التوقيت السبت، 27 أبريل 2024
التوقيت 10:47 م , بتوقيت القاهرة

بين زحام القاهرة ووحدة الدوحة.. قصتي (4)

الحب في السكايب

"أنا بالنسبة لك إيه ..

أنا بسألك سؤال...

ونفسي إن الجواب...

مايكنش من الخيال ...

ويفسّر الغياب...

أنا حبي بجد بيندهلك؟ ولا أنا أوهام بالنسبالك ؟"

أنغام ... 2005

نوفمبر وديسمبر 2012

أهلا بك يا صديقي
الشهر الخامس والسادس في غربتي.. كما عاهدتك في بداية حديثنا أن أكون صريحًا وموجزًا.. الآن سأصارحك بقصتي في الحب عبر السكايب.

قبل سفري بشهرين كنت جالسا مع أصدقاء عمري في مقهانا المفضل، نسخر من مواصفات الأهالي للعريس المثالي.. ده مهندس في أوراسكوم.. ده صيدلي في شركة أدوية ومعاه عربية زيرو.. ده دكتور وعنده عيادة، وكأنّه من المفترض إنه يكون عنده ورشة تصليح شكمانات مثلا.. وأخيرا ده مهندس في دبي.. هكذا يُفكر بعض الأهالي صائدي العرسان.. كيف تفكر بعض البنات صائدات العرسان؟
هذا ما اكتشفته بعد سفري..

سافرت في يونيو بعد محاولة ارتباط فاشلة عادية.. خرجت منها غير مجروح/غير سعيد.. وقررت التركيز في عملي فقط.

و لكن..

هناك شيء ما يتغير مع الوحدة في إحساسك.. مع الغربة تكون حساسا أكثر عواطفك تتحرك أسرع.. لهذا أعظم التجارب الأدبية والشعرية كتبت في الغربة أو في السجن.. الوحدة تغيّر وبشدة.. بعد سفري مباشرة.. بدأ يظهر اهتمام زائد يصل لحد الدلع أحيانا من بعضهن.. لماذا تعاملونني هكذا و كأنني عريس محتمل ؟

هناك صديقاتي منذ سنين عدة، هؤلاء لم يتغير شئ في تعاملاتنا كانوا كأخوتي في الاهتمام والمحبة والتعاملات .. القصة ظهرت ممن أعرفهن معرفة سطحية لا تتعدى السلامات والمجاملات..حسنا أصبح الواتساب مليئا بالسؤال والبونجورات والقلوب والابتسامات السمجة.

ما الذي حدث ؟ ما الذي جد ؟ ماذا تغيّر بي؟ قبل سفري كنت أعمل في شركة أكبر وبمسمى وظيفي أعلى.. هل أصبحت أوسم؟ لا لقد اكتسبت وزنا خليجيا معتادا وقل اهتمامي بشكلي وملابسي.. حتى شخصيتي أصبحت أكثر كآبة وقلقا.

في البداية تعجبت ثم اعتدت ثم أحببت القصة وانغمست وكنت أقنع نفسي أنه لشيء لطيف جدا أن تكون مرغوبا فيك رغم البعاد.

حتى حدث ذلك الموقف...

قابلت صديقا قديما في الدوحة بعدما عرفت أنه آتٍ للعمل.. خرجنا سويا واكتشف أن بنتا ما ترسل لي وله في نفس الوقت.. تقريبا نفس الكلمات.. ضحكنا سويا حتى دمعت ثم قلت له.. شيل يا معلم حلال عليك.

قلت في داخلي ...

تريدين أن تلعبي؟ حسنا لنلعب

رجعت ولم أصارحها بالقصة.. واستمريت وتماديت.. دون كلمة حب بيننا واحدة ودون طلب زواج أو حتى تلميح.. وتكرر الأمر مع غيرها أيضًا ممن في نفس حالتها.. لا داعي لشرح أي تفاصيل أنا لست علاء الأسواني.

الأمر لم يطل.. أحسست بالملل والضيق.. واتخذت قرارا وتكلمت بصراحة.. كان حوارا صريحا لحد الوقاحة.. بعدها كوّنت الفكرة.

لا ليس الأمر في فلوس الخليج... الفكرة في الهروب، هذه النوعية من البنات يردن الهروب مع رفيق هروب مناسب واسترجعت حواراتي معهن واستنتجت..

هناك ضيق ما من البلد.. من الشوارع.. من الكبت.. لو كانوا في بيئة أكثر تفتحا لهربن وحدهن.. بعد جلسة الصراحة هذه.. قررت التوقف تماما.. والعودة إلى أصدقائي الذين أهملتهم في وسط هذه الدوامة.. هذه القصة مكررة وسمعتها من أكثر من صديق أعزب في أماكن مختلفة.. يا صديقي قل لصديقاتك الراغبات في الهروب.. الرجال ليسوا جميعًا سُذُج.. وليس بالتنازلات تصطادين عريسا.

أحسست يومها بالحرية.

نزلت لأتنزه وحيدا وأكافئ نفسي..  ابتعت كارتا بـ 50 ريالا، وكلمت كل من أحبه ويحبني بدون حسابات أخرى، وقررت الرجوع على حسابي في إجازة لقضاء عيد الميلاد مع أسرتي وأصدقائي الحقيقيين.

قطر والقطريون

"شبابيك .. شبابيك .. الدنيا كلها شبابيك

و السهر والحكاية والحواديت...

كلها دايرة عليك

دي عينيك .. شبابيك... للدنيا كلها.. شبابيك"

محمد منير.. 1981

يناير 2013

أسعد أيام حياتي .

أنزل للتسوّق في "فيلاجيو مول" و"سيتي سنتر مول" يوميا. قررت أن أشتري هدية حتى لو رمزية لكل من أحب.. وكل من تذكرني وأنا بعيد عنه.. كنت أسير في شوارع الدوحة مع سعيد سائق التاكسي الأسود، أرقص معه على أنغام أغانيه الهندية في سيارته.. كنا كالمهابيل تماما.. ولكنني كنت سعيدا.. الجو هنا رائع في ديسمبر ويناير وفبراير.. اختفت الرطوبة وحل مكانها نسمة هواء بارد منعشة.

هل كانت النسمة في الهواء أم في قلبي وروحي؟ لا أعلم و لكني أحببتها.

ترتيبات التسعة أيام إجازة لا تنتهي مع أصدقائي وأهلي.. ويوم الثالث من يناير قررت أن أكتب عن قطر.

قطر ليست صغيرة كما يدّعون.. مقارنة بلبنان هي أكبر.. مساحتها تقدر بمساحتي القاهرة والإسكندرية مجتمعتين.. ربع سكانها قطريون والربع الثاني هنود.. والربع الثالث عرب مغتربون.. والباقي جنسيات أوروبية مختلفة.

القطريون كشعب طيب جدا وكريم ولكنه غير متواضع.. أغلب شبابهم متعلم في إنجلترا.. والكثير منهم يملك شققا في القاهرة تحديدا في المهندسين.. في الصيف تكون قطر خالية تقريبا من القطريين.. يقضونه في أوروبا أو مصر أو لبنان.. يحبون مصر ويكرهون الإخوان.. غير متعصبين على الإطلاق نظيفي العين لا يوجد رجل يجرؤ أن يتحرش بأي فتاة حتى بالنظرات.

سألت مرة رجلا قطريا كان يجلس بجواري في مقهى كورة الفاخر هناك.. كنا نشاهد سويا مباراة لريال مدريد، وكان الوحيد الذي يشجعه معي فحدثت صداقة وحوارات وقتية.. ماهو معنى علم قطر.. كان مرحا جدا فقال لي.. هناك سنون العلم هم إمارات الإمارات والبحرين وقطر.. توحدت الإمارات في بلد وظلت قطر والبحرين منفصلتين.. قلت له ولماذا اللون العنابي؟ قال لي لون الدماء التي سالت في الحروب.. سألته من حاربت قطر؟  قال لي هو لون جميل.. وكفى.. وضحك جدا.

" بعدها عرفت أن قصة عدد سنون العلم صحيحة.. والحروب التي خاضتها قطر وسالت فيها الدماء كانت أمام البحرين".

هناك متحف يسمى متحف الفن الإسلامي.. لا يوجد به آثار قطرية أصلا.. ولكن به حديقة ومنتزه رائع.

المكان الأثري الوحيد يسمى بسوق واقف في قلب الدوحة.. وهو يشبه خان الخليلي في مصر.

سوق واقف :

دخل قطر الرئيسي ليس بترولا كباقي الخليج، بل غاز طبيعي بمخزون هو الأكبر في العالم ولؤلؤ.

قام أمير قطر بخطوة رائعة ببناء ما يسمى بمجمع الأديان به دور عبادة لكل الطوائف وفرض تأمينا شديدا عليه.. مبنى الكنيسة المصرية هناك جميل جدا.. ويبنون الآن مبنى آخر بأموال التبرعات.. الكنيسة هناك كافية تماما للمسيحيين المصريين هناك.

لا تضييق على الملابس للأجانب والخمور مصرح بها لغير المسلمين، كل ما في الأمر تتطلب تصريحا من رئيس العمل للشراء أو تشتريها من السوق السوداء هناك.

قواعد قطر الصارمة.. لا حديث في الدين.. لا تحرش.. لا حديث في السياسة.. وإلا ترحيل.. أساسا لا يوجد ما يسمى بالسياسة هناك لا انتخابات أو حتى استفتاءات.. هناك عائلات تتوزع بينهم الحقائب الوزارية.. الشعب القطري يحب أميره جدا.. ولماذا لا يحبه؟ وهو يوّزع الثروات والدخل بالتساوي.. ولا يوجد قطري ليس غنيا؟.. ترى لو كان المصريون هكذا لاهتموا بالسياسة؟

النقطة السلبية الكبرى هي العمالة.. العمالة النيبالية والهندية تمتهن تماما.. ظروف العمل في جو الصيف القاتل.. إقامات في عنابر غير آدمية في المدينة الصناعية التي تختلف تماما عن دوحة قطر.

في الحلقة القادمة والأخيرة سأحكي لك بالتفصيل عن العمال والإعلام في قطر في مرحلتي التعوّد..والعودة.

للتواصل مع الكاتب