التوقيت الجمعة، 19 أبريل 2024
التوقيت 06:00 ص , بتوقيت القاهرة

ميكروباص واحد بيجمعنا كوووووولنا

عصراً.. بداخل ميني باص أخضر اللون.. بالتحديد على الأريكة الخلفية حيث  أجلس.. تنحبس أنفاسي.. أشعر بـ تباطؤ عملية الشهيق والزفير.. ومع توالي المطبّات أبدأ في الشعور بالدوّار من أثر ساندوتش البيض بالفول الذي طفحته قبل خروجي من المنزل.. يسيطر عليّ شعور بأنني سمكة صغيرة داخل علبة سردين.


أنحشر بين اثنين لا تربطني أي صلة بهما.. لكنهما يكادان يحتضناني..  في حين يلتصق بوجهي  كِرش موظف حكومي قد أهدر سنوات من عمره في تكوين تجاعيده ومنحدراته.. والأجمل أنهم يحملون رائحة السردين أيضا.


في داخلي ألعن اليوم الذي قررت به الخروج من المنزل.. أتذمر من الجو ودرجة الحرارة المرتفعة .. وأردد "منك لله يا مُرسي". 


وفي ظل هذه الأجواء التي تحفّز إشارات التقيؤ  في المخ ، صعد "هو" إلى  الميكروباص.. طويل القامة وعريض المنكبين.. يميل جسده للنحافة.. ناصع  البياض وكأن الشمس تشرق في وجهه، وجنتيه مصبوغتين بحمرة ربانية، شعره  شديد السواد كما هو الحال في شاربه ولحيته اللذين نبتا  تواً.. ملامحه حادة ولكن هادئة في الوقت ذاته.. كان يرتدي قميصاً بنفس لون السماء وكذلك عينيه.


جذب انتباهي وأظن أنني لم أشعر براحة في حياتي كالتي شعرت بها عندما نظرت إليه.. صعد البعض خلفه ولكنني لم أنتبه سوى له.. بدا وكأنه "دولفين" لامع وُجِدَ خطأً في علبة السردين تلك.


اختلط بالزحام وظل يشق طريقه حول الشخصيات " التنحة " التي تقف في طرقة الميكروباص كالتمثال لا تتقدم أو تتأخر معلّقة "اللي عايز يعدي جوا يعدّي"..  إلى أن وصل بالقرب مني.


لاحظت أن يديه كانت تتشابك مع يد صغيرة ناعمة  لطفلة لا يتجاوز عمرها السابعة .. تحمل من ملامحه الكثير.. اقتربت الطفلة مني حتى التصقت بركبتيّ .. ونظرت لي ثم تبادلنا الابتسامات و الغمزات واللمزات متجاهلة تماماً كُرهي للأطفال وخاصة "البنات".


ظل "هو " يتابعنا بعينيه وابتساماته من حين لآخر.. قلت قاطعة لغة الإشارة " اسمِك إيه يا حبيبتي ؟؟"


- ردت الطفلة "رقيّة"
- اللـــــــه اسمك حلو أوي يا رقيّة وإنتي حلوة أوي وبابا حلو أوي.
- ابتسمت الطفلة خجلاً ثم قالت "وإنتي شو اسمك ؟؟ ".
- (اللهجة دي أنا عارفاها كويس ) قلت في نفسي .
- إيه ؟؟ !!! شو !! . 
 - قلت لها "إنتي سورية ؟؟ "
- يا حبيبة قلبي.. كمان سوريين.
- تدخّل "هو" في الحوار موجّها كلامه للصغيرة وناظراً إليّ "لا تزعجي الآنسة.
- علّقتُ وقد ظهر أدائي التمثيلي جلياً  "هاهاها لا لا لا تزعجني إيه .. دي ماشاء الله عسل.. ربنا يخليهالك ".. في هذه اللحظة قمت بوضع الصغيرة على حجري.
- ابتسم وابتسمتُ.. وابتسمت الطفلة.. وتوقّف الزمن في تلك اللحظة وتمنيّت ألا يصل الميكروباص أبداً وأن أظل هكذا أحمل تلك الطفلة وأنظر لوجهه و .. و..


قطع عليّ هذا المشهد.. صوت ما يأتي من بعيد.. ليس بعيدا جدا... من مقعد في منتصف الميكروباص .. صوت ما يحمل نبرة نسائية.. ولكن.. بلكنة غير مصرية.. صوت يردد معطّشاً الجيم ومتكئاً على الياء " لا تزعجيها لأختك يا رقيّة .. تاعي لاهون عندي "..  نظرت لأستكشف الأمر.. تطلعت بنظري عبر الجالسين في الميكروباص فرداً فرداً .. حتى وجدتها .. لم أستوعب الأمر في البداية  أو ربما خشيت أن أستوعبه.


- سألت الطفلة سريعاً "مين دي يا رقيّة ؟؟ردّي بسرعة ".
- قالت رقيّة مبتسمة "هاي الماما ".
- الماما !!!!!!!!!!!!!!!!! الماما .. إيه اللي جاب الماما دلوقتي ؟؟


ما هو أنا كنت عارفة إن فيه "الماما" بس ماكنتش عارفة إنها معاكوا.. حيث وقفت كلمة "الماما" بصوت الصغيرة في حنجرتي ورفض البلعوم أن يبتلعها.. ثم لم أعد احتمل التواجد مع "الماما" في ذات الميكروباص.. حيث إنها في ثوانٍ بهدوء أنزلت الطفلة من على حجري وقلت لها "روحي عند "الماما" يا حبيبتي.. وبأعلى صوت لديّ قلت "على جنب ياااااااااااااا أسطـــــــــــــــــــــــــــــى".


- وابقي سلميلي عليها ".