بدأت بوادر الأزمة بعد اجتماع لمجلس القضاء الأعلى برئاسة القاضي سهيل عبود قبل يومين وافق خلاله المجلس على تعيين محقق عدلي رديف (قاضي تحقيق احتياطي) لمعالجة الأمور الضرورية والملحة كطلبات إخلاء السبيل والدفوع الشكلية، وذلك طيلة فترة تعذر قيام قاضي التحقيق الأصيل في قضية انفجار ميناء بيروت القاضي طارق البيطار بمهامه.

وبرر المجلس قراره بأن الهدف منه حسن سير العمل القضائي وإحقاقاً للحق وذلك إلى حين زوال المانع الذي يحول دون ممارسة البيطار لعمله في القضية التي لم يصدر فيها حتى الآن قرار الاتهام.

وأكد مجلس القضاء الأعلى أن هذا القرار جاء بناء على طلب وزير العدل بحكومة تصريف الأعمال هنري الخوري، حيث استند الوزير في طلبه إلى سابقة قضائية قضت بتعيين محقق عدلي بسبب تعذر قيام الأصيل بمهامه تعود إلى عام 2006، وذلك في تحقيقات قضية اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري ومرافقيه وذلك أثناء فترة سفر قاضي التحقيق في القضية القاضي إلياس عيد خلال العطلة القضائية.

واحتفى التيار الوطني الحر (الفريق السياسي لرئيس الجمهورية) ومناصريه بالقرار الذي يمهد للإفراج عن مدير الجمارك وباقي المحبوسين على ذمة القضية وخصوصا بعدما التقى الرئيس عون بأسرهم مرارا ووعد بالنظر في أمرهم بعد تعطيل التحقيق بسبب دعاوى الرد التي تقدم بها عدد من المدعى عليهم في القضية.

كما رحب أهالي ومحامو المحبوسين على ذمة القضية بهذا القرار الذي لم يدخل حيز التنفيذ بعد ولم يتم تسمية القاضي الاحتياطي حتى الآن، حيث اعتبر الأهالي أن موقف مجلس القضاء الأعلى ينتصر لأبنائهم المحبوسين وخصوصا في ظل ما اعتبروه تطويقا للقاضي طارق البيطار، معتبرين أن بعض القوى السياسية لن تسمح له بإصدار قرار اتهام يدين نوابا ووزراء سابقين.

وانتقدت قوى سياسية وأوساط قضائية القرار وخصوصا أنه جاء بعد زيارة قام بها نواب بالتيار الوطني الحر إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، وهي الشبهة التي استبعدها مجلس القضاء الأعلى الذي أكد أن القرار ليس موجها ضد قاضي التحقيق طارق البيطار، بل اتخذ لخدمة حالة إنسانية مرتبطة بالمحبوسين على ذمة القضية، مشددا على أن القرار ليس له أبعاد سياسية على الإطلاق.

وفي المقابل، أثار القرار غضب أهالي ضحايا انفجار الميناء الذين نفذوا اعتصاما أمام قصر العدل (مجمع المحاكم الرئيسي) في بيروت أمس رفضاً للتدخلات السياسية في القضاء ولمنع تقويض التحقيق، داعين مجلس القضاء الأعلى إلى تسريع إصدار التشكيلات القضائية التي تمكن القاضي البيطار من العودة إلى ممارسة عمله؛ حيث إن التحقيقات في قضية انفجار الميناء متوقفة لغياب التشكيلات القضائية التي ستنظر طلبات الرد ومخاصمة الدولة الموجهة ضد القاضي البيطار، كما نفذ أهالي الضحايا وقفة أمام منزل رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود في بلدة بلونة بكسروان، حاملين صور أبنائهم ومطالبين باستقلالية القضاء.

ومن جانبه، شدد نادي قضاة لبنان على أن الضرورات لا تبيح المحظورات، بغض النظر عن الصلاحيات التي ستمنح للقاضي الاحتياطي، داعين لإصدار مشروع مرسوم التشكيلات القضائية المعطل لدى وزير المالية ليعود التحقيق إلى مساره الطبيعي بشكل قانوني، بدل اللجوء إلى حل أجمع أهل القانون والقضاء على عدم قانونيته فلا بديل عند وجود الأصيل – على حد وصف نادي قضاة لبنان.

وسياسيا، نددت أحزاب وقوى سياسية بالقرار معتبرة أنه تسييس للقضاء ومحاولة لحجب الحقيقة وعرقلة التحقيق الذي يقوم به المحقق العدلي الأصيل القاضي طارق البيطار – على حد وصف الأحزاب.

وقال رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع: "ما يحاول العهد (رئيس الجمهورية) وحلفاؤه فعله بواسطة وزير العدل، هو هرطقة أخلاقية بالدرجة الأولى وقانونية بالدرجة الثانية، إذ كيف لقاض أن يحكم في ملف هو في عهدة قاض آخر وتحت إشرافه ونتيجة عمله؟".

واعتبر نائب رئيس مجلس النواب إلياس بوصعب أن مجلس القضاء الأعلى مسيس – على حد وصفه – مشيرا إلى أن المجلس يضرب عرض الحائط القوانين والمراسيم التي يفترض انه المؤتمن الأساسي على احترامها.

وأكد نائب رئيس حزب الكتائب النقيب جورج جريج أن القرار يشكل مخالفة قانونية جسيمة مستنكرا تعيين قاضي احتياطي بصلاحيات محددة لها أهداف خاصة.

واعتبر الحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنبلاط أن اقتراح تعيين محقق عدلي احتياطي في قضية التحقيق بانفجار ميناء بيروت، هو أمر لا يستقيم مع القانون.