التوقيت الخميس، 25 أبريل 2024
التوقيت 11:42 ص , بتوقيت القاهرة

فاتن حمامة وعلامة واحدة فقط مميزة

المسيرة الطويلة لفاتن حمامة ستفرض نفسها حتما الأيام القادمة في عشرات الفيديوهات والتحليلات. وستقرأ أشعارا طويلة بخصوصها. أغلب هذه الأشعار تنطبق على غيرها.


هل كانت ممثلة موهوبة؟.. بكل تأكيد. لكن هذا ينطبق على العديدين في تاريخ السينما المصرية. رأيي الذي لن يروق للبعض سماعه ربما مع خبر وفاتها، أن شادية وسعاد حسني مثلا، أكثر موهبة تمثيليا منها.


هل كانت جميلة وأنيقة؟.. بكل تأكيد. لكن هذا ينطبق على العديدين في تاريخ السينما المصرية. رأيي أن ميرفت آمين على سبيل المثال وليس الحصر، أكثر جمالا وفتنة منها. وفي نفس الجيل تقريبا ستجد أسماء مثل مريم فخر الدين ونادية لطفي، كأيقونات أخرى للجمال والأناقة في سينما هذا العصر.


ما المميز إذًا؟


اختياراتها بكل تأكيد، أهم ما ميّز تاريخها الفني عن غيرها. الحديث يطول في هذه الجزئية، لكن العنصر الأهم فيها على الإطلاق، احترامها لسنها. في الوقت الذي ستجد فيه الالتزام بأدوار تناسب عمر الفنان فعلا، نقطة لا توجد إلا في ممثلي الصف الثاني فقط، المجبرين على قبول ذلك، بسبب عدم قدرتهم على فرض العكس، ستجد فاتن حمامة النموذج الاستثنائي - الوحيد ربما في تاريخنا السينمائي - للـ نجم الذي احترم عمره باستمرار، واختار بنفسه طواعية أن يلتزم بأدوار تناسب عمره فعلا.


التعايش مع فكرة التقدم في العُمر فكرة مزعجة للبشر عامة، ومزعجة أكثر للإناث بصفة خاصة، وتنتقل من خانة مزعجة إلى خانة مرعبة للنجمات. هذا عمل تحتاج فيه باستمرار إلى مخاطبة صورة ما في ذاكرة جمهورك. صورة جزء كبير منها يتعلق بشكلك وطبيعة الأدوار التي حققت نجوميتك، بكل صفاتها ومنها طبعا الصفة العمرية. دعك من أن التعايش مع الفكرة، معناه بشكل ما تخليك عن نطاق (الأنثى الجميلة الجذابة)، وهو نطاق صعب نفسيا على أي نجمة أن تتخلى عنه، بعد أن تذوقت جزء من النجاح في شبابها بفضله.


يحضرني هنا لقاء تليفزيوني شاهدته منذ سنوات للفنان عادل إمام مع هالة سرحان. في اللقاء لمح عفوا أنه اختار أن يتعايش مع عمره ويقدم أدوارا تتناسب معه، بعد هوجة أفلام الشباب أواخر التسعينيات التي سحبت البساط من تحت أقدامه. قاطعته هالة في دهشة تلقائية (طب وهو ده اختيار؟!)، فكانت إجابته بتلقائية أشد (أيوة).


لاحظ هنا أنه حتى أواخر التسعينيات كان لا يزال مصمما على لعب دور الشاب في أفلام لم تحقق النجاح المرجو مثل (بخيت وعديلة 3 - رسالة إلى الوالي)، وأن عدم نجاحها هو ما فرض عليه التغيير. ومع ذلك فإن هذا التغيير في السن المُعلن لشخصياته لم ينعكس على طبيعتها نفسها، سوى في أفلام قليلة بعدها، على رأسها فيلم زهايمر مثلا.


في أغلب الباقي ومنهم مثلا (التجربة الدنماركية - عريس من جهة أمنية - السفارة في العمارة - مرجان أحمد مرجان)، ستجد معالم عادل إمام الشاب لا تزال موجودة كما هى، رغم سن الشخصية في الأحداث (الجاذبية والفحولة الجنسية - القدرة على الانتصار في شجار يدوي.. الخ). هذا ما يحدث ببساطة، عندما ترتبط بإطارك كنجم وتحاول التمسك به، مصمما على إنكار العنصر الذي أصبح واضحًا، وغير قابل للإنكار (معالم السن).


الفقرة السابقة تنطبق على أغلب نجومنا بالمناسبة. الأحياء والأموات .


الراحلة كانت أنضج من الغالبية. لم تنتظر نهائيا أن يطعنها الزمن ويلقي بها من عرش النجومية، بل طعنته هى أولا بعدم تصنيفها له من الأساس كعدو، واعتباره صديقا وفيا. وإلى حد كبير نجحت فعلا في ترويضه لمصلحتها. ربما يعود الفضل الأول في ذلك لحقيقة بسيطة ستلاحظها في أدوارها الأولى وهي نجمة الخمسينات والستينيات، وهي أنها مالت من البداية لأدوار الأنثى الناضجة فكرا، وعندما تخلّت عن أدوار الشابة عمرا، لم يجد جمهورها صدمة حقيقية في قبول وعشق ما قدمته بعد ذلك، لأنه كان امتدادا لنفس الخط.


مشوارها تضمن حوالي 100 عمل سينمائي كما تذكر بعض المصادر، وفي الفترة من بداية السبعينيات وحتى وفاتها (45 عاما)، قدمت أقل نسبة على الإطلاق، بإجمالي يزيد قليلا عن 20 عملا، تتضمن مسلسلين. وهي قائمة الأعمال التي تحظى ربما بالشهرة الأكبر حاليا في تاريخها الفني كله. من جديد النضج هنا كان صفة المرحلة.


لم تكن إلهًا بلا أخطاء كما ستقرأ وتسمع حتما هذه الأيام، وكما يروق للبعض كالعادة الحديث عن كل نجم غادر عالمنا. وكأغلب النجوم في كل زمان ومكان، لها أعمال متوسطة وأخرى دون المستوى، ولها أيضا تاريخ وأخبار، تعكس أحيانا قدر ما من التدخل غير المقبول في عمل المخرج. أرى في كثيرٍ من أعمالها أيضا قدرا مصطنعا من اللغة الخطابية والإرشادية، لكن في النهاية عندما تعصر ذاكرتك وتحاول أن تفكر في نجم آخر في تاريخنا الفني كله حقق نجاحا وهو طفل.. وهو مراهق.. وهو شاب.. وهو في الأربعينات... وهو في السبعينات.. لن تجد على الأغلب اسما واحد آخر يوضع بجوارها.


ولهذا لم يكن لقبها خاص بالجمال أو الشباب أو الفتنة، بل كان لقبها نفسه (سيدة الشاشة) انعكاسا مباشرا لصفة النضج.


ومن كل أعمالها سأختار (درس التعامل مع الزمن) كالعمل الأهم التي قدمته لنا في تاريخها الطويل كله.


للتواصل مع الكاتب