التوقيت الأحد، 28 أبريل 2024
التوقيت 11:24 م , بتوقيت القاهرة

ثورة البنات (ممنوع مشاركة الصبيان الوحشين)

منذ عام تقريبا ولمدة لا بأس بها، ظهر على الفيس بوك بعض الانتقادات العنيفة نسبيا لمواقف وتصريحات مشاهير الفيمينزم أو (الحركة النسوية) في مصر، بسبب بعض المواقف والدعوات والاهتمامات، التي رأى الكثيرون أنها في غير محلها، وأنها أبعد ما تكون عن المعارك والمشاكل الحقيقية للمرأة المصرية. 


وقتها ورغم اتفاقي مع أغلب هذه الملاحظات، رفضت مساندة هذه الانتقادات. ومبرري كان ببساطة، أننا حتى لو اتفقنا على سلبيات محددة من مشاهير الفيمنست، فمن الأولى أن نكثف جهودنا للمشكلة الأهم، وهي الثوابت الذكورية. بدلا من أن نساهم في إحباط وتحطيم حراك يحتاجه المجتمع، حتى لو تضمن سلبيات. على أمل أن يكون الوقت كافيا لعلاج هذه النقاط السلبية سواء بإصلاح الفكر عامة أو بإنتاج كوادر أفضل وأمهر وأذكى، وعلى وعي أكبر بطبيعة التحديات هنا.


أعترف الآن بخطئي في التقدير. وربما كان من الأفضل بالفعل مساندة هذه الانتقادات في وقتها، لأن كثيرات منهن الآن أصبحن للأسف نموذجا واقعيا لإيفيه الناظر صلاح الدين الشهير (لف وارجع تاني). 


تبدأ قصتنا بدعوة الكاتب الصحفي شريف الشوباشي لمظاهرة في ميدان التحرير لخلع الحجاب، التي أثارت جدلا واسعا مؤخرا. وما يهمني هنا موقف رافض لهذا التظاهر تبنته "غدير أحمد" الناشطة في مجال حقوق المرأة، والمؤسسة لصفحة ثورة البنات على الفيس بوك. وهو الرفض الذي فسرته في برنامج "السادة المحترمون" مع يوسف الحسيني.


I


تبدأ مبرراتها بأن الدعوة لنساء دون نساء، باعتبار الصراع هنا بين طرفين لهما أيدلوجيات متعارضة، يريدان توظيف المرأة لصراع سياسي، بدون احترام لحقها في اتخاذ القرار. صراحتها في الرفض أولا بسبب نوع صاحب المبادرة، ونفيها لذلك بعد أن أحرجها يوسف الحسيني بسؤال وتشبيه منطقي عن قاسم أمين. وتغييرها الدفة لمبرر رفض جديد بعد تعليقه (ردود فعل المجتمع) موقف طفولي لدرجة بائسة. 


سعى المرأة لنيل حقوق مساوية للرجل من الضروري أن يضم كل رجل يؤمن بهذا الحق، وأن يدعم كل تصرف أو فعل يخدم هذا المسعى عمليا، حتى لو كان هدف أصحاب التصرف الأصلي مكاسب أخرى. المسمى المباشر لذلك هو (المصلحة المشتركة).


لو افترضنا جدلا أن صاحب المبادرة بالفعل لا يعنيه نهائيا أحقية المرأة في اتخاذ أي من القرارين (لبس الحجاب أو خلعه)، وهو ما نفاه بالمناسبة في بداية الحلقة، وأن المسألة كلها صراع بين تيار إسلامي وتيار عالماني على مساحة سياسية، فالسؤال المنطقي إذًا على أي جانب يجب أن تقف (ناشطة في مجال حقوق المرأة)؟


على جانب يدعم قمع المرأة فيما يخص مظهرها؟.. وهو أبسط حقوقها. ولاحظ هنا تدرج انتشار الحجاب منذ مطلع الثمانينات، لنصل مؤخرا إلى مرشح رئاسة برتبة شيخ، من نوعية حازم أبو إسماعيل، يعلن بوضوح أن أحد مسؤوليات الحاكم المسلم فرض الحجاب؟.. أم على جانب يدعم حرية القرار، ولا يطالب بإجبار الآخرين على رأيه؟ 


كطابع سائد عام، هل نحن في مجتمع تعاني فيه الفتاة التي تقرر لبس الحجاب، أم تعاني فيه الفتاة التي تقرر خلعه؟!.. أي القرارين يستوجب عقاب أسري ومجتمعي عادة، ويحتاج إلى دعم لأصحاب القرار؟.. أو إلى رسالة تضامن بمعنى (لست وحدك).


في مقطع آخر تردد (لازم نشوف البنات رأيها إيه وعندها استعداد ولا لأ)، مع عبارات عن عواقب المشاركة في التظاهر، وعن المجتمع الذي يفرض الوصاية على البنات. وحقيقة لا أعرف ما هي تحديدا نقطة البداية التي تشجعها لتغيير الوصاية، إذا لم تكن متعلقة بكسر أهم تابوه وصاية على الإطلاق (الحجاب). 


إذا أصبح للأنثى المصرية حريتها في اتخاذ أكبر تغيير علني واضح لكل من تقابله (خلع الحجاب)، فمن المؤكد أن هذه خطوة أولى لقبول مجتمعي لقرارات أخرى. بالإضافة طبعا لكونه دعما نفسيا لصاحبة القرار ولغيرها، لاتخاذ قرارات وتغييرات أكثر خصوصية. 


مضمون كلامها في مقطع آخر أن الطابع الذكوري المسيطر وظف الدين لقهر الأنثى. وهو ما تؤكد بناء عليه أن أصل المشكلة غير مرتبط بالإسلاميين. هذا الاستنتاج الضحل للأسف، ينسفه تماما حقيقة واضحة كالشمس، وهي أن الدين تحديدا هو أداة السيطرة الوحيدة غير القابلة للرفض أو النقض. الدين تحديدا هو ما يجعل المرأة بنصف حقوق. تحت وصاية الزوج أو الأب. تحتاج إلى موافقة الزوج للسفر والانتقال. غير مؤهلة للمناصب القيادية.. إلخ.


وفي نفس المقطع تتحدث عن عدم وجود قانون للعنف الأسري، ناسية أو متناسية أن السبب الرئيسي يعود إلى مصادر إسلامية، تسمح مثلا باغتصاب الزوج لزوجته، ووصاية الأب على أبنائه، وغيرها من الثوابت التي تحميها نصوص وفتاوى. لا يعنيني هنا مناقشة صحتها دينيا أم لا. ما يعنيني حقيقة انتشارها وقبولها اجتماعيا كثوابت دينية، في دولة تتبنى الدين الإسلامي كمصدر للتشريع.


هذة الحقائق (وليست الآراء) تعني بوضوح أن العوائق الأساسية لأي خطوة تتعلق بحريات المرأة في مجتمعاتنا، سواء كأعراف اجتماعية أو قوانين تشريعية، تنبع من أسس دينية. وأن نفى هذا الترابط كسبب ونتيجة على طريقتها، معناه تغيير الدفة إلى معارك هامشية طفولية أخرى، لن تغير شيئا من قريب أو بعيد مستقبلا في وضع الأنثى. 


أى منظومة تعتمد على الطاعة والالتزام والسيطرة، تسحب منك أولا وقبل أي شىء حقك في اختيار مظهرك. ولهذا ستجد مثلا في السجون وفي الكليات العسكرية عالميا، ضوابط تتعلق بـ(قص شعرك - حلق ذقنك - ملابسك). هذه الخطوات البسيطة (أ-ب) في تأقلمك على كونك تابعا. لأن كل مرة يوميا تنظر فيها في المرآة، ستذكرك أنك لا تملك حق اختيار شكلك.


عندما تختم ناشطة في مجال حقوق المرأة لقاء بعبارة مثل مش شايفة أن خلع الستات للحجاب هيخليهم يرجعوا أكتر للتحرر والحرية، لا يوجد إذا الكثير ليقال. الترابط بين (ضوابط تحدد المسموح من مظهرك كأنثى - مساحة حرياتك كأنثى في اتخاذ قراراتك الباقية) لا يحتاج إلى توضيح. وهذا تحديدا سبب ردود الفعل الغاضبة من الشيوخ والفقهاء. من حق كل شخص أن يرتدي ما يشاء، لكن كما هو واضح من ردود الأفعال عامة على الدعوة، يوجد فرق 180 درجة بين درجة القبول والترحيب بمن يدعو للحجاب، مقارنة بمن يدعو للعكس. والطريف أن الفريق الذي يخدم اختيار واحد، يبرر موقفه المتناقض في الحالتين بالدفاع عن الحريات!  


أتعشم أن أشاهد قريبا فيمنست أكثر نضجا في اتخاذ القرارات، وأكثر وعيا وذكاء في فهم أسس مشاكل مجتمعها. لكن إذا كان أحد أهداف الحركة النسوية في مصر، فصل الذكور عن مساندة قضيتهم. وتحويلها من قضية عامة تخص مصلحة واحدة للمجتمع بإناثه وذكوره إلى قضية تخص قبيلة محددة، فمبروك عليهم اختيار غدير كواجهة. ومبروك أكثر وأكثر للشيوخ والفقهاء بوجودها. 


لمتابعة الكاتب