رجلي طائر الرخ أثرها الباقي في أرض الفن السابع، لم يكن لعبد الملك زرزور أن يستحيل من شخصية مرسومة بعناية على ورق فائق الجودة إلى ابن آدم من لحم ودم إلا بحضرة محمود عبد العزيز، الساحر الذي أتم تكوينها ثم انطلق بها إلى عالم الأسطورة بجناحيه الضخمين، فيُهيأ لي أنني سألقى كبير الزرازير يوما، وأني كذلك لن أقابله ما حييت.


"صحيت الحتة على دخلة معلمك.. جه بدولته وركب الجبل"


عبد الملك زرزور هو ملك دولة الظل التي يحكمها قانون خاص، واقتصاد خفي، ومنطق يحدده حاكمها، ولغة ليس لفهمها سبيل سوى الانغماس في هذا العالم، إنها الدولة التي نراها ولا نعرفها، هي الدولة الأسطورية التي يقبل عقلك مباشرة كل ما تسمعه عنها وإن كان أبعد من الخيال... تلك المساحة الشاسعة التي تليق بموهبة أرحب من فن التمثيل نفسه، تلك المساحة التي لن يملؤها سواه: محمود عبد العزيز.


"لو فيه نخلة فرعة فى حوش بيتك جدورها مدت وهيجي لها يوم تضايقك، تقطعها على طول ولا تستنى بلحها الأول وبعدين تقطعها؟"


عبد الملك زرزور كـ محمود عبد العزيز، شخص ذو أبعاد عدة، فـ زرزور ليس هو تاجر المخدرات حاكم عالمها السفلي في الأباجية، وليس هو القاتل الذي ينهي حياة أحدهم دون أن يرجف له جفن كأنه يمارس فعلا ثانويًّا، إنه الرجل صاحب الحكمة، فيلسوف عابث يمنطق دنياه ويسيرها كما يريد لا كما ينبغي أن تسير، إلا في ساحة الغرام... هنا يظهر زرزور العاشق الذليل، الذي يجري دائما وراء حورية ولا يطالها، لا حرام نافع ولا حلال، لا ترهيب ولا ترغيب، كل هذه القوة والجبروت وكل تلك المحاولات ولم ينجح زرزور في إمالة حورية.. ذاك ليس صراع غرامي بين رجل وامرأة يحبها، حورية هي الدنيا التي تعصى وتأبى على زرزور أن يعيشها كما يريد... زرزور بكل قوته وهيبته وهالته الأسطورية: شخص بائس حزين.


"ربنا يكفيك شر الراجل لما يحب مرة.. المعلم يقدر ينقي أي مرة من هنا لحد ما تجيب عينيه.. بشخللة جيبه، بجوزين اقلام، بطلعة نفس زي ما تخلص، لكن ييجي عند بنت العفريتة دي ويقلب تلموذ خيبان".


أصبح من العبث أن أقول أن محمود عبد العزيز أيضا ليس هو رأفت الهجان فقط، وليس هو منصور بهجت، أو الشيخ حسني، أو أبو هيبة، أو رضا سائق التاكسي، أو أبو كرتونة.. أو.. أو.. أو... "ما علينا".


لم يكن محمود عبد العزيز مشغولا بمكانته أو بتصنيفه أو بترتيبه بين نجوم جيله العظام، هو يعمل فقط حتى يبتسم ويضحك ويفرح... لذلك ورغم أن عبد الملك زرزور هو درة تاج مملكة ما بعد التمثيل التي استحقها محمود عبد العزيز دون سواه، فما إن وضعت هذه الدرة فوق تاجه المتفرد، حتى نظر هو إلى من حوله وقال بسخريته المعهودة: "إيه هناخد صورة للذكرى؟".


"كانت أغلى مهرة في سوق الرهاوين.. بعديها بسنتين بقت نمرة واحد في سبق الحصالة.. وبعدين تتعلق وتشد كارو.. دنيا غريبة.. مكتوب."