التوقيت الأحد، 28 أبريل 2024
التوقيت 06:20 م , بتوقيت القاهرة

بين زحام القاهرة ووحدة الدوحة.. قصتي (1)

أهلا بك...
ستكون لمدة قصيرة صديقا مقربا لي.. 
سأحكي لك قصة عادية.. مكررة.. ولكنّها قصتي أنا.. لذا فسأعتبرها مميزة.
أعاهدك أن أكون صادقا.. صريحا.. و موجزا.
قصة عام عشته في قطر في وقت كانت فيه مصر في حالة غليان.
وكان الإخوان في قمة سطوتهم.
في المرحلة المتوسطة ما بين الثورة الأولى والثانية.
كل ما تحتاجه الآن هو كوب كاكاو ساخن.
وفي الخلفية لقد أعددت قائمة من أغاني منير.
كلها من الثمانينات والتسعينات.
اتخذ مقعدا مريحا.
لربما كانت بداية حقيقية لصداقة بيننا. 
لنبدأ
الخروج
" يا زماني.. اضحكلي وإياك تنساني.
يا زماني.. في الغربة ونسيت عنواني.
يا زماني.. على فين أحزاني.. على فين واخداني.
يا زماني.. اضحكلي وإياك تنساني.
كان حلمي الوردي.. مش طايلاه يدي.. وأصبحت أنا وحدي ".
محمد منير 1981

 
القاهرة.. العاشر من يونيو 2012

مصر في انتظار الرئيس من جولة الإعادة.. الجميع يتكلم.. يتوقع.. يتفاعل.. يتشاجر ... يتشائم..
 وأنا.
 أوّدع أصدقائي وأهلي.
لأول مرة سأسافر مثلي مثل الملايين.. أبحث عن قدر قليل من المال لأبدأ حياة جديدة.. للأسف الفرص في بلدي قد قلت بشدة بعد كل الاضطرابات في العام والخمسة أشهر الماضيين.
كنت محسودا قبل الثورة بعملي في أكبر شركة إنجليزية في مصر.
لقد سافر الإنجليز الذين فيها جميعا وهي الآن معروضة للبيع يُرثى لها.. ككل شيء في مصر.
لن أتركهم حتى يستغنوا عني.. كرة اللهب لن تطولني.
" تذكرتي رايح جاي .... "
أصدقاء عمري يوصلوني للمطار.. ويصرون على أن تكون هذه هي أغنية الطريق.
أول مرة لي في السفر بالطائرة.. في ظروف أخرى كنت سأكون أكثر سعادة وتشويقا.. لكني كنت أحمل قدرا هائلا من الضيق والحزن.
كلمت أمي وأنا بداخل الطائرة باكيا.
" هتوحشيني يا ماما.. ملعون أبو الفلوس.. وحياتك أنا ندمان ندم عمري إني هسيبك إنتي وأختي في الظروف الهباب دي.. بس مش عارف أعمل إيه !! أقعد في البيت يعني".
ردّت و هي متماسكة " إنشف ... انت مسافر عشان بكرة أحلى.. استرجل وانجح و تعالى.. وأنا بـ 100 راجل "كلما  أحسستها متماسكة.. كلمّا تعبت أكثر.. أحسست أنها رائعة.. كلما أحسست بأنانيتي. 
يا الله ساعدني..
مرّ ثلاثة ساعات ونصف.. بمجرد خروجي من الطائرة أحسست بضيق حاد في التنفس.. الرطوبة هنا قاتلة .. كدت أفقد وعيي .. تماسكت وتأكدت مرتين أو ثلاثة من أن كل أوراقي معي.. لا أعلم سبب "فوبيا" ضياع الأوراق مني في دولة غريبة التي بدأت يومها ولم تتركني قط.. "كم كنت مؤثرا يا هنيدي في فيلم همام" قلتها وضحكت.. شجعت نفسي.. كلمت أمي مكالمة صغيرة.. وصليت صلاة صغيرة، وبدأت مشواري كطفل صغير يتحسس خطواته الأولى.
بنظرة سريعة كنت أقارن ما بين مطار الدوحة- وهو بالمناسبة وقتها كان المطار القديم- ومطار القاهرة الذي قام بعمله أحمد شفيق.. وقتها كنت من مؤيديه ليس حبا فيه ولكن كرها في الإخوان. 
حسنا.. مطار القاهرة أكبر وأفضل وأكثر روحا.. ولكن هنا أكثر تنظيما... وأقل ضوضاء.. وأنظف.. وبدون كائنات كل سنة وأنت طيب.
"لفوّا بينا.. قالوا لينا.. قالوا بينا ع المدينة.
لما جينا التقينا كل شيء فيها ناسينا.
القلق جوه العيون.. وشها له ألف لون.
حزنها غير حزننا.. منها وإحنا وحدنا.
لفّوا بنا.. لفّوا بنا.. لفّوا بينا وجينا هنا... لفّوا بينا وتهنا هنا.. "
محمد منير 1981

الدوحة ... العاشر من يونيو 2012
استقبلني اثنان من أصدقائي في المطار.. أحدهما  زميلي المستقبلي في شركتي هنا... قلت لهم لا أستطيع التنفس.. ضحكا وقالا لي.. ستعتاد على الجو.. أخذني أحدهم بسيارته.. في جولة سريعة.
أهلا بك في الدوحة.. حان وقت النظافة.. قالها وابتسم لي.
البلد نظيف.. انبهرت بالمرور.. انبهرت باحترام الجميع له برغم عدم وجود لجان وأمناء شرطة.
تحدث كثيرا.. ولم أسمع من كلامه شيئا. 
كان عقلي وقلبي هناك.
"هو مفيش هنا زرع ؟ " سألته وأنا أجول بنظري في كل هذه البلوكات الخرسانية شاهقة الارتفاع..
"هنروح سوا حديقة متحف الفن الإسلامي.. هتعجبك كلها خضار.. عموما هنا مفيش زراعة.. "
أخذني لمول كبير اسمه اللاندمارك قابلنا مدير الشركة ومهندس هندي .. دعوني لبيتزا في مطعم واضح إنه غالي الثمن.. كنت في حالة اللاواقع- لا حلم.
لم يكن تركيزي كاملا.
بعدها أوصلني لمنزلي الجديد.
في محافظه أخرى اسمها الوكير.. 25 دقيقة بعدًا عن الدوحة.
المكان عبارة عن كومباوند مجهز.. اسمه إزدان وهو سلسلة من الكومباوندات.. كنت أسكن في رقم 23 .
تستطيع أن تأخذ غرفة في الدوحة.. أو شقة حجرتين وحمامين وصالة مجهزة في الوكير.. ماذا تفضل؟ طبعا 25 دقيقة بالسيارة ليست مشكلة.
الشقة كانت نظيفة ومجهزة ولكن..  بدون سيارة أو إنترنت أو اشتراك في الدش.. أنا في سجن مجهز.
شكرته واخترت الحجرة الأصغر.. سينقل معي بعد دخول الإنترنت هنا.. لذا فذوقيا اخترت الحجرة الأصغر.
أخرجت الطعام الذي أعدته لي أمي .. أكلته باكيا.
 لم أكن يوما ثوريا ولكن في بلدي أنا مهندس.
 لم يترك فرصه لتنمية نفسه إلا وانتهزها!
متخصص في أصعب فروع الهندسة المدنية وهي التصميم الإنشائي للمنشآت المعدنية. 
كان يعمل في أكبر الشركات ولا يستطيع شراء شقة من راتبه.. مجرد شقة صغيرة.. ما هو الحل البديل لنا سوى السفر ؟
تركت الأكل جانبا.. وكلّمت أمي.. منذ وفاة أبي وأنا كل مالها.. والآن أتركهم.
أشكرك يا مصر...
حسنا أنا هنا..
لأقوم بالأمر على الشكل الأمثل.. أكون أو لا أكون .

للتواصل مع الكاتب