التوقيت الإثنين، 29 أبريل 2024
التوقيت 10:15 ص , بتوقيت القاهرة

إنهم يلومون الحلوى ومتصالحون مع الذباب

هو: لو عندك قطعة جاتوه، أو "لولي بوب"، وتركتها بلا غطاء، ماذا سيحدث؟



?أنا: ……?


هو: ألن يتجمع عليها الذباب؟


أنا: بلى. لو كان هناك ذباب. لكن لو كانت في ظروف لا تسمح للذباب بالتواجد فلن يتجمع عليها الذباب.


الراجل ماحطش منطق. طبعا. للأسباب الآتية:


1. لأنه تعود أن تنتشر حججه وتتوغل دون أن يسمع منطقا آخر يناقشه.


2. لأنه لا يغير منطقه، ولا حججه. يحفظها ويقدمها كما هي. وبالتالي من السهل جدا لمن يسمعها أن يجهز لها ردا.


هذا من حيث الشكل. لكن من حيث المضمون فالموضوع هيقلب كوميدي. مثلا:


1.? حضرة المتحدث دا لو مغسلش وشه ووقف في البلكونة شوية سيأكله الذباب أيضا.


2. الذباب لا يقف على "الحلويات" (يا واد انت ياللي شايف المرأة حلويات)، الذباب يقف على الخراء أيضا. (هل نفهم من هذا إنك يمكن شايف المرأة لا مؤاخذة…؟). أو أننا يمكن أن نستخدم نفس الصور، ولكن خراء محل الحلوى، ونكتب أسفلها "لا تترك خراءك مكشوفا"؟


3. الحلوى، غالبا، غالبا، لا تغطى بحيث لا ترى. مش كده ولا إيه! الحلوى توضع في "بيئة مناسبة"، لا تجعلها تتعفن، بيئة تسمح للآخرين برؤيتها. لا يعني هذا أبدا أنني أوافق على تشبيه المرأة بالحلوى والرجل بالتجويف الفمي (هع). إنما أعني أن التشبيه يخلو حتى من أبسط قواعد المنطق.


4. الواقع العملي يقول إن ما يغطى ويدفن، ونخجل من أن يراه أحد، ليس الحلوى. مش عايز أقرفكم أكتر من كده.


طيب. خلصنا من الشكل والمضمون، خلصنا من الكوميديا، نأتي إلى جوهر التفكير، إلى المأساة.


البشر الطبيعيون، في العالم كله، مشغولون بمكافحة الذباب. مشكلة الذباب أيها الطفس ليس في أنه سيقف على الحلوى ويسممها عليك. مشكلته أكبر من هذا، أنه سينقل العدوى إلى كل شيء. بالإضافة إلى أنه سمج ويوتر الأعصاب. تماما كما أن البلد مليئة بالسمجى وموتري الأعصاب، المتحرشين اللزجين، ليس حول البنات فحسب، إنما حول الجميع، وليس في الشوارع فحسب، بل في البيوت وفي السوشال ميديا وعلى قنوات التليفزيون وفي الإذاعات وفي الصحف.  لو غطيت الحلوى سيقفز على عينيك، وعلى مخدة السرير، وعلى الأسقف والجدران. لن تنتهي المشكلة. لن تنتهي المشكلة لو كان الذباب يملأ البيت ولكن |الأكل متغطي (يا طفس!).


هل فهمنا أين المشكلة؟! لا لا، غير موضوع المنطق، دا خلاص مات من زمان عليه ألف رحمة ونور.


المشكلة أننا لا نبالي، بل نتخذ من السلوك الذبابي مقياسا "للأمر الواقع"، ثم نفترض أن أخلاق الذباب تلك ستغير وجه العالم.


المشكلة أن يكون الذباب كثيفا من حولك بحيث يشمل من تعايشهم يوميا، من تصافحهم، من تزور بيوتهم ويزورون بيتك، ويشمل أيضا من يتقدم لطلب يد "حلواك أو خرائك"، وتقبل، وتفرح، وتقيم الموائد والأفراح، وتدعو أصحابك "الذباب هم أيضا"، للاحتفال بالذبابة التي فازت "بحلواك أو خرائك".


لمست جوهر المأساة ولا نقول كمان؟


جوهر المأساة أن ترى نفسك ذبابة، وكل الرجال الذين حولك ذباب، وتظل متصالحا مع نفسك، وتظل ناصحا ومتفلسفا، وتظل متوقعا منا أن نتقبل نصيحة ذبابة ونقول يا سلام! ثم تدعي أن أخلاق الذباب هذه ستغير وجه العالم.