التوقيت الجمعة، 17 مايو 2024
التوقيت 10:55 ص , بتوقيت القاهرة

شاهد.. أقدم الأسواق الإفريقية فى مصر.. محطة قطار السد العالى نقطة انطلاق التجارة السودانية بأسوان

 

"توووووت" مع دقات الساعة الحادية عشر صباحاً، تسمع صوت صافرة الباخرة السودانية التى ينتظرها بشغف عشرات البائعين المفترشين على أرصفة محطة قطار السد العالى بمحافظة أسوان، منتظرين وصول المنتجات السودانية المميزة لبيعها إلى التجار المصريين من أول نقطة انطلاق للسكة الحديد جنوب مصر.

"اليوم السابع" رصد رحلة التجارة السودانية فى مجال العطور والحناء ومستحضرات التجميل الأخرى بجانب الأقمشة والأجهزة وغيرهم.

تجلس "أم النصر" تاجرة سودانية، على جانب من رصيف محطة قطار السد العالى، وتحكى قصتها قائلةً: "أنا سودانية الجنسية وأسافر إلى أسوان كثيراً للعمل فى تجارة المنتجات السودانية التى يقبل عليها الكثير فى محافظة أسوان والمحافظات الأخرى، وبدأت تجارتى داخل محطة قطار السد العالى من عامين لأنها تعد محطة انطلاق إلى باقى محافظات جمهورية مصر العربية، ولكنى أعمل فى مجال بيع العطور منذ 20 عاماً تقريباً"، مشيرة إلى أنها تشترى بضاعتها عبارة عن مادة خام من السودان وتقوم بتصنيعها بنفسها فى بلدها ثم تجلبها معها وهى مسافرة إلى مصر وتبيعها فى سوق ميناء السد العالى ومدينة أسوان ومدينة نصر النوبة أيضاً، نظراً للإقبال الكبير من أهالى النوبة بصفة خاصة على شراء هذه المنتجات السودانية.

وتابعت أم النصر السودانية الحديث عن تجارتها، قائلةً: التجارة السودانية مربحة إلى حد كبير وتساعدها فى تربية أبناءها الصغار، فلديها من الأولاد عشرة تعمل على تربيتهم بعد وفاة زوجها منذ فترة وتعد مهنة التجارة فى المنتجات السودانية هى مصدر رزقها الوحيد الذى يساعدها على تعليم أبناءها حتى يكبروا، موضحةً بأنها تجلب معها منتجات مصرية وتسافر بها إلى السودان عبر ميناء السد العاللى، مثل الأدوات المنزلية والبلاستيك والستائر وتبيعها فى السودان أثناء عودتها من مصر.

"أم الزهراء" تاجرة سودانية تجلس على رصيف المحطة أيضاً، تستكمل الحديث عن تجارة المنتجات السودانية بمحطة قطار السد العالى، قائلةً: هناك الكثير من السيدات السودانيات اللاتى يحرصن على التجارة فى بيع العطور والحناء والمنتجات السودانية التى يجلبنها معهن من بلادهن، ويجلسن على المحطة فى كل يوم أربعاء وهو موعد وصول الباخرة النيلية القادمة من شمال السودان، وسط ما يعتبر بسوق أسبوعى فى محطة السكة الحديد الملاصقة لميناء السد العالى شرق، وهو واحد من أقدم الأسواق السودانية المصرية، فالنساء السودانيات يجلسن فى هذا اليوم يبعن المنتجات السودانية أبرزها الروائح والبخور والحناء والديلكا ويحرص المصريين من مختلف أرجاء محافظة أسوان وأيضا من القاهرة والإسكندرية على شراء المنتجات السودانية نظرا لجودتها العالية، لذلك فهى تذهب كل شهرين إلى السودان لجلب البضاعة من هناك ثم تعود سريعا إلى مصر لبيعها إلى زبائنها الذين يأتون خصيصا كل يوم أربعاء للشراء من السوق فى السد العالى.

وأضافت أم الزهراء، أنها كانت تستخدم حركة النقل البرى وهى الأتوبيسات التى تسافر فى الطريق البرى بين مصر والسودان بدلاً من الباخرة فى بداية افتتاح المنفذ البرى لأن الطريق البرى الجديد أرخص فى السعر وأقصر فى زمن السفر بخلاف الباخرة التى تستغرق ساعات طويلة للسفر الى وادى حلفا، مشيرة إلى أن التجارة الدولية بين مصر والسودان مجزية إلى حد ما، وأن معظم السودانيين القادمين إلى مصر يحرصون على جلب كميات كبيرة من المنتجات السودانية ويقومون ببيعها فى سوق السد العالى عقب وصول الباخرة من أجل الاستفادة من فرق العملة بين البلدين ، والعكس صحيح فى رحلة العودة.

أم كرار، تاجرة سودانية أيضاً، أوضحت بأن أعداد كبيرة من السيدات السودانيات يقمن فى مدينة أسوان، ولديهن الخبرة بمعرفة ما يحتاجه السوق الأسوانى والمصرى من منتجات سودانية خاصة النساء ولوازمهن، فمعظم السيدات اللاتى يقمن فى أسوان يعملن فى مجال بيع المنتجات السودانية بحثاً على لقمة العيش والإنفاق على أبناءهن، ومعظمهن أيضاً يعانين من ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة.

وأشارت أم كرار، إلى أنها تعمل فى مجال رسم الحناء للعرائس أيضاً قبل الزفاف، بجانب بيعها للمنتجات السودانية على محطة السد العالى، وتخصصت فى مجال بيع المنتجات التى يحتاجها العرائس مثل "الخمرة" وهى مزيج من الروائح الطيبة، "والديلكا " التى تستخدمها العروس كمساج تدليك الجسم من أجل إزالة القشور وإعطاء نضارة للجلد وتعطى رائحة جميلة للجسد ويتم تصنيع هذه الخمرة والديلكا يدويا فى المنزل.

عدنان المصرى، تاجر أسوانى من أصول سودانية، يتحدث عن عمله فى مجال التجارة السودانية قائلاً: ورثت هذه المهنة عن أبى والذى كان يسافر إلى وادى حلفا بالسودان ويجلب معه المنتجات السودانية لبيعها فى مصر بعد أن كان يطلبها منها العديد من الأشخاص فى أسوان، مضيفاً إلى أنه يأتى كل أسبوع إلى سوق ميناء السد العالى من أجل شراء بضاعة من أحد التجار السودانيين القادمين من السفر ثم يقوم بإعادة بيعها مرة اخرى فى مدينة أسوان داخل متجره بالسوق.

وأوضح عدنان، بأن المنتجات السودانية مثل الحناء والعطور والبخور والخمرة والذهب الصينى تلاقى رواجاً كبيراً فى أسوان خاصة من أبناء محافظات الوجه البحرى الذين يحضرون للسياحة بأسوان خلال فصل الشتاء، وهناك تجار أيضاً من أصحاب المحال بالقاهرة والوجه البحرى الذين يسافرون إلى أسوان لشراء التجارة السودانية الأصيلة منه، علاوة على شراء "الكرباج" السودانى والذى يحرص الكثير من أبناء القبائل فى أسوان على شرائه من أجل الرقص بها أثناء الأفراح وحفلات الزفاف كعادة من العادات والتقاليد التى يحرص عليها الكثير من أبناء الصعيد، مشيراً إلى أن افتتاح الطريق البرى الجديد قسطل وأرقين بين مصر والسودان أدى إلى انخفاض أعداد الركاب المستخدمين للباخرة، وبالتالى تسبب فى انخفاض عملية البيع والشراء داخل سوق ميناء السد العالى مقارنة بالسنوات الماضية التى كانت فيه الباخرة هى وسيلة المواصلات الوحيدة للسفر بين مصر والسودان والعكس.

عادل النور، رئيس الجالية السودانية بأسوان، افتتح الحديث قائلاً: يعد ميناء السد العالى شرق ومحطة القطار المجاورة له من أقدم الأسواق المصرية السودانية، نظراً لقيام عدد من التجار والمواطنين السودانيين بجلب تجارتهم من السودان إلى مصر وبيعها عبر رصيف محطة القطار فى يوم الأربعاء من كل أسبوع وهو اليوم الذى تصل فيه الباخرة السودانية من وادى حلفا شمال السودان إلى مدينة أسوان جنوب مصر، لتغادر مرة أخرى يوم الأحد من كل أسبوع إلى السودان.

وأضاف النور، أن هذه التجارة تشمل المنتجات السودانية الموجودة فى الأسواق المصرية وأبرزها الروائح والبخور والحناء والديلكا وغيرها من مستحضرات التجميل للنساء، وفى الغالب يلجأ التاجر السودانى بعد بيع بضاعته إلى جلب بضاعة أخرى يسافر بها مرة أخرى إلى بلده السودان، بينما القليل منهم يعود بالمال ولا يشترى شيئاً.

وتابع أسعد عبد المجيد، رئيس ميناء السد العالى شرق سابقاً، بأن ميناء السد العالى شرق كان هو الرابط الوحيد فى حركة النقل والسفر بين مصر والسودان قبل افتتاح المنفذين البريين "قسطل وآرقين" واللذان ازدهرت معهما حركة النقل والتجارة بين مصر والسودان لتمتد إلى أنواع أخرى من التجارة غير العطور ومستحضرات التجميل، لتشمل أيضاً رؤوس الماشية والإبل والمواد الخرسانية والأثاثات وغيرها من أنواع التجارة سواء الصادرة أو المستوردة بين مصر والسودان.

وأشار عبد المجيد، إلى أن ميناء السد العالى شرق، يستقبل أسبوعياً المئات من المسافرين إلى السودان وإفريقيا أيضاً ومن بين المسافرين هؤلاء التجار الذين أسهموا فى زيادة الصادرات المصرية للسودان خلال الفترة الماضية وبلغت نحو 4156 طناً، فى حين أنه فى نفس الفترة بلغت الواردات القادمة من السودان 479 طناً، لافتاً إلى أن تطوير الميناء ساهم فى ذلك عقب القيام بأعمال رصف طرق مداخل ومخارج الميناء مما أضفى المظهر الجمالى لها، وبناء الأسوار وتطوير أعمدة الإنارة مع دراسة تخصيص مساحة فدان بجوار باركن السيارات بالميناء لإنشاء محلات تجارية ومكاتب ومخازن وصالات لعرض المنتجات المصرية بسعر الجملة، مما يساهم فى فتح سوق حرة لتخفيف الأعباء المالية، وأيضًا النقل على المصدرين والمستوردين.