التوقيت الثلاثاء، 16 أبريل 2024
التوقيت 03:54 م , بتوقيت القاهرة

هؤلاء.. ممنوعون من دخول العاصمة الجديدة

31/ 7/ 2030

أفتح نافذتي على الحياة، نسمات باردة محببة إلى نفسي، على الرغم من صيف ضرب البلاد بضراوة، وهو الطبيعي في شهر كيوليو، لكنني منذ انتقلت للحياة هنا، اختلف كل شيء.

أحتفل اليوم بعيد ميلادي الواحد والأربعين، الحياة في العاصمة الجديدة تختلف تماما، ما أفتح عليه عيني يختلف تماما عما يراه الناس في بقاع مصر المختلفة، قطعة من الجنة هنا إن شئت وصفاً دقيقاً، سماء صافية ومبانٍ تجمع بين الحضارة والأصالة، و، مهلا ! ما هذا.

من الخلفية
الحق زوبة رايحة النادي
وفتحي أبوها بقى دادي
ولابسة كوتشي عليه فيونكة
وكاتبة عـ الفيس التنكة

عودة للواقع !
اليوم ليس عيد ميلادي، وحتى لو كان فهو ليس الواحد والأربعين طبعا، وأنا هنا أنظر للعالم من نافذة غرفتي المطلة على حديقة هادئة ولطيفة كما هي المنطقة التي أسكن فيها، على الرغم من عدم شهرتها، كان ما سبق مجرد أحلام راودتني عقب الإعلان عن إنشاء العاصمة الجديدة، ذلك المشروع الذي تصورت، ولا زلت أتصور، أنه سيغنيني عن كل أحلامي البراقة بالهجرة، إلا ذلك التوك توك اللعين، آبى إلا أن يعيدني إلى حيث أنا.

متى ظهر "التوك توك" في حينا الهاديء لأول مرة، بل من أدخله إلى مصر للمرة الأولى، ومتى فعل ذلك، وماذا لو طاردني ذلك الشيء هناك، ذلك كابوس لا يحتمل، وهؤلاء عشر شخصيات لن أحتمل أن يلاحقوني إلى هناك. 

(1)
مدام عفاف بتاعت شؤون الطلبة،

تلك السيدة التي أتصور أنها ولدت بهذا الحجم والشكل، لم تكن طفلة يوما، ولن تكبر مطلقا، وذلك أمر مرعب، ستبقى بذلك البونيه اللبني على شعرها، وبذلك "التيير" ماركة حتشبسوت، تمتلك من القدرة على حرق الدم ما يكفي شعبا ويفيض، أذكر يوما ذهبت لختم أوراق البطاقة، وكانت مشكلتي في أن عنوان استمارة الثانوية العامة مخالف لعنواني في البطاقة، وهو ما استلزم الحوار التالي:

- لا يا حبيبتي في الحالة دي تجيبيلي عقد الشقة اللي مكتوب عنوانها ده.

* بعد أسبوع
- آه دي بإسم جدك، هاتيلي ورقة مكتوبة منه إنه موافق على ده
-حضرتك جدي، قصدي ربنا يرحمه
- آه يعني الشقة دي دلوقتي ورث
- أيوة ..
- إذن تجيبيلي ورقة ماضي عليها كل عم أو عمة من عمامك، مفادها أنهم موافقين إن إنتي وأهلك تعيشوا في الشقة دي
- فعلا ؟
- فعلا ..
الحمد لله أنني لم أقتلها، الحمد لله.

(2)
سواقين التوك توك،

أنا لن أسمح لشخص يستقل ذبابة أن يغتال أحلامي يوميا، ولن أقبل أن يشوه ذلك الشيء البوهيمي أيامي القادمة أكثر مما فعل، لا مكان لذلك الساوند سيستم المتحرك في شوارع عاصمتي الجديدة، ولا لسائقه ساقط الإعدادية الذي يباغتني فجأة وفي كل الأوقات ليسألني، راااحة فين يا عسل!

وبالمناسبة، حتى بعض سائقي التاكسي لا بد وأن يختفوا، دعك من الثرثارين أصحاب وجهات النظر اللولبية في كل مناحي الحياة، وفكر معي في سبيل للتخلص الأبدي من أمثال ذلك السائق الذي استوقفته في أحد شوارع جاردن سيتي ذهابا إلى شارع التحرير بالدقي فأجابني
- لا و الله أنا رايح المعادي
هو أنا بقولك وصلني في طريقك يا )(*%&$*&^%

(3)
الشباب الفيمص

لا أعرف من أين جاء هذا المصطلح، ولكنه ليس كما يمكن أن تتصور، Famous بالإنجليزية، والذي يعني شخصا مشهورل، الشباب الفيمص هو ذاك الذي يرتدي فيست أو قميص، حرص على إغلاق كل أزراره حتى ياقته، بنطلون ضيق، وتفاصيل أكثر غرابة لن نخوض فيها، ذلك النوع على الرغم من المجهود الذي يبذله في تصفيف شعره يصيبني بحالة من الغثيان، بل أنني أجزم أنني مؤخرا صرت أعاني الفيمصوفوبيا، وهو نوع من الهلع يرتبط بأن أتخيل، مجرد التخيل، أن ابنتي المستقبلية يمكن أن تغرم –لاقدر الله ألف مرة- بأحدهم.

أضف إلى ذلك النوع، صاحبات الأرقام القياسية في عدد الإيشاربات الملونة المستخدمة في المرة الواحدة، والقدرة السحرية على إخفاء علبة سمنة 2 كيلو تحتهم، فضلا عن "الحركة الروشة"، بإدخال الموبايل في الطرحة، والذي كان طبيعيا أن تتطور فيدخلن أجهزة التاب، وأتوقع أنه وحتى إنشاء العاصمة الجديدة، سيصبحن قادرات على إدخال اللاب توب في حجابهن، وأنا قلبي الصغير لن يحتمل، والله !

(4)
بائعو المترو

لا داعي لأن أقود سيارتي "الكرايسلر" السوداء في ذلك الصباح، وليس طبيعيا أن أدفع ثمن حرصي على البيئة من أعصابي حين أتحول للاعبة سيرك تحاول التقاط كل ما يلقيه عليها باعة المترو، بنس شعر، مقشرة البطاطس السحرية، أذكار الصباح والمساء، شرابات، بنس شعر تاني، جراب الريموت، شاحن موبايل نوكيا، هدية لحمادة وميادة، وكأنك يا مؤمن استقليت منطقة العتبة بشوارعها وحاراتها.

أكتب ذلك صراحة وأنا أفكر جديا، لا في إلغاء بائعي المترو، وإنما في إلغاء المترو من أساسه، الكرايسلر مش وحشة برده.

(5)
الراجل بتاع كل سنة وإنتي طيبة يا استاذة

لم يكن المولد النبوي ولا أحد أيام أي عيد، ولم يكن عيد الفلاح حتى، حين دخلت السنيما للمرة الأولى برقفة صديقاتي، وحين رافقني ذلك الرجل كظلي مرددا كل سنة وإنتي طيبة يا استاذة لسبع مرات تقريبا، حتى أوصلنا إلى مقاعدنا، وفي كل مرة كنت أجيبه بابتسامة عريضة أنه وحضرتك طيب، وحين انصرف وقبل أن أسأل قالت لي إحداهن وهي غارقة في الضحك،
- كان عاوز فلوس يا مُنى، كان عاوز فلوس

كبرت وتغيرت وغيرت السنيما ولازلت أقابل أمثال ذلك الرجل، ولازلت أتساءل عن السبب الذي يدفعه للتسول، وهو لا يقدم لي أكثر من عمله الذي يتقاضى عليه أجرا، والسؤال الأغرب والأكثر إثارة للحيرة، ما علاقة الكل سنة وحضرتي طيبة بالأمر!

بنفس الطريقة التي سنتخلص بها من ذلك النوع، اقترح التخلص من ذلك الرجل الذي يتسول قريبا من محل عملي، والذي بعد أن تقطع نياط قلبي لأشهر بسببه، وجدته يتحدث في هاتفه المحمول، بينما هو على وضعيته يمد يده لكل من يأتي، ويروح.

ربما أنك تضحك الآن، وربما أنت حانق عليّ، ترفع حاجبيك استنكارا وتتهمني بالتعالي وتستعد لأن "تشير" ذلك المقال، مصحوبا بعشرة سطور على الأقل من النقد، وهو أمر يسعدني جدا بالمناسبة، أو ربما فعلتها قبل أن تصل إلى هنا، ولكن اسمح لي، فالأمر ليس كما تتصور.

الأمر كله يتلخص في ذلك الحُلم الذي يرادوني، والذي أعرف أنه لا يفارقك أيضا، إنها تلك الأمنية بأن نشعر بآدميتنا، بأن نكف عن أحلام الهجرة التي ربما ستسلب منا أضعاف ما سوف تمنحنا، وأن "تحل" عنا كوابيس الغربة على أرض وطن هو الأحب، مهما فعل.

قاهرة جديدة في انتظارنا، بعد خمس سنوات أو عشر أو أيا كان، ولكن هل تمر السنوات ونحن على حالنا لم نتغير، هل سيلتحق عبده الروتين بمكاتبها، وهل تدرس ميس نيفيين بتاعت الإنجليش في مدارسها، وتبقى مدام عفاف لعنة لا تفارق طلاب جامعاتها.

نحن في حاجة لأن نتغير، جميعنا في حاجة إلى ذلك، ذلك الذي ربما إن فعلناه لن نكون في حاجة إلى مبانٍ شاهقة ولا معمار براق، لكننا إن لم نفعل، فوالله، لن تصلح العاصمة الجديدة ما أفسده المصريون.

وأخيرا، أنصحك عزيزي القارئ بقراءة رواية يوتوبيا، للكاتب أحمد خالد توفيق، لتعرف الصورة التي لا أرغب أبدا في أن تكون العاصمة الجديدة عليها.