التوقيت الخميس، 28 مارس 2024
التوقيت 08:28 م , بتوقيت القاهرة

دا فينشي.. جانب من سيرة الفضولي الجامح

يعتبر الفنان الإيطالي ليوناردو دا فينشي ‏(15 إبريل 1452- 2 مايو 1519) واحدا من أعظم الرسّامين إلى جانب إجادته في الهندسة والجيولوجيا وعلم النبات والتشريح والموسيقى والنحت والمعمار، وحتى العلوم العسكرية.

كان دافينشي يتبع روتينا كتابيا يتضمّن تسجيل جميع ملاحظاته التي تناولت جوانب مختلفة من العلوم. بعد وفاته عُثر على أكثر من 6000 صفحة من يومياته التي يعترف فيها بحزنه العميق ورغبته الجامحة في الخلود إضافة إلى الكثير من التأملات الفلسفية والذاتية والنكات البذيئة.

هذا الخليط المتنوع كان نتيجة فضوله الجامح والذي يرجع إليه الفضل الكبير في ثراء التركة التي خلّفها وراءه، فقد كان سابقا لعصره وأفكاره الثورية في تصميم العديد من الآلات لم تكن تكنولوجيا صناعتها متاحة في زمنه. كما وضع أيضا رسومات توضيحية تشرح كيفية عمل أجهزة الإنسان الداخلية وأعضاؤه والبنية التشريحية لعضلات كل من الانسان والحيوان وحتى الأجنّة.

لم يتلق دافينشي تعليما نظاميا في اللاتينية أو الرياضيات والعلوم، وبالتالي لم تجد اختراعاته التقدير والاهتمام المناسبين من علماء وأثرياء عصره، لذا بقيت حبيسة الأدراج حتى كشف الزمن وتطوره أدواته نبوغ الفنان وعبقريته. 

الطائرة 

طرح دافنشي إمكانية طيران الإنسان في العام 1486، وكان قوام فكرته هو التجانس بين أجسام الطيور والبشر، وبالتالي يمكن للإنسان الطيران بشرط وجود جناحين. الفكرة أغرته وحاول القيام بصنع آلة شبيهة بجناحي الطائر تمّكن الإنسان من الارتفاع في الهواء.

في مذكراته نجد مصادر إلهامه التي كانت الخفافيش والطائات الورقية بالتحديد. وصنع مجسما لآلة طيران شراعية يقارب طولها 33 قدما بإطار خشبي مغطي بالحرير ليماثل جناح الخفافيش ومزودة بمقعد للطيّار يتوّسطها.

وتحكي مصادر غير موثقة أن دافينشي حاول تجريب اختراعه مع أحد تلاميذه وكانت النتيجة كسر قدمي التلميذ.

بدلة الغوص

كان دافنشي مولعا بالحياة البحرية، واستغل ولعه هذا في أثناء عمله في مدينة فينيسيا الإيطالية في العام 1500، في تصميم بدلة غوص، تسمح لمرتديها بالتنفس تحت الماء، بهدف تدمير سفن الأعداء التي تحاول التسلل إلى مياه المدينة.

استخدم الفنان جلد الخنزير للوقاية من تسلل المياه، وأضاف نظارات زجاجية لخوذة البدلة وأنبوب تنفس وتصميم سلس يسمح بتخزين الهواء في أحد الجيوب الداخلية، كما زوّدها بحقيبة تسمح للعواص بالتبوّل.

في عام 2004، قامت شبكة الإذاعة البريطانية بي بي سي، بإعادة إنتاج حديثة لتلك الفكرة في أحد برامجها الوثائقية عن دا فينشي واختراعاته المبتكرة، وثبتت فعاليتها.

لوحة الموناليزا

لأسباب كثيرة تعتبر تلك اللوحة أشهر أعمال الفنان على الإطلاق. بابتسامتها الأيقونية التي تتابع كل من ينظر إليها ساخرة وساحرة في آن.

تعود اللوحة إلى السيدة ليزا زوجة أحد الأثرياء الايطاليين، وأشبع الفلاسفة اللوحة تحليلا وحديثا عن تمكّن الفنان من الجمع بين مشاعر مختلطة في اللوحة، وقال البعض إنها مزيج عجائبي من الطبيعة والإنسانية. 

على صعيد تقني فقد كان دافينشي رائدا في استخدام تقنيتين هامتين في هذه اللوحة:

تقنية السفوماتو"Sfumato"، وتعني رسم الشحصية عن طريق تمازج الألوان، بحيث لا يشعر الناظر بتغيّر الألوان وتحوّلاتها الأمر الذي يعطي انطباعا غامضا وجذابا. وتظهر تلك التقنية في ثوب الموناليزا وابتسامتها.

وتقنية الكياروسكورو "Chiaroscuro"، وتعتمد على الاستخدام المثالي للضوء والتكوينات الظلّية لإعطاء انطباع معين عن الشخصية المرسومة. وتظهر تلك التقنية بوضوح في يدي الموناليزا، حيث يقوم الفنان بإظهار التفاصيل عن طريق تعديل الإضاءة والظلّ.

الرجل الفيتروفي

مقتبسا إحدى الأفكار الواردة في كتاب للمهندس المعماري الروماني ماركوس فيتروفيوس، قام دافينشي برسم تلك اللوحة عن نموذجه للإنسان المثالي، والذي يوضح اعتناء دافينشي بالنسب في أعماله.

في اللوحة نرى رجلا عاريا في وضع متعامد ومتداخل، أطرافه (الذراعين والساقين) في حالة تماسّ مع إطاري مربّع ودائرة. سجل دافينشي ملاحظات شارحة في أعلى اللوحة وأسفلها ويطلق عليها البعض "شريعة الأنساب".

وتعتبر تلك الشخصية من الشخصيات الفريدة على وجه الأرض ويتم استدعائها عند الحديث عن الشفاء الذاتي والاكتمال الداخلي. واعتبرت رمزا معاصرا اتخذته العديد من الشركات الطبية كشعار لها كما تم وضعها على العملة المعدنية لليورو الإيطالي.

حاليا، فإن اللوحة خارج العرض ومحفوظة لدى معرض الأكاديمية بمدينة فينيسيا، ولا يتم عرضها إلا في المناسبات الثقافية الكبرى.