صلاح جاهين.. لسه الطيور بتفن


"وأرجع وأقول: لسه الطيور بتفن، والنحليات بتطن، والطفل ضحكو يرن"... كلمات من أغنية "مفترق طرق" التي غنتها ماجدة الرومي في فيلم "عودة الإبن الضال" تلخص حياة كاتبها، عمدة الكلمة المصرية، صلاح جاهين، والتي أتت بعد أبيات عن الحزن وضياع المكتسبات وتبدُد الأحلام، وهكذا كان جاهين.
جاهين اليساري المتطرف في حب جمال عبدالناصر، شديد التفاؤل خلال فترة الخمسينيات والستينيات، صُدمته نكسة 67 أيما صدمة، فالمسألة بالنسبة له لم تكن مجرد هزيمة عسكرية قد تعوض، إنما كانت هزيمة لأفكاره التي كان يبثها للناس عن الاشتراكية وعبدالناصر وثورة 23 يوليو، من خلال كتاباته ورسوماته، بالإضافة إلى أغانيه لعبدالحليم حافظ "إحنا الشعب، بالأحضان، بستان الاشتراكية، ناصر يا حرية... وغيرها".
لكن جاهين، عاشق الابتسامة أبى أن يظل كئيبا، وتحولت كآبته إلى طاقة إيجابية نحو الكتابات التي تدعو للبهجة، فكانت أغنيات "خلي بالك من زوزو، يا واد يا تقيل، الدنيا ربيع، بمبي... وغيرها" لسعاد حسني، ليقول للناس إن السعادة لازالت ممكنة، والبهجة ليست حكرا على فترة بعينها، ولا شخص بعينه، لكنها أصيلة موجودة في نسيج الكون ودعائم بناءه، في حنين طائر، وضحكة طفل وطنين نحلة، وإذا وجد المصريون أنفسهم أمام مفترق طرق، بموت عبدالناصر وهزيمة 67، فلابد أن يتطلعوا إلى شمس أحلامهم التي حتما ستشق السحاب العميق، وتضئ حياتهم.
جاهين المتفائل الباسم المحب للفن والجمال، توفي في مثل هذا اليوم 21 أبريل من عام 1986، وهو يوم هام جدا لكل الفنانين، ففيه رحل "مسحراتي الأغنية المصرية"، سيد مكاوي عام 1997، بعد أن كبدأ حياته الفنية، متأثرا بحفظه للقرآن الكريم، ليعيد إحياء النغمة الشرقية التي كان التغريب قد نال منها كثيرا مع حلول الخمسينيات.
كان سيد مكاوي امتدادا لزكريا أحمد وأبوالعلا محمد، وكل القابضين على "الربع تون" والتراث الموسيقي المصري، وكان أوبريت "المسحراتي" إحياء وتخليدا لانفراد فني مصري، كما نجح مكاوي في إعادة أم كلثوم نفسها إلى نَفَسها الشرقي، في أغنية "يامسهرني" التي غنتها في السبعينيات، بعد أن جنح بها محمد عبدالوهاب وبليغ حمدي إلى الموسيقى الغربية.
الكفيف الذي تحولت معاناته من فقدان نظره إلى خفة ظل وابتسامة لا تزول، سيد مكاوي، رحل في نفس يوم وفاة المكتئب الضحوك، صلاح جاهين، وكأنه مات وفاء لأوبريت "الليلة الكبيرة" الذي قدماه معا، كواحد من أهم علامات الفن المصري، وأحد أهم محطاتهما الإبداعية.
وفاة جاهين ومكاوي، هاتان الحالتان الإبداعيتان، تجر وراءها تواريخ مرتبطة بالإبداع؛ ففيه مثل هذا اليوم من عام
1992، رحل المثل الكوميدي، بدر الدين جمجوم، وفيه توفي الممثل صلاح سرحان عام 1964.
في هذا اليوم أيضا ولد الأمريكي المبدع، أنتوني كوين، عام 1915، وهو الرجل الذي استطاع أن يقنعنا نحن العرب، أنه "حمزة بن عبدالمطلب" و"عمر المختار"، كما نجح أن يقنعنا بأنه زوربا اليوناني.
في هذا اليوم 21 أبريل من عام 1910، ولد الفنان فريد الأطرش، ملك العود، السوري الذي هاجر إلى مصر بسبب الاحتلال الفرنسي لبلاده، حتى صار مصريا ليس في فنه فقط، إنما في حياته التي صارت مصرية حتى في كلامه وهزله وجده، بل وحزنه الذي برع فيه من خلال أغان كـ"حكاية غرامي، بنادي عليك" التي علمت كثير من المحبين كيف يحزنوا عند فشل حبهم.
أزعم أن بين جاهين ومكاوي تصوف في علاقتهما، عبرت عنه ميولهما نحو إبراز الشخصية المصرية من خلال أعمالهما، وتناغمهما الشديد في أوبريت "الليلة الكبيرة" الذي تشعر أن كاتبه هو مؤلفه ومغنيه، بالإضافة إلى اليوم الواحد الذي توفيا فيه، والذي شهد أيضا عام 1938 وفاة الشاعر والفيلسوف الصوفي والعلامة الهندي، محمد إقبال، مؤلف "حديث الروح" لأم كلثوم، وأحد أعلام عصر التحرر في الهند.
وفاة جاهين ومكاوي مرتبطة أيضا بذكرى استعادة مصر لمدينة شرم الشيخ من إسرائيل عام 1982، والتي لم تكن شيئا وقتها، لكنها تحولت بعد ذلك إلى واحدة من أهم مدن العالم.
هذا اليوم أيضا "21 أبريل" شهد تأسيس مدينة روما على يدر رومولوس ورموس عام 753 قبل الميلاد. كما شهد افتتاح مدينة برازيليا في البرازيل عام 1960 على يد جوسيلينو كوبيتشيك.
باختصار، ذكرى وفاة جاهين ومكاوي، تزينت كي تليق بهما.