التوقيت الجمعة، 29 مارس 2024
التوقيت 04:23 م , بتوقيت القاهرة

ليس بدموع إسراء الطويل بل بالقانون

أسأل نفسي لماذا تعاطف الناس مع سمية طارق "فتاة المول"، التي لطمها متحرش على وجهها، ولم يتعاطفوا بنفس الدرجة مع إسراء الطويل، المحبوسة منذ خمسة أشهر؟


وليس ذلك سؤالا استنكاريا. إنما سؤال استفهامي، أعتقد أن هناك أربعة أسباب رئيسية لذلك:


?- البعد المعنوي في قضية سمية طارق. حيث لم يصدر منها ما يبرر أن تتعرض لقسوة ما. وهذا هو البعد الذي حاولت ريهام سعيد أن تلعب عليه، وأن تقول لا بل إن سلوك سمية استدعى القسوة معها، فإذا بالناس توجه غضبها نحو ريهام سعيد، وتضعها في نفس الخانة التي وضعت فيها المتحرش من قبل.


المهم في سياق هذا المقال هو أن الجمهور يفهم معنى "أخلاق" أكثر من نخبته الإعلامية. الأخلاق ليست السلوك. الأخلاق هي ذلك الجانب المعنوي الذي يعطي لفعل ما ثقلا. هي القيمة الغائبة الحاضرة في تصرف أو حدث. قد تنهزمين، لكن شيئا ما معنويا، يجعل الناس تنظر إليك على أنك منتصرة. ما هو هذا الشيء المعنوي؟ إنه ما نترجمه في اللغة العربية إلى أخلاق. ونخلط بينه وبين الكلمة التي تستخدم نفس اللفظة.


?- لقد بكت إسراء الطويل حين جدد حبسها. البكاء، ولا سيما من المرأة، يعطى قيمة معنوية عالية جدا في ثقافتنا. لكن رغم ذلك، ورغم كل الكلام "الأخلاقي، الإنساني" الذي صب لصالحها من أكثر من طرف. لا تزال قضية الإفراج عنها عاجزة عن الحصول على الزخم الكافي لتحقيقها. لأن هناك عاملا معنويا آخر يلعب ضدها حتى الآن. كلامها. إسراء الطويل أظهرت نفسها سابقا كإنسانة قاسية القلب، لا تأبه بأن يُقتل رجال أمن، لهم هم أيضا أبناء يبكونهم.


أكاونت إسراء الطويل على تويتر استخدم ضدها في الحرب الإعلامية. ويبدو أن مؤيدي الإفراج عنها لم يلتفتوا إلى هذا حتى أمس. أمس فقط أغلقوا الأكاونت الخاص بها.


?- إسراء تحملت تبعات صورة ذهنية لم تكن مسؤولة عنها. وتلك هي الصورة الذهنية التي كونها محمد سلطان، ابن القيادي الإخواني صلاح سلطان، الذي كان يتنقل بتروللي طبي أثناء وجوده في السجن، ولا تنقطع التقارير عن سوء حالته الصحية. لكنه بمجرد أن خرج من مصر صار كالحصان. ناهيك أن صوره إلى جانب البيتزا قرئت في المجال العام قراءات لم يفكر هو فيها وهو يبثها. لقد ترك هذا انطباعا لدى الرأي العام شبيها براعي الذئاب الصارخ.


?- السنوات الماضية حولت كلمة نشطاء إلى كلمة منفرة ?(liability). هذه نقطة مهمة جدا يتغافل عنها النشطاء في بلادنا. كلنا نغضب. وكلنا نعبر في لحظات غضبنا تعبيرات قاسية، ربما لا تعبر عن ما فينا بالضبط. هذا جائز بالنسبة للمواطنين العاديين. لكنه خطأ قاتل بالنسبة للنشطاء الحقوقيين الذين مهنتهم الترويج للمعاني "الأخلاقية النبيلة" - هكذا يقولون. وأقوالهم تصير حجة عليهم. ولو ثبت أنهم يطالبون لأنفسهم بحقوق الإنسان بينما يتهاونون مع حقوق الإنسان لغيرهم ستكون ضربة قاصمة لبضاعتهم. وستجعل كلامهم بلا معنى.


توسيع حدود أي قضية يوسع حدود المتخاصمين فيها. إذ المتخاصمون يستدعي بعضهم بعضا. استدعاء النشطاء استدعى كارهيهم. ولن يكون هذا في صالح إسراء الطويل.


هل يعني هذا أن إسراء يجب أن تبقى في السجن؟


بالعكس. الغرض من المقال هو الإشارة إلى عوامل الضعف في إثارة قضية الإفراج عن إسراء الطويل.


"كيف يمكن لفتاة عرجاء أن تكون خطرا على النظام؟" أو "كيف تتحمل قلوبكم رؤية دموعها؟" أو غير ذلك من العبارات لا تعني شيئا في القضية. في الذاكرة الجمعية للبشر، في كل عائلة، كثير من الوجوه البريئة التي تقترف كوارث. كل الكلام العاطفي مردود عليه. ولا سيما في بلد فقد فيه مجندون ورجال أمن أصغر من إسراء سنا حياتهم، ولم يعرهم المحرضون على قتلهم ذرة من تعاطف. (عمر إسراء 23 سنة، من مواليد 28 يونيو 1992).


لكن الكلام العاطفي مقصود ومتعمد. لأنه يعفي متبنيه من الاحتكام إلى القانون. وبالتالي من نفي تهمة التحريض عن إسراء. حيث في نفي التهمة إقرار بأنها تهمة. هذه أنانية سياسية، من هذا التيار أو ذاك، ينبغي أن تنتبه لها أسرة إسراء، فلا تترك ابنتها ضحية صراع ليست هي المتحكمة فيه. صراع سيجعل أي سلوك انتقامي ضدها، أو ظلم قانوني بحقها، يتوارى خلف حرب الأمزجة التي تشغل الرأي العام.


حجة إسراء الطويل قوية في الجانب القانوني. لقد حبست خمسة أشهر دون إحالة إلى المحكمة. هذا يعني أن جهة الادعاء نفسها لا تملك أدلة مقنعة تدينها، أو تكفي لإحالة قضيتها إلى قاض يحكم فيها. وبالتالي يجب الإفراج عنها لهذا الداعي. ولهذا الداعي وحده.


سيكسب الأفراد كثيرا لو أنهم لجأوا إلى محامين غرضهم الوحيد هو الدفاع القانوني عنهم والحصول على أتعاب مادية مقابل هذا، بلا أهداف أيديولوجية. يجيدون صياغة البيانات إلى الرأي العام، بصورة لا تستعدي على موكليهم أحدا، بل تقوي موقفهم القانوني والمعنوي في نفس الوقت.


يمكنك أن تتابع كافة التفاصيل والمستجدات المتعلقة بإسراء الطويل من هنا: