التوقيت الأحد، 19 مايو 2024
التوقيت 02:09 ص , بتوقيت القاهرة

اخرس.. كأن الجحيم يجاورك

منذ خمس سنوات، قمت بنشر "Note" على موقع "فيس بوك" وكانت جزءا من فيلم "Assassins" بطولة جوليان مور وسيلفستر ستالوني، حين لفتت نظري قصة حكتها "مور" في أحداث الفيلم، عن عصفور في ليلة شتوية قارسة كاد أن يتجمد من البرد، وظن للحظة أنه على وشك الموت، ولكن جاءت بقرة وقضت حاجتها عليه.


 وعلى الرغم من التقزز الذي شعر به إلا أن هذا جعله يشعر ببعض الدفء، لذلك بدأ بالغناء من الفرحة بصوتٍ عال، فسمعه قط جائع وقام بتنظيف هذا العصفور من كل الوساخات التي كانت على جسده، وقام بأكله بعدها.


 


هناك أكثر من حكمة في هذه القصة، اثنان نعلمهما جيدًا ويشبهان إلى حد كبير المثل الشعبي القائل "يا بخت من بكاني"، ولكن الحكمة التي رسخت في ذهني من وقتها، عندما قالت جوليان، إن الحكمة الحقيقية من هذه القصة، أنه عندما تشعر بالسعادة ليس بالضرورة أن تغني بعلو صوتك وتُخبر كل القطط الجائعة عن مكانك، اخرس كأنّ بجوارك كل لحظة قطة جائعة ستلتهم فرحتك وتلتهمك أنت شخصيا إذا وجب الأمر.


بعد هذه القصة حاولت ألا أتحدث عن أي شيء يُسعدني على الملأ، ولكني اكتشفت أن هذا لا يكفي، فعندما أتحدث أيضا للناس عن أشياء أنوي فعلها وبالتأكيد ستشعرني بالسعادة، أجد أنها لا تتحقق ولا أفعلها، بالطبع في مصر والمجتمعات المتدينة يمكننا بسهولة أن نلصق هذا في الحسد، ولكن حضرتك لست "براد بيت" حتى تُصبح مثارا للحسد لدرجة أن تتوقف مشاريعك.


 وعادة لم أكن أميل لتفسير فساد مشاريعي المقبلة وعدم تحقيقها لأن من حولي "بص لي فيها" لأنه تفسير لا يدل على شيء سوى أن إرادتي بالفعل ضعيفة، وتأكدت هذه النظرية في رأسي عندما أرسلت لي صديقتي سارة ربيع فيديو يتحدث عن الأسباب المنطقية والعلمية التي قد تدفعك ألا تتحدث عن مشاريعك المقبلة، حين قال الشخص مقدم هذا الفيديو، إنك عندما تقوم بإخبار أصدقائك عن أي مشروع خاص بك تنوي فعله، وتلقى في نبرات صوتهم الاستحسان وكأنك قمت بالفعل بهذه الخطوة، مخك يتعامل مع هذا الاستحسان كأنه رد فعل على أنك قد قمت بالشيء بالفعل، ولذلك لا يحاول مخك في الفترة التالية بأن يعمل على ترتيب الخطوات التي ستؤهلك لتنفيذ الخطوة لأنه شعر بالرضا حين سمع عبارات الاستحسان.


 


 

 


 



إذن فإنّ شعور عقلك بالرضا عن نفسك قد يدفعك- بكل تأكيد- "للأنتخة" ولذلك- من وجهة نظري- لا يجب أن تُخبر أي شخص عن أهدافك، ليس لأنهم أشرار ولكن حتى تشعر بالحماسة المتواصلة لترى رد الفعل حيا في أعينهم عندما تنفذ تلك الخطة، ويرونها بأعينهم سباعية الأبعاد وليس فقط مجرد فكرة يهزون رأسهم باستحسان من أجلها، متمنين لك التوفيق فيها، الأمر لا يسير هكذا على ما أظن.


قرر ما ستقوم بفعله، ابدأ في التنفيذ وأنت أخرس تمامًا، وكأن الجحيم يجاورك، وكأن هناك قطة جائعة تتربص بك في انتظار أكلك إذا غنيت من السعادة أو قمت بالإعلان عن خططك، ثم ابدأ في تنفيذ تلك الخطوات واحدة تلو الأخرى بهدوء الحالمين، ولا تجعل أبداً عقلك يشعر بالرضا، دع الرضا والسلام لروحك وقلبك، ولكن اجعل من عقلك مديرك في العمل الذي يخبرك أنك يمكنك أن تفعل الأفضل وتقدم الأفضل طوال الوقت في طي الكتمان.