التوقيت الأحد، 05 مايو 2024
التوقيت 04:52 م , بتوقيت القاهرة

في وصف البنات

أعترف أنني ظللت لفترة لا يُستهان بها أرفض تقبل المصطلح الممجوج للغزل في وصف الفتيات بـ "المُزة"، اعترف أيضا، وهو الأخطر، أنني بدأت اتقبله، بل وأتبادله أحيانا من باب المزاح مع بعض الصديقات.

في البداية كان هناك حاجز متين بيني وبينه، وأعتقد  هكذا كان حال الغالبية، حين كان المصطلح رائجا فقط لدى فئات بعينها، وكان المراد به وصف حسي مباشر بلا مواربة، ثم انتشر أكثر ليروج بين معظم الشباب والشابات، وأصبح تعبيرا عن الجمال والتميز.

 أتذكر جيدا أول مرة فاجأتني إحدى بنات الأسرة الصغيرات، وهي تمازحني قائلة لي: "مزة"، فاستشطت غضبا وقلت لها: "عيب"، وأنا التي كنت أعتقد أن كلمة" عيب" أكثر كلمة يمكن أن تستفزني في الحياة، ولا وجود لها في قاموسي، حين ضبطت نفسي متلبسة بالغضب من كلمة  "مزة" لهذه الدرجة.

انتظرت حتى أخلو بنفسي وأحاول إرجاع الكلمة لتعبيراتها ربما أكون متجنية، وجدت أنها ممكن تكون من "لحمة الموزة"، وهي ذاك الجزء المحبب لدى الغالبية، المشهور بطراوته. أو ربما من فاكهة الموز ولها نفس الميزة الجمال والطراوة على الأقل ليست ناشفة تقف في حلقك. أو ربما من المَزة، بفتح الميم، تلك الأطباق الصغيرة من خضار أو مكسرات المصاحبة عادة لجلسة المشروبات الكحولية.

انتهى تفكيري إلى هنا، لم أجد شيئا آخر، ربما أكون سيئة الظن وهناك مراد آخر أكثر رقيا لم ينصرف إليه ذهني في حينها، لكن هذا ما كان، وانتهيت أكثر قرفا واستفزازا من هذه الأوصاف التي كلها حسية ومن المعيب والمهين أن توصف بها المرأة أو تقبلها، ثم ما لبثت أن تعايشت كما تعايش الآخرون والأخريات من أمثالي، خاصة وأن الوصف بات يستخدم للدلالة على الجمال والبهاء والطلة الحسنة فحسب.

تذكرت كل هذا حين قررت أن أكتب عن مدلولات التغزل بالمرأة عادة وتشبيهها ببعض الحيوانات، المها والبقرة  للعينين، الغزال في الرشاقة، إلى هنا والأمر يثير الفخر لا الاستياء، فالرجال أيضا يشبهون بالأسد الغضنفر، والهزبر والليث، فيكون هذا محل فخرهم واعتزازهم، أحببت أن أتوقف قليلا عند التشبيه بالمهرة أو الفرس وفيه ما فيه، وعليه ما عليه، أنا مثلا ممن يميلون إلى إيجابية هذا الوصف، فالفرس عنوان الشموخ والعزة والكبرياء والإباء والجموح، لكن لا يخفى طبعا المراد الحسي الذي يبطن عادة هذا النوع من الوصف وهو الأكثر التصاقا به، والأكثر استخداما.

 وجدتني متحررة جدا من التقيد بالمدلولات المبطنة في جوف مطلقها، غير معنية بها إطلاقا يبقى للفرس في مخيلتي وذهني ووجداني هذه الأوصاف التي أرى أنها تشبه المرأة العربية بالفعل، وهكذا ينبغي أن تكون كل امرأة.

أعتقد يقينا أن النساء أو من تفكر وتحلل منهن- تاب الله عليهن من هذا الداء- لديهن حساسية عالية من الأوصاف.

ذات مرة دار بيني وبين صديق حوارا، فقال لي "أنتن النساء"، فغضبت من فكرة الحديث عن النساء باعتبارهن حزمة يقاس عليها، فقال لي:" لماذا تغضبن حين يقال لكن أنتن النساء، زوجتي أيضا تستشيط غضبا من هذه الجملة،  لماذا تكرهن تشبيهكن ببعض"، شرحت له وجهة نظري، فقال:" طيب لماذا نحن الرجال لا نغضب حين يقال لنا أنتم الرجال، لماذا لا نغضب حين تضعوننا في حزمة". ومعه حق هم لا يغضبون أبدا، بل ربما يتحدثون هكذا بفخر بصيغة الجمع في معظم الوقت قائلين: " نحن الرجال"، فوجدتني أرد بسرعة وأنا على وشك الرحيل " ببساطة لأنكم تقولونها عادة بدونية".

وخلصت وأنا أغادر أنه من المهم بل الأهم أن نكون متحررين أكثر من انتظار الأوصاف والإطراء، من أن نكون محلا للتشبيهات والتعليقات والقياس وانتظار الآراء، وتحليلها وتقييمها، الحقيقة أن عنوان الثقة بالنفس بالفعل تجاوز مرحلة التحسس، ربما يكون تقبلي لـ"مزة" يدخل في هذا الإطار أيضا، لذا لم أعد أبالي، فقد تجاوزت مرحلة التحسس.

المرأة فعلا أكبر من كل هذا وأهم، الفرس يشبهها، هذا هو التشبيه المناسب إن جاز لنا أن نشبه، ولا بأس من الغزل نحتاجه أحيانا، نحتاجه كثيرا، ليس في ذلك أدنى حرج أو إهانة أو تجاوزا للياقة والحشمة.