التوقيت السبت، 21 يونيو 2025
التوقيت 12:03 م , بتوقيت القاهرة

هل تعذب النبي في سكرات موته؟

بعد أن قصصنا في موضوعنا السابق آخر نظرة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمسلمين، وكيف كان رد فعلهم، وعرضنا الحوار الأخير الذي دار عمه العباس وابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، نستكمل اليوم عرض سكرات الموت التي طلب النبي إعانة ربه عليها.


بعد أن قال العباس لعلي أنه يرى في وجه النبي ما رآه في وجوه بني عبدالمطلب عند وفاتهم، فؤجئ المحيطون بالنبي في غرفة السيدة عائشة رضي الله عنها بأنه يقول: "اللهم أعني على سكرات الموت"، كما روى الإمام أحمد بن حنبل والنسائي.


 سكرات عذاب؟


بعض العلماء فهموا أن النبي لم يحتمل سكرات الموت؛ لأنها سكرات عذاب، لكن هنا رأيا مغايرا لعدد من العلماء نعرضه في هذا الموضوع؟


لا.. سكرات طرب


ذكر القسطلاني في "المواهب اللدنية": أن الشيخ أبا محمد المرجانى- أحد كبار علماء تونس- قال: "تلك السكرات سكرات الطرب، ألا ترى إلى قول بلال حين قال له أهله وهو في السياق: واكرباه، ففتح عينيه وقال: واطرباه، غدا ألقى الأحبة محمدا وصحبه، فإذا كان هذا طربه وهو في هذا الحال بلقاء محبوبه وهو النبي وحزبه، فما بالك بلقاء النبي لربه تعالى، وهذا موضع تقصر العبارة عن وصف بعضه".



روح الكون


وذكر الشيخ يوسف النبهاني فى كتابه "جواهر البحار" تفسير معنى سكرات الموت على رسول الله للسيد محمد البكري الكبير حين قال: "إن الكون جواهره وأعراضه مستمد من حضرته، وهو صلى الله عليه وآله وسلم سائر فيه سريان حكمته تعالى في خليقته، فنشأ من ذلك أن فراق روحه صلى الله عليه وآله وسلم  لجسده كأنه فراق كل روح لكل جسد، وكل حياة لكل حي من كافة ما دارت عليه منطقة الوجود، وأحاط به اسم الموجود".


وأضاف البكري شرح لهذه الحالة فقال: "فأهل عالم الدنيا يتعلقون به لاتصاله بالحضرة العلية، فهم يحبون بقاءه في هذا الوجود؛ لأنهم قد أمدتهم حياته التي هي حياة كل موجود، ولذلك تشبثوا بأذيال ترحاله وانتقاله، وهنا ظهر سلطان الحبيب بقوة تعلق الكائنات به في الدنيا، وكثرة وفود عوالم الملكوت من الملائكة وغيرهم لتعجل قدومه إليهم، فكان النبي بين أمرين من رعاية أحوال الوافدين ورعاية أحوال من يفارقهم، ولذلك كان يطلب من الله أن يعينه على هذا الأمر".


قول ثقيل


وأضاف البكري "الموت تحفة المؤمن، فقد أتحف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك الوقت بتنزلات أحدية، وتجليات صمدية، وأسرار كانت مستكنة في قدس الذات، ومشاهدات كانت متبرقعة بالأسماء والصفات، ولا شك في ثقل أعباء تلك التنزلات، قال تعالى: "إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا" (المزمل:5).


ثم لم تتوقف هذه السكرات، إلا بعد أن وصل جبريل ومعه ملاك الموت، ودار بينهما وبين النبي الحوار الأخير، وانتهى الحوار بآخر كلمات النبي في الدنيا.. سنعرضها في موضوعنا المقبل.. فتابعونا.