التوقيت الجمعة، 03 مايو 2024
التوقيت 08:51 م , بتوقيت القاهرة

ماريون كوتيار تسابق الزمن في Two Days, One Night

بصفة عامة لستُ من مدمني السينما الأوروبية، لكن توجد أسماء أحرِصُ على متابعتها، ومنها الأخوان "داردين". أشهر صانعي أفلام في السينما البلجيكية حاليا. أفلامهم تتميز بالبساطة والاختزال والبعد عن التكلف، رغم رسائلها وإسقاطاتها الاجتماعية والسياسية والأخلاقية، وموقفها الرافض الواضح للرأسمالية بالأخص. 


على غير العادة وللمرة الأولى يستعينان في فيلمهما الأخير "يومان وليلة" أو  Two Days, One Night  بنجمة سينما عالمية، وهي خطوة موفقة لأن هذا وفر للفيلم اهتمام جماهيري وإعلامي عالمي أكبر من ناحية، ولأن الفرنسية ماريون كوتيار قدمت ربما أفضل أدوارها فيه، واستحقت عن جدارة ترشيح الأوسكار لأفضل ممثلة.



كعادة أغلب أفلامهم، فالمحور الأساسي يتعلق بشخص يكافح من أجل لقمة العيش، وهنا يتعلق بـ ساندرا. أم لطفلين وزوجة لطباخ متواضع في مطعم، تسعى لاستعادة عملها في أحد المصانع بعد فترة انقطاع مرضي، لتكتشف أن مديرها خير زملائها الـ 16  سراً بين عودتها، وبين استمرارهم في التناوب لتغطية الساعات الناقصة نتيجة غيابها، نظير علاوة سنوية قدرها ألف يورو لكل منهم.


الكل اختار العلاوة السنوية باستثناء 2 فقط، وأمامها سباق مع الزمن مدته يومين قبل التصويت النهائي، لإقناع أغلبية الـ 14 بتغيير رأيهم لصالح عودتها، والتضحية بالعلاوة السنوية، وإلا أصبحت هي وأسرتها التي تعيش على حد الكفاف بالفعل، في أزمة مالية طاحنة.


ساندرا لا تغيب عن الفيلم لحظة تقريبا، ورغم هذا لا يسقط الفيلم في فخ الشخصية الواحدة. ما يميز السيناريو هو نجاحه في منح مصداقية لكل الشخصيات الأخرى. بعض زملائها لن يستمر ظهورهم لمدة 3 أو 4 دقائق على الشاشة، لكن جودة الحوار وبراعة رسم خلفية لظروف ومعيشة كل منهم، كفيلة بتبرير مواقفهم دراميا. الاختزال أحد مهارات الأخوين "داردين" باستمرار.



ستجد مهارة الاختزال واضحة أيضا، في مشاهد سريعة لمنطقة وطبيعة سكن كل منهم، قبل أن تقرع البطلة على الباب. لا توجد مبالغات مُنفرة أو مصطنعة لتوضيح الطابع القاسي للحياة، بقدر ما تتركك الصورة بتفاصيل بسيطة، توجز هذا الطابع. 


هل ساندرا ضحية زملائها؟
يسحبنا الفيلم بهدوء لنفهم معاناة والتزامات زملائها المادية. ربما تكون الإجابة العكس. المعضلة الأخلاقية المستمرة هنا، هل يجوز الخروج من أزماتنا بتوريط الآخرين فيها بدلا منا؟.. الإجابة سهلة نسبيا إذا كنت طرفا مضغوطا في المعادلة، كشخصيات الفيلم المطحونة، لكن أمام المتفرج ستبدو كل الاختيارات مؤلمة. وسيتركك السيناريو تتأرجح مع البطلة بين لحظات اليأس والأمل باستمرار.


الكاميرا لا تترك "ساندرا" طوال الوقت تقريبا، وتتبعها كظلها بنفس الطابع المعروف للأخوين "داردين"، المُستخدم فيه أغلب الوقت كاميرات اليد المحمولة. والطابع شبه التسجيلي متواجد باستمرار، خاصة مع غياب الموسيقى التصويرية، وتصوير العديد من المشاهد كمشهد طويل واحد (Long take). بعض المشاهد تتجاوز الـ 5 دقائق، وهو أمر مرهق عادة لممثل السينما، لكن ماريون كوتيار تتألق في كل واحد منهم، حتى عندما يتطلب الأمر تغييرا فوريا في مشاعر وانفعالات الشخصية عدة مرات. التكنيك ككل على بساطته، يجعل الفيلم والأحداث قمة في الواقعية.



تظل ماريون صاحبة الفضل الأكبر على الفيلم. نجمة الأناقة والجمال المعروفة، والوجه الإعلاني لبيت أزياء وماكياج عريق مثل Dior، تخلت عن مكياجها وأناقتها من أجل الدور، ونجحت بالفعل في إقناعنا بشخصيتها ذات الأصول المتواضعة في الفيلم. طبقا لتصريحات البعض، فقد أجادت تقمص اللهجة الفرنسية الموجودة في المقاطعات البلجيكية أيضا، وهي نقطة لا أملك نهائيا خبرة لغوية للتعليق عليها.


ملاحظة تستحق الذكر بخصوص 2014، وهي أن مستوى الأداء التمثيلي عموما في القمة، وهذا سبب استبعاد ترشيح عديد من الأدوار الجيدة. من وجهة نظري، فقد انتهى بالفعل مبكرا سباق أوسكار أحسن ممثلة بالأخص، لصالح جوليان مور عن أدائها في Still Alice  لكن هذا لا ينفي أن باقي المنافسات، ومنهم ماريون هنا، قدمن بصمة جيدة سنظل نذكرها.



 باختصار:
دراما اجتماعية قوية ومؤثرة سلاحها البساطة والسرعة، عن حياة العمال في أوروبا. الأحداث كلها في يومين، لكن سنظل نذكر أداء ماريون كوتيار الممتاز للأبد على الأغلب.


للتواصل مع الكاتب