التوقيت الجمعة، 29 مارس 2024
التوقيت 02:18 م , بتوقيت القاهرة

في وداع السيدة الأولى !

صورة الأسبوع: السيدة فاتن حمامة في صندوق خشبي وضع على الأرض متكئ على طرفه رجل عجوز يبكي سنواته معها، هو الطبيب المعروف زوجها محمد عبد الوهاب، العاشق المجهول الذي أحب وأغرم وتزوج السيدة الأولى منذ نصف قرن تقريبا.



رحم الله هذه المرأة الجميلة الرائعة التي منحتنا أكثر بكثير مما منحناها، يكفي أنها صنعت لنا ملامح لفتاة أحلام رقيقة كلنا وقعنا في هواها حبا واحتراما.


لم تكن يوما مجرد امرأة تحمل ملامح دقيقة موحية بالأمل، كانت دائما امرأة ذكية، منذ اجتازت اختبارها الأول، أن تتحول من طفلة شقية إلى فتاة أحلام، منذ صنعت منحنيات حياتها بمهارة، منذُ تعلّمت من كل فشل واستمتعت بكل قصة فى حياتها.


من هذه الاختيارات، صنعت قصة حبها الحقيقية الدائمة، شريكها الحقيقي محمد عبد الوهاب، الاثنان يستحقان لقبا كبيرا يسبقهما.


منذ عام التقيت السيدة الأولى فاتن حمامة والسيد محمد عبد الوهاب في الفندق الذي أقيم به في الجونة، على الإفطار، وجدت الهانم الرقيقة تتقدم ببطء في ذراع زوجها، اثنان في أيام حبهما الأولى، يسحب لها مقعدا، يعد لها قهوتها، يمنحها قطعة الخبز، تلك ليست صورة مكتوبة بعناية فى سيناريو فيلم رومانسى، لكنّها صورة تعكس قصة حب حقيقية استمرت ما يقرب من خمسين عاما إلا قليلا.


 احتفظ الرجل بتفاصيل قصته، بكل ما فيها من خبايا وأسرار، صنعا معا خيمة وردية لا تضم إلا هما فقط، لم يحترق بشهرتها، لم تخترق الأضواء هذه المساحة التي غزلاها زوجا وزوجة، القصة التي توقع كثيرٌ من الناس أن تنتهي سنة 1975 بقيت حتى اِلْتأمت في صورة وداع أخيرة في سنة 2015 ، استطاع عاما بعد عام أن يؤكد لكل الناس أن السيدة فاتن حمامة هي قصته الكاملة.


هذا الرجل الذي أمسك بنعشها الخشبي يبكي عُمرا لم يعد معه، ويعد ذكريات سوف يعيش ما تبقى على رائحتها وملمسها، تحمل الكثير، تحمل هذه التفاهات التى تطلقها الصحف وحملتها عن حياة فاتن حمامة من قبله، نفسها الصحافة التي لم تحترم هذه الخصوصية التي جمعته بزوجته، لكي تفتش فى ليلة الرحيل عن رجال ذهبوا من حياتها.


هذا الرجل هو الوحيد الذي تحمل فى جلد تنفيذ وصية السيدة فاتن حمامة، إلا يفتح باب سرادقه الكبير ليتلقى العزاء وكلمات الصبر والسلوان، يستند إلى محبة الناس ولو لساعات قليلة لكي يفرح أنه كان شريك هذه الإنسانة العظيمة التى أحبها الجميع.


لعلها، بكل أدب ترفقت بعجوز أن يقف هذه الساعات يتلقى عزاء غيابها، فطلبت أن يكون وداعها هادئا، لعله يعود إلى غرفتهما ويغلقها عليه ويبكي وحدته وينام.


وداعا أيتها المرأة التي لم تتصنع رقتها وملامحها وثقافتها وصدقها.