التوقيت الخميس، 25 أبريل 2024
التوقيت 01:38 م , بتوقيت القاهرة

وهل يُقاس التقدم بحرية المرأة؟

هذا السؤال السابق تراه باستمرار بصيغة سخرية واستهزاء في حوارات القوى المتزمتة دينيا والمحافظة اجتماعيا، وتهدف منه إلى السخرية من فكرة حرية المرأة، باعتبار أن الخبثاء والمنحلين والقوى الصليبية الماسونية إلخ. هي من تُروّج لهذا المفهوم وتحاول فرضه كمعيارٍ للتقدم.


ولكن الإجابة بالإيجاب فعلا، تقدم أي بلد هو رهن بدرجة حرية المرأة فيه لأسباب كثيرة سأختار منها بعض الأسباب التي تقنعني شخصيا:


1-المرأة هي الإنسان الأضعف جسمانيا في مواجهة الرجل، ولأن كل "حرية" هي ممارسة لـ"حق"، فإنّ الحقوق إذا ما حصل عليها ومارسها الأضعف بدنيا برضا الأقوى؛ فهي إقرار لقاعدة أن الحق لا يُكتسب بالقوة، وهذا يعني تحرر المجتمع من عقدة السيطرة البدائية الناتجة عن القوة الجسدية، وبالتالي فهو تجسيدٌ لتقدم العصور الحديثة أمام تخلف العصور الحجرية.


2- المرأة هي الأكثر قربا من أطفالها، وبالتالي فإذا ما كانت تُمارس حريتها بالفعل، فهي تنقل لأطفالها- أي لأجيال المجتمع الجديدة- ثقة بالنفس وحب المغامرة والتجديد وتحمل المسؤولية، وهي بالضبط صفات التقدم التي تواجه الاتكالية والجمود ورمي المسؤولية على الآخرين.


3- المرأة ذات طبيعة شاعرية قوية، تتأثر بالجمال في الشكل والصورة والصوت، وبالتالي فتمتعها بحريتها هو تعظيم لكل أشكال تنمية الوجدان الفنية والأدبية سواء كانت هي المبدعة فيها أو كانت هي من يُحرك المُبدع، فالتقدم مرتبط بالإبداع المستمر، والإبداع هو نتيجة الخيال، والخيال هو انعكاس للتأثر الشاعري بإعادة تخليق الجمال من الجمال في صورة جديدة .


4- المرأة أقل ميلا لاستخدام العنف لتأثيره المدمر المحتمل على من يحتلون مكانة خاصة في قلبها، وغالبا ما تحل مشاكلها باستخدام اللسان لا الأيدي والأرجل، وبالتالي فحريتها تعني مساحة أكبر من الحوار في كل المجالات العامة والخاصة، وتقليصا لمساحة العنف.


5- المرأة أكثر حرصا على سلامتها الجسدية،  وبالتالي فحريتها تعني عددا أقل من الكوارث المرورية في الطرق وما ينتج عنها من خسائر بشرية، وبالتالي تتقلص الكوارث الناتجة عن سلوكيات اللامبالاة و(الاستبياع) في المجتمع.


6- المرأة أكثر حرصا على  إبراز مظهرها الجمالي، وبالتالي فحريتها تعني طعاما صحيا وصحة أفضل للجميع، كما تعني أطفالاً أقل، ورعايةً أفضل لهم.


7- المرأة أكثر تقديرا لعواطفها، وبالتالي فالمرأة الحرة ستختار رجلا تحبه ويحبها بإرادتها، وبالتالي تتقلص حالات (زواج  المال مقابل الجنس) السائدة في المجتمع بشقيها المحظور والمقبول اجتماعيا باعتباره زواجا شرعيا، وتصبح علاقات المجتمع بالذات الزيجات أكثر صحية وديمومة وبهجة.


8- المرأة هي هدف مفضل لكل الأفكار والأيديولوجيات والقوى الرجعية، وبالتالي فالمرأة الحرة هي الأقدر على إلحاق الهزيمة بالفكر الذي يحتقرها، وأقدر على الإحساس بمدى كارثيته على حياتها.


على أية حال وسواء بدت تلك الأسباب مُقنعة أو لا، إلا أنه بالمشاهدة العملية يُمكنك إدراك أن كل مجتمع تعاني المرأة فيه ويتم تقليص حريتها هو مجتمع بعيد عن التقدم جدا، بل أن مجتمعا كالمجتمع المصري نفسه يُمكنك أن تقارن وضع المراة فيه لتلاحظ أنه ومنذ عهود المصريين القدماء، كلما تراجع دورها ازداد تخلف المجتمع.


المرأة المصرية بحاجة إلى تشجيع حقيقي ومستمر لتشعر بحريتها وتمارسها في كل مكان: في البيت وفي الشارع وفي أماكن العمل، وفي المجال العام.


أي تغيير مجتمعي لا يعتمد للانتشار والهيمنة على المرأة لن ينجح، فبالسيطرة على المرأة سيطرت قوى الظلام على المجتمع، بتخويفها وقهرها، وإشعارها بالخجل من نفسها ومن زيها ومن كينونتها ومن طبيعتها الفيسيولوجية، ثم بمحاولة إقناعها أنها دُمية للمتعة والتكاثر لا غير. وبتحرير المرأة وضمان حقوقها ستنتشر قيم الحداثة والتنوير في المجتمع تلقائيا.


التحرش- على سبيل المثال- لن يتم منعه بوعظ المتحرشين فقط، بل بحماية حقوق المرأة وفرضها بقوة القانون في رادع الخوف من العقاب القانوني والمجتمعي أيضا.


مصر الحرة توجد  أولا في المرأة المصرية الحرة الواثقة بنفسها.