التوقيت الخميس، 02 مايو 2024
التوقيت 08:03 ص , بتوقيت القاهرة

الشجاعة بأجر

مازلت أتذكره وهو يصرخ مهاجمًا الإخوان بشراسة أثناء وجودهم في الحكم، وكنت أسأل كيف لا يخاف، ومن أين أتته كل هذه الشجاعة ضد السلطة الحاكمة، سبب اندهاشي أن زميلي العزيز لم يحدث أبدًا أن كان معارضًا لنظام حكم. أقصد نظام مبارك. فمن أين  كل هذه الشجاعة؟


لقد  بنى زميلي وجوده المالي الوفير ووجوده الصحفي والإعلامي الغزير في المساحة الرخوة بين نظام مبارك وبين معارضته.. في الغالب هو لم يختر هذا الدور، ولكنّه كما تعرف دور مهم لنظام مبارك وجود شخصيات وصحف وقنوات ، تشبه المعارضه. وما زلت أذكر عندما عملنا معا كانت نصيحته لي "مش هينفع تبقى كده علطول".


طبعًا كما تعرف زميلي العزيز لم يكن الوحيد الشجاع، فقد كان هناك الكثير من الزملاء الصحفيين والإعلاميين، وبالطبع كان هناك سياسيون. وكنت أقول لنفسي لا ضرر، فليس مهمًا من يهدم مشروع الإخوان، المهم أنه يساعد في هدمه.  واكتشفت بعد زمن من ثورة 30-6 ضد الإخوان الحقيقة أنها كانت شجاعة مدفوعة الأجر. ليست فقط بأجر ولكنها أيضًا تحت الحماية القوية.


ماذا يعني هذا؟


يعني أن زملاءنا الشجعان كانوا بشكلٍ أو آخر محميين من خصوم الإخوان، وهم كُثر، منهم أجهزة أمنية ورجال قضاء وغيرهم، بل ودول. أي كانوا يعرفون أنه من الصعب أن يصيبهم ضرر فادح. قد يصيبهم بعض الرذاذ، بعض التحرشات، بعض الدعاوى القضائية. لكن في الأخير من الصعب، بل وبالدقة من المستحيل، أن يصبهم ضرر جسيم. لذلك فمشاهدة بعضهم الآن وهم يقولون بفخر إنهم واجهوا الإخوان وحلفاءهم بصدور عارية، أمر يثير إعجابي، فإلى هذه الدرجة يمكن أن يصدق الإنسان أكاذيبه ويحولها إلى حقائق.


ماذا تعني شجاعة مدفوعة الأجر؟


تعني أنها غير خالصة لوجه البلد، فيها الكثير من المال، فقد أقيمت مؤسسات وصحف وقنوات ومواقع إنترنت وغيرها وغيرها. وبالطبع كان زملائي الشجعان على رأسهم، قادة صحفيون كبار.وتم ضخ أموال في مؤسسات قائمة ولأفراد لدعم المعركة ضد الإخوان وحلفائهم .


لعلك تتذكر عنما تحدى رئيس تحرير، رئيس تحرير آخر بأن يعلن للرأي العام الأموال التي حصل عليها من رجل الأعمال لكي "يشد حيله ضد الإخوان". هذا التمويل جاء من رجال أعمال ضد المشروع الإخواني، وجاء من أجهزة، وجاء من دول. وكان لزملائنا الشجعان "من الطيب نصيب". فقد كان منهم قبل ثورة يناير مواطنون مثلي ومثلك يمشون في الأسواق.. يعيشون من رواتبهم، لكنّهم الآن "بسم الله ما شاء الله"، شقق فاخرة في أرقى أحياء القاهرة. فيلات وشاليهات وأراض ومزارع وحسابات في البنوك وغيرها وغيرها.  ومنهم من كان ليس مثلي ومثلك "على باب الله"، لكن كما تعرف "البحر يحب الزيادة". وناله من الطيب الكثير من النصيب.


هل كل خصوم الإخوان كذلك؟


قبل أن أجيب عن السؤال، ففي الجهة الأخرى كان لدى الإخوان وحلفائهم تمويل وحماية من رجال أعمال ومن دول وتم ضخ المليارات للعصف بخصومهم. ولديهم نفس النوع: الشجاعة بأجر. لكنهم لا يهموننا الآن، فلم يعودوا يسيطرون على قلب وعقل البلد. 


أعود للسؤال:  هل كل خصوم الإخوان كذلك؟ 


بالطبع لا، فهناك من أنفق من ماله لأنه يؤمن أن مشروع الإخوان السياسي خطر على مصر. وهو محق. ومن خصوم الإخوان وحلفائهم من تعرضت حياته لخطر حقيقي، وبدون حماية. ومنهم من تم منعه من العمل أو الكتابة في مؤسسته وكان "بيلف" على الصحف لنشرها. أي كان هناك بالطبع الكثير من الزملاء والأصدقاء الذين يهدمون المشروع السياسي للإخوان وحلفائهم لمصلحة البلد، دون أي مكاسب. وهؤلاء هم الشجعان الحقيقيون.


هل هذا يعني أن الشجاعة بأجر خطيئة وجريمة؟


ليس هدفي من الكتابة إدانة أحد. ربما تكون هذه هي قناعاتهم، وتوافقت مع من يدفع ومن يحمي. لكني أظن أن بعضهم ليس كذلك، فالمصلحة هي الأهم. لكن حتى من كانت هذه هي قناعاته، واستفاد من بيزنس العداء  للإخوان، أصبح جزءًا من منظومة من كانوا يحمونه ويمولونه. ومن ثم فقد كان في خصومته مع الإخوان وحلفائهم أقرب إلى الهتيف أو الشبيح أو البلطجي الذي يريد تجريس خصمه واغتياله معنويًا وماديًا. ولأنهم كانوا كذلك، ولأننا صمتنا على تجاوزاتهم ضد الخصوم، انقلبوا الآن علينا.


لماذا وكيف؟


لأنه لا بد أن يكون متسقًا تمامًا مع من كانوا يحمونه ويشجعونه ويمولونه، فهو يستكمل باقي الدور وبذات الأدوات. أدوات البلطجي والشبيح مع الشركاء الذين صنعوا ثورة 30-6 . فقد انتهى دورهم وحان الوقت للتخلص النهائي منهم. وها هم يفعلون بكفاءة منقطعة النظير وهم يعرفون أنهم محميون وممولون. حتى أنهم انقلبوا ليس على ثورة يناير فقط، ولكن أيضا على أهداف ثورة 30-6 والتي من المؤكد أنه ليس من بينها الاستبداد والقهر والسجن والقتل.. إلى آخر ما تعرفه.


لماذا أقول لك كل هذا الكلام الصادم والمؤذي؟


حتى تعرف إذا لم تكن تعرف.  فالمعرفة هي أول الطريق الطويل للتحرر. التحرر من الأكاذيب والأوهام التي يزرعها هؤلاء في عقل ووجدان البلد. وحتى أنشط  أنا أيضًا قدرتي على الفرز. الفرز بين الغث والثمين. الفرق بين الخدم وبين الأحرار. حتى لا نفقد في ظل كل هذا الركام العفن إنسانيتنا.