التوقيت الخميس، 25 أبريل 2024
التوقيت 08:06 م , بتوقيت القاهرة

شاومينج.. مساء النور يا برنس

* لا أحب أن أكتب مقالا بالعامية، ولكن أفكاري اليوم، أبت إلا أن تكتب بها، فعذرا لمن لا يحبذ.


قبل سنوات تجاوزت العشرة، كنت طالبة في الثانوية العامة، أيام ما كانت الثانوية العامة سنتين، كنت صريحة مع نفسي واخترت الدراسة في القسم الأدبي، تاريخ في تانية وعلم نفس في تالتة، وجيولوجيا كمادة علمية، وللنهاردة، بسأل نفسي، لماّ أنا عارفة قدر نفسي وعارفة إني مش قد العلمي، تديني جيولوجيا ليه؟ فيجيبني السب كونشس متعاطفا تارة وساخرا أخرى، ياختي مانتي كنتي عارفة قدر نفسك وسيبتيهم يدوكي رياضة، شيلي بقى.


بعد بكاء مرير، اقتنعت أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، وأنني قد اجتهدت وذاكرت قدر الإمكان، بحيث نقصت في كل المواد 14 درجة، وفي الرياضيات وحدها 14 درجة، من يومي مبحبهاش رغم حلمي الغريب بأني أدخل كلية هندسة- مش لأي حاجة غير إني بحب المسطرة حرف T، هدأت أمي من روعي، وقالت إن 87 % في أدبي مش وحش، وإني إن شاء الله السنة الجاية أجيب 95، وبمجموع الاتنين سوا أحقق حلمي الكبير والوحيد، وأدخل كلية إعلام.


ما حدث إني طلعت من نقرة وقعت في دحديرة، ووجدت نفسي وقد واجهت الوحش وأنا لا أملك أي سلاح، الجيولوجيا وما أدراك ما الجيولوجيا، Endless أيام سودا، لا مذاكرة نفعت معها ولا دروس شفعت، ووجدتني بين عشية وضحاها في مواجهة ورقة امتحان مادة لا أفقه فيها شيئا، لذا، لم يكن أمامي سواها، سوى مي أحمد سعيد.


كانت مي زميلة هادئة، عينيها خضرا ومحترمة لدرجة الشعور غير المبرر بالذنب تجاه البشرية كلها لو قولتلها أي كلمة إنشالله صباح الخير، كانت مي متعاونة مع اللجنة كلها و لحسن حظي كانت تجلس ورائي، لن تمانع أبدا لو أنني سألتها سؤالا أو خمسة وعشرين، ولكن لأنني من الذين "يعضهم الكلب في المولد" ابتلاني الله بمراقب، لم يعجبه شكلي تقريبا، فقرر أنني الوحيدة التي لن تغش في اللجنة التي فتحها على البحري، وأبعد مقعدي عن مي، وأحضر كرسيه، وجلس على بعد 30 سم مني.


كنت شقية ومتشردة وقتها، أعترف، ولكنني لم أكن أستحق ذلك العقاب، ولا حتى عقاب أبي الكبير يوم خاصمني مذ ظهرت النتيجة، وحتى منتصف العام الجامعي الأول لي، في كلية الآداب جامعة القاهرة، قسم الوثائق والمكتاب وتقنية المعلومات.


آه والله، الوثائق والمكتبات وتقنية المعلومات ..


حصلت على مجموع 83 % في المرحلة الثانية من الثانوية العامة، أي 85% مجموع السنين، لم ينتظر أبي أن نجمع ونحسب ونقسم ونطرح، فما إن وقعت عيناه على الجيولوجيا: 31 من 50، حتى ترك الغرفة كلها، رافضا أن يوجه لي كلمة واحدة، حتى أنه لم يكتب معي استمارة التنسيق اللعينة، وترك الأمر لعمي.


لا أنسى له هذا الموقف، مع إني أستاهل ..


تخرجت منذ ست سنوات، ألقيت شهادتي جانبا، و"اتمرمطت" في المجال الذي أحب، كانوا يقولون إنني أملك الموهبة، منذ كنت صغيرة كنت أستضيف أقاربنا وأجري معهم حوارات صحفية وتلفزيونية، ناهيك عن الإذاعة المدرسية والمسرح المدرسي ومسابقات الشعر والكتابة الإلقاء، اتبهدلت يا مؤمن، عملت بمائتين وخمسين جنيها شهريا، وفي أماكن أخرى كنت أصرف أنا على الشغل، من موقع مغمور إلى موقع أسوأ، ومن راديو إنترنت إلى آخر يسمعه عشرة زيادة، إلى برامج تلفزيونية لم تكتمل، وأحلام بالجملة لم تر النور وربما لن تراه أبدا، حتى اليوم.


أفخر جدا بما فعلت وما أفعل وما وصلت إليه، تطل عليا تلك الذكريات من بعيد، من بعيد جدا فأقصها كنكتة ويضحك الموجودون وأضحك أكتر، ويوم جلست لجواري شيرين، الطالبة بالفرقة الرابعة بكلية الإعلام، تراجع معي أحد امتحاناتها، انبهرت كيف لي أن أجيب إجابة صحيحة على كل الأسئلة.


- عادي يا شيرين، الامتحان سهل أوي أصلا .
- أيوة أنا جاوبته كله صح، ما عدا سؤال واحد.
- هو إيه ؟
- كان سؤال صح ولا غلط، سي بي سي إكسترا قناة عامة؟
- وعمليته ايه؟
- قلت صح.
- سي بي سي إكسترا قناة عامة ! إزاي يا بنتي، دي طول النهار أخبار، دي قناة متخصصة.
- منا معرفش بقى، انا مبتابعهاش.
- أمال جاوبتي بناء على إيه ؟
- شوفتهم مرة ذايعين أغنية بشرة خير!


لا علاقة للنجاح في مجال بالكُلية، حقيقة يعرفها الجميع، ومبقوش حتى يخبوها عن بعض، ومع ذلك لم تتغير الثقافة، ثقافة شوف يا زفت محمود ابن عمتك جاب مجموع أكبر منك مع إنه مكانش بياخد درس فيزيا، وليت زفت يتعظ أصلا من الكلام ده، لا ده بيزيده عناد وإصرار على عدم المذاكرة، حقيقة يعرفها الجميع، ومع ذلك الثانوية العامة لا تزال ذلك البعبع الذي يرهق الأسر من أمرها عُسرا، فينفقون اللي وراهم واللي أداهم، وتتخرب بيوت و ينتحر طلبة، كله في سبيل المجموع الـ +95 %، وياريته بيعمل حاجة في الأيام الـ )(*^*×%)**؛^ دي.


ظننت أن شاومينج قد ظهر لهذا السبب، ليحصل الجميع على الدرجات النهائية ويكرم الجميع على أنهم أول جمهورية مصر العربية، ثم يدخل الجميع كليات القمة وتوتة توتة فرغت الحدوتة ويا دار ما دخلك شر، لم أعترض إن كان هذا هو الاتجاه العام، إذن، خليهم يتسلوا.


ما فاجئني هو أن القائمين عن الصفحة قد أعلنوا قبل أيام قليلة عن هدفهم الحقيقي، جملة براقة لها وقع عظيم على الأذن، الارتقاء بالعملية التعليمية وتحسين وضع الطالب والمعلم، وبلا بلا بلا بلا، ماشي.


عزيزي شاومنج، أي مدرس ذاك الذي تود تحسين وضعه ؟
مستر فلان الفلاني- والله ترددت في ذكر اسمه لأن أختي داخلة ثانوية عامة وأنا خايفة على مستقبلها- الذي بنى من فلوس الثانوية العامة فلالا في التجمع الخامس واشترى شاليهات في السخنة ومارينا وغيرها؟ وبيغير عربيته كل سنة بالموديل الأحسن؟ أم ذلك المدرس الغلبان الذي هو غلبان فقط لأنه لم يجد فرصة لأن يصبح كذلك الأول ؟


للمدرس الذي إغتصب فتايات أم ذلك الذي يتحرش بالأطفال، أم تلك التي فقأت عين طفل ولا التانية اللي كسرت للتاني إيده، أم الذي يتضطهد التلاميذ على أساس ديني، أو سياسي، ودي الجديدة.


أي نظام تعليمي تود تغيره إذا كان النظام المجتمعي نفسه ميساويش تلاته أبيض، عزيزي نحن في مجتمع ترفض فيها الصيدلانية أن تتزوج مهندسا ميكانيكيا لأنها تخشى أن يرتبط اسمه بلفظة ميكانيكي، ومهندس لن يتزوج خريجة التربية، لأنه يخشى فجوة فكرية قد تفصل بينهما، هل تظن أن ذلك المجتمع قادر على أن يقتنع يوما بالتعليم الفني أو المهني ؟ أو أن يرضى بغير كليات القمة بديلا.


شاومنج العزيز، إحنا في زمن المسخ، فلا تزِده مسخا و حياة رحمة والديك ..