التوقيت الخميس، 25 أبريل 2024
التوقيت 11:19 ص , بتوقيت القاهرة

مارلين ديتريتش.. الساحرة الغامضة

غامضة وجذابة وأيقونية، بحاجبين رفيعين وصوت أجش وسيجارة يداعب دخانها أحلام يقظة المشاهدين.


إنها مارلين ديتريتش، أعظم ممثلة ألمانية في القرن العشرين. ولدت عام 1901 تحت اسم "ماريا مجدالينا"، وبدأت مسيرتها الطويلة بالعمل كفتاة "كورس" في عدد من الملاهي الليلية بألمانيا، ثم دخلت مجال التمثيل في عشرينيات القرن الماضي، فشاركت في 10 أفلام بأدوار نمطية جعلتها اسما دائما في دليل الممثلين، كمرشحة لدور العاشقة الساذجة، قبل أن تلتقطها هوليوود في الثلاثينيات.


السنوات الأمريكية


يعود الفضل في اكتشاف ديتريتش وانتقالها لأمريكا إلى المخرج النمساوي – الأمريكي جوزيف فون سترنبرج، الذي قدمت معه 7 أفلام بين ألمانيا وأمريكا. التعاون الأول بينهما عام 1930، أنتج واحدا من أهم الأفلام في تاريخ السينما وهو فيلم "الملاك الأزرق"، الذي غادرت ديتريتش بعد عرضه بيوم إلى أمريكا. ولعبت شخصية  لولا، المغنية المثيرة التي تغري الأستاذ فاذورني الوقور، لصاحبه إيميل ياننجز، وتقوم بسحرها وصوتها المغوي بإهلاكه وتدمير عالمه.


أداء ديتريتش الساحر ووجهها الملائكي الغامض، مثّلا تذكرة دخولها إلى أستديوهات هوليوود، بعد أن أقنعها سترنبرج بالهجرة إلى أمريكا حيث الشهرة والنجومية. وفي العام نفسه، قدمت معه فيلم "مراكش"، أمام جاري كوبر، ورشّحت عنه لجائزة "أوسكار" أفضل ممثلة.



ستتابع الأدوار والشخصيات التي تؤديها ديتريتش تحت إدارة مخرجها المفضل، لتؤكد صورتها كأنثى مسيطرة على الرجال في أفلام "المُهان" 1931، "شنغهاي إكسبريس" 1932، "فينوس الشقراء" 1932، "الإمبراطورة القرمزية" 1934، "الشيطان امرأة" 1935. وبعد ذلك، استبعدت شركة "بارامونت" للإنتاج السينمائي سترنبرج من طاقمها، فتعثرت مسيرة ديتريتش السينمائية قليلا، قبل أن تستعيد مجدها في أفلام متميزة مثل "رغبة" 1936 من إخراج فرانز بورزاج، و"ملاك" 1937 من إخراج إرنست لوبيتش.



عام 1941، اختارها المخرج الفرنسي الشهير "رينيه كلير"، لبطولة أول أفلامه الأمريكية "غاوية نيو أورليانز"، وفي العام نفسه، دخلت الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية، فسجّلت ديتريتش عددا من الأغنيات المعادية للنازية، وإستكتشات لتسلية الجنود، كما غنّت لقوات التحالف المتمركزة على جبهاتها القتالية المتعددة في الجزائر وفرنسا وألمانيا، ونتيجة لذلك مُنحت وسام الحرية من الحكومة الأمريكية، ووسام الشرف من الحكومة الفرنسية.



من نهاية الأربعينيات، عملت ديتريتش في الكثير من الأفلام، التي تفاوتت جودتها، ولكنها حافظت على اختيارات متميزة تحت إدارة مخرجين موهوبين مثل بيلي وايلدر وألفريد هيتشكوك وفريتز لانج وأورسون ويلز. وخلال السبعينيات، عززت من نشاطها الغنائي فقامت بجولات غنائية واستعراضية في أوروبا، إلى أن اضطرها تدهور صحتها وعكوفها على الخمر والمخدرات إلى الاعتزال في منزل هاديء بالعاصمة الفرنسية باريس، وانزوت تماما عن الصحفيين ووسائل الإعلام  حتى أنها رفضت محاولات المخرج النمساوي ماكسمليان شيل لقاءها أثناء إعداده فيلم توثيقي عنها، وفي النهاية سمحت له بتسجيل أحاديث عن حياتها، وأفلامها لتشارك بصوتها في فيلم "مارلين" 1984 من إخراجه.



علاقة مرتبكة مع الوطن


غادرت ديتريتش ألمانيا عام 1930، أي قبل وصول هتلر إلى الحكم بـ3 سنوات، واتخذت قرارا بعدم العودة إلى ألمانيا بعد سيطرة النازيين على مقاعد الحكم، رغم حنينها الدائم لأمها وأختها، اللتان تركتهما وراءها في برلين. ولم تقبل دعوات وزير الدعاية النازي جوبلز المتكررة للعودة إلى وطنها، كما نشطت خلال الثلاثينات كمعارضة بارزة للنظام النازي، ودعمت للفنانين الفارين من الحكم النازي. وفي عام 1937 حصلت على الجنسية الأمريكية، وتخلّت عن الألمانية.



حين زارت ديتريتش برلين عام 1960، لم تتعرف على مدينتها التي تركتها قبل 30 عاما. فتقسيم ألمانيا ومن بعدها برلين إلى غربية وشرقية، وتعرضها للمضايقات من قبل بعض المتطرفين، الذين نعتوها بالخائنة جعل الأمر مستحيلا بالنسبة لها، فغادرتها واستقرت في باريس، إلى أن ماتت عام 1992، لكنها دفنت حسب وصيتها في برلين.


وفي عام 2001، أحيت ألمانيا ذكرى ميلادها الـ 100 في احتفال كبير، وأُطلق اسمها على الميدان الذي يطل عليه مهرجان برلين السينمائي الدولي.



عاشت ديتريتش حياة صاخبة ومتقلبة، عرفت خلالها الكثير من العشاق والعاشقات. وربما لا تتطابق حياتها الشخصية مع صورتها كممثلة، جسدت ما يريده الجمهور من سعادة وجمال وجاذبية ونجاح، ولكنها كانت دائما متمردة على القواعد. توفيت ديتريتش في باريس، 6 مايو 1992.