التوقيت الأربعاء، 24 أبريل 2024
التوقيت 03:52 ص , بتوقيت القاهرة

المواضيع المفضلة لكتاب الأغنية المصرية.. البيع والشرا

من ساعة ما قالوا يا أغاني، والبيع والشرا تيمة أساسية في الأغنية المصرية، ودي حاجة غريبة، لأن المصريين مش تجار، الأصل إننا بـ نزرع ونحرت الأرض، وعلى حد علمي الشعر العربي القديم مكنش فيه التيمة دي، بس لو نراجع هـ نلاقي المواويل الشعبية فيها الفكرة دي منتشرة.
بالتبر لم بعتكم
بالتبن بعتوني
أو 
يا صاحبي إن بعتني 
فـ السوق غليني
بس بغض البصر عن أصل الموضوع ده، فـ الفكرة هنا متسقة مع التعبير الشعبي الدارج: باعني أو باعوني، بمعنى تخلى عني أو تخلوا عني، فـ البيع هنا مش مقترن بـ فكرة التجارة، قد ما هو القدرة على الاستغناء، فـ البيع يساوي إنك تسيب الحاجة، والشرا يساوي إنك تطلبها وتتمسك بيها، عكس اللغة العربية اللي البيع فيها هو الشرا، هو المكسب.
مثلا، التجار باعوا النبي يوسف بـ فلوس قليلة، فـ تلاقي الوصف القرآني: "وشروه بـ ثمن بخس"، بـ يقول شروه مش باعوه، لأنهم حاجة واحدة.
نرجع للأغنية المصرية اللي الشعرا ملوها بيع وشرا، تقريبا مفيش شاعر ما اتحسرش على إن الحبيب باعه مع إنه اشتراه، وفيه شعرا أفرطوا لـ درجة إن مالهمش أغنية واحدة من غير بيع وشرا، وزمان كنت بـ اتريق على مصطفى كامل وأقول إن الأغنية الوحيدة له اللي مفيهاش بيع وشرا، هي أغنية: "أخسرك وأكسب إيه؟" بتاعة أمين سامي!
بس الحقيقة إن الحكم ده ظالم، والحكاية دي ما خلتش مطرب ولا مؤلف، حتى أم كلثوم غنت: 
بعتني وفاكرني إيه
هـ أشتاق لقربك ليه
واللافت إن كتير من نجوم كتابة المصرية في جيل الإذاعة ومن بعدها التلفزيون كان ليهم نشاط تجاري غير كتابة الأغاني، حسين السيد مثلا (مؤلف: بيع قلبك بيع ودك شوف الشاري مين) تاجر ابن تاجر، وكان أبوه من أهم موردين المواد الغذائية للجيش البريطاني، وهو نفسه استلم الشغل بعد أبوه. ولذلك، كانوا بـ يتريقوا عليه إنه بـ يستخدم أرقام كتير في أغانيه، يعني، هو اللي كتب: خمسة فـ ستة بـ تلاتين يوم، واحد اتنين، تلات شهور ويومين اتنين ونص ساعة ودقيقتين، وغيرها.
طبعا ده غير اتهامه بإنه كان بـ يشتري أغاني مش بتاعته بالذات من فتحي قورة، ودي حاجة مفيش عليها إثبات، والكل بـ يخاف يفتحها لأن فيها مساءلة قانونية، بس أنا سمعت الحكاية دي من ناس معاصرين، وسمعت ناس تانية بـ تستبعد الحكاية دي. 
مرسي جميل عزيز، أبوه كان تاجر فاكهة كبير في الشرقية، ومرة دخل معركة مع مأمون الشناوي وجليل البنداري، على خلفية اتهامهم ليه بـ سرقة بعض الأغاني (ممكن نحكيها بعدين) فـ كانوا بـ يكتبوا مقالات ما معناه إنه المفروض يسيبه من كتابة الأغاني ويركز في "تجارة البطيخ".
مرسي كان بـ يعد أغانيه أغنية أغنية، ولما وصلت أغانيه للرقم ألف، كانت الغنوة رقم ألف وواحد لأم كلثوم، فـ قرر يكتب أغنية مطلعها ألف ليلة وليلة، فـ كانت الغنوة المشهورة اللي بـ نسمعها بـ لحن بليغ حمدي.
لغة البيع والشرا امتدت كمان لـ حاجات غير بيع الحبيب وبيع قلبه، وفـ أكتر من أغنية يتقمص الحبيب شخصية بياع حاجة معينة، زي كذا أغنية بـ تتكلم عن شرا الورد "مين يشتري الورد مني" لـ ليلى مراد و يا جمال الورد "هدى سلطان"، ومش شرط لفظ البيع والشرا، فكرة البياع اللي بـ ينادي على بضاعته منتشرة جدا من أول حب العزيز لـ حد أبين زين، وده يمكن له سبب إضافي هو إن البياعين زمان كان عندهم حس فني.
والله أعلى وأعلم
وصباح الخيرات