التوقيت الأحد، 05 مايو 2024
التوقيت 02:26 م , بتوقيت القاهرة

هكذا نجح نصاب "العتبة الخضراء" فى بيع ترام القاهرة لفلاح بـ80 جنيها وكمبيالة

ترام القاهرة
ترام القاهرة

عامان ونصف العام هى العقوبة التى قضاها "رمضان أبو زيد العبد" صاحب الـ27 عامًا، داخل أروقة السجن متهمًا فى قضية من أشهر قضايا النصب فى التاريخ، ليس فقط لكون المجنى عليه فلاحاً قروياً بسيطًا؛ استُغلت سذاجته فى إيقاعه بسهولة فى شباك الصياد، وليس لكونها تحولت إلى عمل سينمائى فيما بعد خلد ذكراها، ولكن غرابتها كانت فى تفاصيلها التى مكنت المتهم من بيع "ترام" للمجنى عليه بكل سهولة ويسر مقابل 80 جنيهًا.

بعد قضائه مدة العقوبة فى عدة قضايا نصب خرج "رمضان العبد" أشهر نصابى القرن العشرين من السجن، ليروى قصته الأشهر مع النصب، والتى تمكن فيها من بيع ترام القاهرة لأحد الفلاحين القرويين، الذين تعرف عليهم خلال استقلاله الترام رقم (309، من شارع القصر العيني بالقاهرة، فقط بـ80 جنيهاً وكمبيالات بملغ مالى قدره 120 جنيهًا آخرين".

ترام القاهرةترام القاهرة

فى أربعينيات القرن العشرين، كان "رمضان العبد" ينتظر الترام رقم (30)؛ لاستقلاله كعادته يومياً من شارع القصر العيني، وفى أثناء ذلك اقترب منه أحد الفلاحين البسطاء، وسأله عن موعد وصول الترام، فأجابه على سؤاله وأعطاه سيجارة كانت بمثابة الطُعم الأول؛ لاستمالته بعدما رأى "العبد" فى عين القروى الحيرة والسذاجة، الذان شجعاه على المضى قدماً فى تنفيذ عملية نصب كبرى، سيخلدها التاريخ فيما بعض لغرابتها.

بدأ الحديث يدور بين "رمضان العبد" والفلاح البسيط الذى تبين لها عن طريق الحوار الدائر بينهم أنه يدعى "حفظ الله سليمان"، وجاء إلى القاهرة باحثًا عن عمل؛ لانه لم يجد عملاً مناسباً له فى بلدته، وأنه نظير ذلك حمل معه الكثير من المال اللازم لبدء مشروع صغير، يكون نواة لكسب الرزق بالقاهرة، وكانت تلك المعلومات كفيلة بأن تطمئن "رمضان" إلى أن فريسته محملاً بما يشتهيه من مال، ومخدر بحسن النية والسذاجة.

النصاب بائع ترام القاهرةالنصاب بائع ترام القاهرة

نسج "رمضان" شباكه على الفلاح البسيط، وعرض عليه عدة مشاريع تجارية لتنفيذها فى القاهرة، لكنه رفضها جميعاً، وكادت أن تفشل خطته فى النصب عليه؛ إلا أنه أثناء الحديث الدائر بينهما، حضر الترام رقم (30) وكان مزدحماً للغاية، فأبدى "حفظ الله" تلك الملاحظة، وهو ما دفع النصاب لأن يعرضه عليه شرائه، وهو لا يعلم أنه لا يملك أدنى فرصة فى نجاح تلك الحيلة البائسة، لكن لغرابة الأمر فقد تهلل وجه "الفلاح" فرحًا ووافق على الفور على ذلك العرض.

عقب الاتفاق بين "العبد" و"حفظ الله" على كافة التفاصيل قررا عقد الصفقة وكتابة العقود، وتوجها إلى مكتب محام يعمل به صديق للنصاب، وهناك أبرما عقود بيع وشراء الترام مقابل مبلغ مالى قدره 200 جنيه، تقاضى منهم النصاب 80 جنيهًا هم جملة ما كان يحمله الفلاح فى محفظته، وباقى المبلغ الـ120 جنيهًا، كتب بهم على نفسه كمبيالات، وفور الانتهاء من كتابة العقود وإنهاء الإجراءات توجها إلى ميدان العتبة فى انتظار استلام القروى البسيط لمشروعه الجديد، وهو "ترام القاهرة".

استقل النصاب والفلاح الترام، وتوجه الأول نحو الـ"كمسرى" وأعطاه قرشًا صاغ، ووصاه على الفلاح القروى، وأكد له أنه سينزل فى نهاية الخط، مطالباً منه حسن معاملته، ثم عاد إلى الفلاح القروى، وأخبره بأن يتقاضى قيمة الأجرة كاملة من الـ"كمسرى" فى نهاية الخط، مطالباً منه مراقبة الركاب أثناء دفع الأجرة، فانفرجت أساريره بشدة، وخلال أقل من ساعة سيعود إليه جزء من المبلغ الذى سبق أن دفعه نظير شرائه الترام.

مشهد من فيلم العتبة الخضراءمشهد من فيلم العتبة الخضراء

فى نهاية الخط توجه الـ"كمسرى" نحو "حفظ الله" طالباً منه النزول، ففوجئ به يطالبه بجملة متحصلات الرحلة، فتعجب الـ"كمسرى" من كلامه، وبدأت حالة من الشد والجذب تنشب بينهما، بعد أن ظن الأول أنه أمام شخصًا مخبول، وظن الثانى أن الـ"كمسرى" يرغب فى النصب عليه، ولم تنته المشادة إلا فى قسم الشرطة، وهناك أدلى "حفظ الله" بدلوه وانكشفت تفاصيل المؤامرة التى حيكت ضده.

لم يكن من الصعب على رجال البوليس، فى ذلك الوقت، التوصل لهوية "رمضان أبو زيد" فقائمة سوابقه كانت كفيلة بأن توجه إليه أصابع الاتهام، وخلال فترة وجيزة ألقى القبض عليه، وتمت مواجهته بـ"حفظ الله" الذى تعرف عليه، واتهمه بالنصب والاحتيال عليه، وتحصله منه على مبلغ 80 جنيهًا مقابل بيعه "الترام"، وانتهت القضية بصدور حكم بالحبس لمدة عامين ونصف قضاهم "رمضان العبد" داخل السجن.

مثلت تلك القضية وأحدة من أشهر قضايا النصب فى القرن العشرين، والتى جعلت مجلة "لندن" المصورة تخلدها على صدر صفحاتها فى ذلك الوقت من عام 1948، وبعد مرور ما يقرب من 10 سنوات، تحولت تلك القضية إلى عمل سينمائى، تصدر بطولته الفنانين أحمد مظهر وإسماعيل ياسين، وهو فيلم "العتبة الخضراء" والذى أنتج فى عام 1959.