التوقيت الجمعة، 19 أبريل 2024
التوقيت 01:08 م , بتوقيت القاهرة

حوار| سندس وعمرو: "حوائط ميتة" يوثّق إعلانات الشوارع المرسومة بالأيدي

قد تكون الإعلانات الموجودة أعلى المباني غير لافتة للنظر لبعض الناس، لكن لدى "سندس" و"عمرو"، المسألة مختلفة، فقد جمعتهما فكرة واحدة وهدف واحد، هو "توثيق الإعلانات المرسومة بالأيدي" على الحوائط الميتة.


"دوت مصر" حاورهما لمعرفة تفاصيل أكثر عن المشروع.



ممن يتكون فريق العمل؟


"سندس سيف الدين" مبرمجة ومصورة، حاصلة على ماجستير في المعلوماتية الحيوية، مهتمة بمشاريع الأرشفة والبرمجيات مفتوحة المصدر وحرية تداول المعلومات بشكل عام.


"عمرو أبوطويلة" مصمم وباحث عمراني مهتم بقضايا حقوق السكن، عمل بالعديد من المشاريع العمرانية المهتمة برصد العدالة الاجتماعية وتطبيق التخطيط التشاركي في تطوير المناطق المحرومة ورصد ومواجهة انتهاكات حقوق السكن في مصر.


ما فكرة مشروع "حوائط ميتة"؟


مشروع بحثي وتوثيقي مبني على التعاون بين مصمم "باحث عمراني" ومصورة فوتوغرافية لتوثيق الإعلانات المرسومة بالأيدي على الحوائط الجانبية (الحوائط الميتة) على مباني مدينة القاهرة، كأحد عناصر المدنية التي تعتبر لقطة شاهدة على تغيرات المجتمع ومحتوياته الفنية والثقافية.


لماذا هذا الاسم؟


لأن "حوائط ميتة" هي التي تُترَك في التصميم بدون فتحات في الحوائط المشتركة بين المبنى والجار، ومع اختلاف الارتفاعات بين المباني، تظل الأجزاء المتبقية من تلك الحوائط صماء، لتترك لنا مساحات كبيرة في وسط شوارع المدينة تصلح لاستثمارها في استخدامات عدة أهمها الدعاية والإعلان وبالأخص الإعلانات المرسومة يدويا والتي يرصدها المشروع بشكل أساسي.


واستخدمنا المصطلح أيضا لأنه يعبر عن حالة الإهمال والتآكل التي تتصف بها تلك الإعلانات حاليا.


كيف بدأ المشروع وهل تستمر الفكرة؟


نحن أصدقاء منذ نحو 9 سنوات، وكنا طلابا في كلية الهندسة جامعة القاهرة، بدأ المشروع من فكرة تعاوننا كباحث عمراني ومصورة فوتوغرافية، وهنا بدأ النقاش عن المنتج المشترك الذي يمكن أن ننتجه معا. 


وبدأنا في طرح أفكارنا واهتماماتنا المشتركة حتى وصلنا إلى تلك الفكرة البحثية حول التوثيق العمراني والفوتوغرافي للإعلانات المرسومة باليد على الحوائط باعتبارها عنصرا فنيا وعمرانيا يعتبره الفريق جزءا من ذاكرته البصرية الفنية والعمرانية.


"إعلان للمياه الغازية.. شويبس"



هل يتم التوثيق في القاهرة الكبرى فقط؟ أم أن الفكرة ممتدة للمحافظات المختلفة؟


باعتبارنا من سكان القاهرة، بدأنا التوثيق من القاهرة الكبرى، ونعمل الآن على وضع خطة لمسح الأحياء المختلفة لوضعها في الأرشيف، ولكن يوجد لدينا أفق بعد الانتهاء من القاهرة إلى مد البحث ليشمل المدن الكبيرة في المحافظات.


المشروع قائم على توثيق الإعلانات القديمة أم هناك نوع واحد بعينه؟


فكرة المشروع قائمة على الدمج بين التصوير الفوتوغرافي والبحث العمراني في عناصر المدينة، ومن هنا نحن نوثق "الإعلانات المرسومة يدويا" كعنصر فني على حوائط المباني الصماء وكعنصر عمراني من عناصر المدينة.


كيف تشاهدوا الإعلانات من وجهة نظركم؟


هي شاهد على التغيرات الفنية والاجتماعية والثقافية التي حدثت للمجتمع المصري فطريقة إظهارها وأنواع المنتجات التي تعلن عنها والخطوط والألوان المستخدمة تعطي لنا تصورا جزئيا حول شكل المدينة والمجتمع وعاداته الاجتماعية والثقافية وقتها وكيف اختلفت عن الوقت الحالي ليس من نظرة "نوستالجيا/الحنين" لتلك الفترة ولكن لتفهم تلك التغيرات وأسبابها كيف حدثت.


"إعلان عن كارت أفراح"



ما أبرز الإعلانات التي تم توثيقها.. وهل ما زالت موجودة أم اختفت؟


المنتجات التى كانت موجودة والمعلن عنها، هي تعتبر أهم عنصر يمكننا منه استنتاج الكثير من التغيرات الاجتماعية والثقافية التي حدثت للمجتمع المصري، منها ما هو مازال موجودا ومنها ما اختفى ومنها ما تم منع الإعلان عنه في الشوارع بالقانون، وكلما ندر وجود تلك المنتجات الآن زاد قيمة الإعلان بالنسبة لنا بجانب عناصر أخرى بصرية وعمرانية تزيد من قيمته.


"أبرز الإعلانات التي تم توثيقها حتى الآن" هم :


- إعلان "سبورت كولا"، في تقاطع شارعي صبري أبو علم ورشدي باشا في وسط البلد، وما يميزه هو وضع تشكيل كتلة المبنى نفسه في الاعتبار واستخدامه كأداة تصميمية بشكل متناسق.



- إعلان "كونياك ريمي"، في شارع شريف باشا في وسط البلد، أولا لتصميمه الفني المتميز واستخدام الخط العربي به، وأيضا لأن الإعلان عن تلك المنتجات الكحولية أصبح ممنوع قانونا في الوقت الحالي، وهذا مؤشر واضح حول التغيرات الاجتماعية التي حدثت في مصر، وأخيرا لعمره الذي يتجاوز ال50 عاما.



- إعلان فيلم "باتمان وروبين"، في شارع رمسيس بجوار المستشفى القبطي، اللغة المستخدمة فيه العربية فقط حتى لم يكتب اسم الفيلم بلغته الأصلية "الإنجليزية" وهذه الظاهرة من الواضح أنها كانت منتشرة وقتها وهي الاعلان عن الأفلام والمنتجات الأجنبية باللغة العربية فقط وبخط عربي متميز مما يزيدها تفردا.



كيف يمكن معرفة زمن الإعلان؟


نعتمد فى تلك المعلومة البحثية على عمر المنتج نفسه أوالحملة الدعائية المصاحبة له وبذلك نستطيع تحديد الفترة الزمنية التي تم فيها رسم الاعلان، ولكن هذا لا نستطيع تطبيقه على جميع الاعلانات.


ونتطلع في المستقبل إلى التواصل مع الشركات التي رسمتها لمزيد من المعلومات والتي نجد في معظم الأحيان توقيع لها أو للرسام على الإعلان نفسه، وهذه الوسيلة قد توفر المزيد من المعلومات.


ما علاقة تلك الإعلانات بالمباني التراثية؟


من أهم الأسئلة التي يطرحها هذا المشروع، هو تساؤل عن تعريف "التراث" وبالتالي ما العناصر المعمارية والعمرانية التي يجب الحفاظ عليها في المدينة؟، الإجابة الرسمية لهذا السؤال "تأتي في رؤية كلاسيكية التي تتبناها أجهزة الدولة المسؤولة عن إدارة المباني التراثية في مصر، وتتلخص الرؤية في عدم الاهتمام بعناصر مثل تلك الإعلانات التي كان لها تأثير قوي في وقت ما على شكل عمران المدينة، وأحيانا القضاء على بعضها إذا وقع بالصدفة أحدهم على واحد من المباني المسجلة.


تلك الرؤية الكلاسيكية للعمران والتراث ترى المدينة برؤية إستاتيكية تماما وتحاول جاهدة دائما العودة لحلم باريس الشرق وكأن التاريخ توقف عند هذه اللحظة المحددة من ذاكرة المدينة، عيب تلك الرؤية أنها تتوقف في تعريف التراث عند اللحظة التي بنيت فيها القاهرة الإسماعيلية باعتبارها اللحظة المثالية من عمر المدينة، وأنه يجب الحفاظ فقط على العناصر المنتمية لذلك المشروع وفصلها عن علاقتها الحية بباقي الإضافات العمرانية التي طرأت عليها.


رؤية لا تعترف بديناميكية المدينة ككائن حي يتغير وفقا لعوامل عدة بمرور الزمن وتتوقف عند حلم لم يعد حقيقيا".


"إعلان قديم لسيارات.. مرسيدس"



ما وجه الاستفادة من المشروع؟


المشروع بدأ بكتابة مقال مصور في جريدة " Cairo Observer" في عدد وسط المدينة، وكانت تلك البداية في النزول في جولات للبحث عن تلك الإعلانات في مدينة القاهرة والتي بدأنا منها في تكوين أرشيف مصور عن تلك الإعلانات والوصول إلى استنتاجات بحثية عمرانية حول علاقتها بالعمران المحيط وتأثيرها فيه والتأثر به.


هل تفكران في تأسيس مجلة لتوثيق ما توصلتما إليه؟


هذا الأرشيف، نتطلع لاستخدامه بأكثر من وسيلة، أولا: في تحديث المدونة" deadwalls" والكتابة عليها بشكل دوري بجانب حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي مثل: "إنستجرام وفيس بوك".


ثانيا: نحن نأمل في المستقبل في تحويل البحث إلى كتاب توثيقي للمشروع يجمع بين البحث والصور.


ثالثا: وضع فكرة مبدئية لمعرض يجمع بين التركيبات العمرانية والصور الفوتوغرافية، وأخيرا نحن بصدد إنشاء خريطة تفاعلية نضع عليها نتائج المسح العمراني والأرشيف الفوتوغرافي.