التوقيت الأحد، 19 مايو 2024
التوقيت 07:41 ص , بتوقيت القاهرة

"مولانا" أفلام تصفية الحسابات تبقى ضعيفة

ذات يوم روى لي أحد الأصدقاء وكان يعمل مساعد مخرج للراحل يوسف شاهين، أن "جو" كان دائما ما يحذر مساعديه وتلاميذه من صناعة أفلام لتصفية الحسابات، هو نفسه صنع فيلم "سكوت ها نصور" كنوع من تصفية الحسابات بينه وبين أحد الأشخاص، لذلك كان الفيلم نقطة سوداء في تاريخ "جو" السينمائي.


بين السينما والخطابة
ضجة ولغط وترقب، كان هذا ما سبق عرض فيلم "مولانا" والذي يعود به المخرج مجدي أحمد على بعد توقف سينمائي دام ما يقرب من 8 سنوات كاملة، الرواية لإبراهيم عيسى والسيناريو والحوار مناصفة بين الإثنين، أما البطولة فهي لعمرو سعد ودرة وأحمد مجدي وريهام حجاج وأحمد راتب ومجدي فكري وعدد كبير من الأسماء والنجوم.


الفيلم الذي اعترض مشايخ الأزهر على تنفيذه قبل مشاهدته، يروي حكاية ربما تكاد تكون معادة ومكررة بشكل قد يصل لحد السخافة، قصة رجل دين يصبح نجما إعلاميا فيتورط في حسابات السياسة والشهرة والمالي، ويصبح مضطرا لأن يكون لاعب سيرك يسير على الحبل حتى لا يسقط.


حكاية نمطية ومعروفة للغاية وربما يمكنك أن تعدد أسماء العديد من "المشايخ" الذين تنطبق عليهم تلك الأوصاف، واختار المخرج والمؤلف أن تكون أحداث الرواية أو الفيلم في عهد مبارك، وهو أمر مفهوم نوعا ما، فحينما تريد أن تنتقد نظام حكم ما في مصر فأنت ببساطة تنتظر أن يذهب هذا النظام ويأتي نظام جديد وتهاجم النظام القديم بمنتهى الأريحية والأمان.


تلك اللعبة يلعبها بعض السينمائيين منذ القدم، فحينما أرادوا مهاجمة الملكية هاجموها بعد ثورة يوليو وحينما أرادوا مهاجمة نظام عبد الناصر هاجموه في عصر السادات وحينما أرادوا مهاجمة عصر السادات هاجموه في عصر مبارك، وحينما أرادوا مهاجمة مبارك فهم يهاجمونه منذ سقوطه في 2011 وحتى الآن وربما لفترة طويلة قادمة.


ولكن للأسف حتى هذا الهجوم جاء ضعيفا على المستوى الفني، السيناريو والحوار ذهب بالفيلم لمنطقة الخطابة السينمائية، أو السينما الوعظية، صحيح أنه لم ينزلق في فخ "افعل ولا تفعل" ولكنه أيضا جاء سطحيا وربما عانت بعض مشاهد الفيلم من ركاكة الحوار أيضا وهو أمر غريب على مخرج مثل مجدي أحمد علي، والذي كانت أفلامه مميزة بصريا وأيضا حواريا.


الفيلم الذي لم يفسح المجال للصورة لتقول ما يجب عليه أن تقوله، اكتفى بملء المشاهد بجمل حوارية رنانة، تصلح لكي تكون جمل على صفحات "فيسبوك" أكثر من كونها تصلح لتكون جملا حوارية في فيلم بين شخصيات من المفترض أنها مرسومة بعناية شديدة، انزلق في فخ الأحادية الشديدة، فالأحداث طيلة الوقت تميل في اتجاه واحد، طيلة الوقت نحن " مشاهد ومخرج ومؤلف" في كفة حاتم، هذا جيد من الناحية النظرية ولكن في حالة وجود صراع حقيقي داخل الفيلم، ولكن الفيلم في الأساس دون صراع.


شخصيات مجوفة وظهور باهت
شخصية حاتم الشناوي "مولانا" شخصية مجوفة بدون صراع حقيقي، رغم محاولات اختلاق صراع داخلي بين محاولة حفاظه على "لقمة العيش" وبين أن يكون إنسانا صادقا مع نفسه صاحب مبادئ وعقيدة قويمة، هذا التجويف والتصحر الذي عانت منه الشخصية، لم تفلح محاولة خلق الصراعات في سده، فصراعه العائلي جاء باهتا غير مفهوم وربما متناقض للغاية.


أما صراع حاتم مع السلطة فهو لم يزد حرفا عما نعرفه جميعا عن قصص بعض من شيوخ الميديا، صراع تنافس فيه إبراهيم عيسى ومجدي أحمد على في تصفية حسابات قديمة ربما حسابات أيدولوجية أو أخلاقية أو خلافات مباشرة وشخصية، بينهم وبين النظام المباركي.


شخصية حاتم نفسها شخصية سطحية، حتى أن تلك السطحية ظهرت في أداء عمرو سعد بوضوح فهو مزيج من أحمد زكي في أيام السادات، وعادل إمام في أفلام الثمانينات، شخصية بلاستيكية بلا روح حقيقة، حتى عمرو نفسه لم يستطيع أن يعطي روحا لتلك الشخصية، وربما ليس الأمر مشكلة عمرو بمفرده ولكن تلك المشكلة يشاركه فيها "مجدي أحمد على مخرجا" وإبراهيم عيسى ومجدي أحمد علي "كتابا".


الغريب أن أثناء تنفيذ الفيلم ظهرت أصوات من مشايخ الأزهر تحاول منع تنفيذ الفيلم بحجة أنه يسيء لعلماء الأزهر وشيوخه، وأنه لا يجوز تقديم شخصية شيخ الأزهر بشكل لا يليق، بعيدا عن كون أي شيخ أزهري منذ "شيخ الأزهر" حتى أصغر علماءه وشيوخه، هم مجرد بشر، ليسوا منزهين أو مرفوعين إلى مصاف الأنبياء والصحابة، ولكن الفيلم لم يقدم صورة سلبية للأزهر أو شيوخه، وحتى شيوخ الإعلام كان الأزهر منصفا لهم، فشخصية حاتم شخصية مثالية للغاية ومتصالحة مع نفسها وتعرف ما ترتكبه من آثام وتحاول أو توازن أمورها لا أكثر وتحاول أن تتحرك بذكاء في طريق مليء بالفخاخ، إذا أين تشوية صورة الشيخ الأزهري هنا؟.


ربما يكون الاعتراض على الشخصية التي جسدها أحمد راتب رحمه الله، وهو أمر بسيط فالشخصية ليست بكل هذا السوء الذي تخيله "الشيوخ" شيخ آخر يحمل أفكارا ربما تكون متعصبة، وهو ما حدث في الواقع ونعلمه جميعا ويعلمه شيوخ الأزهر قبلنا، بل وسبق تقديم تلك الشخصية في أعمال درامية سابقة ولم يعترض الأزهر أو علماؤه.


وبعيدا عن علماء الأزهر واعتراضاتهم على الفيلم، إلا أن "مولانا" شهد إقحاما غير مبرر لفكرة الشيعة والسنة، ربما إذا كان صناع الفيلم اكتفوا فقط بجعل هذا الخط يقف عن حدود العداوة الطبيعية بين الجماعات التكفيرية وأهل الطرق الصوفية ربما كان الأمر استتب وكان الخط الدرامي سار بشكل طبيعي بعيدا عن التعقيد، ولكن ربما كان هدف صناع الفيلم مناقشة التطرف الديني ضد الآخر من كل جوانبه، وهو ما دفعه لعمل نهايتين متعاقبتين للفيلم، نهاية وهو يتحدث عن الشيعة، ثم يغلق مجدي الشاشة كأنه أنهى فيلمه، ثم يعاود كأنما تذكر شيئا يريد قوله ليعيد تقديم عدد من المشاهد ما يقرب من 3 أو 4 مشاهد فقط لينتهي الفيلم "يا سلام؟!".


أخيرا سعدت بشدة بكل هذا الزخم من أسماء لنجوم ولكن الأمر لم يكن موفقا، بالتأكيد كل منهم قدما دورا يليق به فنيا، ولكن لماذا؟، هذا الحشد من الأسماء لماذا، في حين أنهم باستثناء فتحي عبد الوهاب وعلاء حسني، الجميع أتوا بوجوه مكررة قدموها من قبل ربما بنفس التفاصيل، في حين أن فتحي عبد الوهاب وعلاء حسني هما أفضل من ظهروا في الفيلم طول مدة عرضه، وهو أمر يسئل فيه مجدي أحمد على تحديدا، كيف كان معك كل هذه الطاقة الفنية ولم تستغلها جيدا.


مولانا، كان مشروع فيلم جيد لولا أخطاء وخطايا التجربة الأولى، وهي محاولة مناقشة كل شيء، ونمطية الشخصيات وردود أفعالها، والحوار المعلب، فتحول من مشروع فيلم جيد لمجرد محاولة لتصفية حسابات، وبالونه هوائية انفجرت فأحدثت دويا ثم "كأن شيئا لم يكن" لذلك في رأيي مازال مجدي أحمد على غائبا عن السينما، بينما أتمنى كل التوفيق لأستاذنا إبراهيم عيسى صحفيا وإعلاميا.