التوقيت الجمعة، 19 أبريل 2024
التوقيت 01:41 م , بتوقيت القاهرة

التسويق الشبكي.. من الألف إلى الياء

في الوقت الذي انتشرت فيه التكنولوجيا المتطورة، وأصبح العالم كله قرية صغيرة، ومع حاجة الشباب للعمل والحاجة للمال، ازدادت شركات التسويق الشبكي والهرمي، والتي تتعدد مزاياها وعيوبها، وينتشر الجدل حول قانونيتها وشرعيتها.. تعرف على ذلك في السطور الآتية:


ما هو التسويق الشبكي وماذا يعني؟ ربما ستفاجأ لأنه شيء تفعله يوميا، فالتسويق الشبكي ببساطة يعني الدعاية الشفهية، فهو يعتمد على الترويج لشيء ما، لشخص آخر، إذا فكرت جيدا ستجد أنه شيء نفعله جميعا، فنحن نتحدث مع أصدقائنا عن المطاعم والأفلام والكتب والمحلات والأماكن السياحية المفضلة، إنه جزء من طبيعتنا، ونحن بطبيعتنا مسوقون شبكيون، والاختلاف الوحيد هو أن المستفيدين لا يدفعون.


على سبيل المثال لنفترض أنك رشحت مطعمك المفضل إلى أصدقائك، وقرروا الذهاب إليه والاستمتاع بوجباته، وعند الاستمتاع بإمكانيات المطعم، سيأتون مرات عديدة، ويدعون أصدقائهم وسيخبرون الآخرين، وبذلك تتحقق أرباح كثيرة جدا من ترشيحك لأصدقائك لهذا المطعم، لكن السؤال هنا هل يعوضك صاحب المطعم عن ترشيحك له؟ أو هل يكافئك على أصدقائك لارتيادهم المطعم؟ الإجابة قطعا بلا.


أما في صناعة التسويق الشبكي، فإن هذا تؤجر عليه وبشكل جيد، إذ أنك تفعل ببساطة ما تقوم به عند ترشيح كتاب أو مطعم أو غيرها، ولكن بشكل أعمق.



فالتسويق الشبكي، نموذج تجاري متسارع التطور، سماه البعض "تجارة القرن الواحد والعشرين"، وأساء فهمه البعض الآخر، ويعرف بالكثير من المسميات، كالبيع المباشر أو التسويق متعدد الطبقات أو التسويق الشبكي.



البداية


وبدأ التسويق الشبكي عام 1945 تحت مظلة شركة أمريكية تسمى "نيوتر لايت"، وهي شركة فيتامينات، وأسسها هار فوم بير، وعرف بأنه أفضل من وضع خطة عمولات لتسويق منتجاته الغذائية.


ونجحت الشركة باستخدام خطة متعددة المستويات تسمح لكل موزعٍ لمنتجات "نيوتر لايت" أن يتحصل على عمولة 3% من مبيعات الموزع الذي يليه في شبكته مباشرة، بالإضافة إلى عمولات ثابتة من مبيعاته الشخصية، وبهذا الأسلوب الجديد في التسويق استطاعت "نيوتر لايت" بلوغ نجاح باهر بالمقارنة بكل شركات البيع المباشر.


واستمرت عمليات التسويق الشبكي في التطوير منذ ذلك الحين وحتى الآن، وهناك الكثير في جميع أنحاء العالم ممن حققوا الملايين من هذه الصناعة، منهم "وارن بافيت" الذي يصنف حسب فوربس من أغنياء العالم.


وفي أوائل الألفية الجديدة تسلل التسويق الشبكي إلى الوطن العربي، وبسبب عدم وجود هيئات متخصصة لتقنينه والتفريق بين ما هو قانوني من غيره، ما لبث أن انهار سوقه، وتتابعت محاولات لشركات كثيرة في الدخول إلى المنطقة العربية لتجد مصيرا مشابها لمن سبقوهم، وتوالت الهجمات القانونية والشرعية على هذه التجارة من قبل الكثير حتى تم منعه وحرمت بعض الدول العربية مزاولته، ما أدى إلى إساءة فهم التسويق الشبكي ليوضع في نفس الكفة مع الألعاب المالية والحيل الهرمية المحرمة عالميا.




كيف تدخل لهذا المجال؟


عند إنتاج سلعة معينة وحتى تصل للمستهلك، فالشركة تواجه تحديات وتكاليف كبيرة، إذ تقوم بتوظيف بائعين للترويج للمنتجات وبيعها، وتحتاج لتجهيزهم، وتضعهم في مكاتب، وتدفع لهم أجورا وتتحمل جميع نفقاتهم، ليس هذا فحسب، بل إنها تقوم بالدعاية لمنتجاتها لبناء اسم تجاري، فمجرد إعلان لـ30 ثانية يتكلف مئات الآلاف من الجنيهات، سواء في الراديو أو في الصحف أو التليفزيون، فالشركة تدفع قبل البيع كل تلك التكاليف، أما من خلال التسويق الشبكي فالشركة لا توفر تكاليف الدعاية فقط، بل أيضا تكلفة التوظيف والتدريب، والشركة تدفع بعد تمام البيع.


وحاول محمود العربي أحد المشاركين في التسويق الشبكي ضمن شركة "يوني واي" إقناع أحد الأشخاص بالتسويق الشبكي، حيث قال له "إن بيزنس التسويق الشبكي لا يحتاج منك سوى 3 ساعات عمل يوميا، لتحقيق أرباح خيالية، تساعدك على تحقيق كل ما تتمناه دون تعب، لافتا إلى أنه يتحصل أسبوعيا على 1400 جنيه،  وهو لم يدخله إلا من أشهر قليلة، مشيرا إلى أن التسويق الشبكي يتيح خلال عام واحد تغيير حياتك إلى مستوى أفضل".


ولفت العربي إلى أن فكرة العمل تقوم على الترويج للمنتجات التي تقوم ببيعها الشركة، من أدوات كهربائية وأجهزة إلكترونية، للأصدقاء والمحيطين بك، ثم تحصل بذلك على عمولة، وكلما استطاع الفرد إقناع غيره بشراء المنتج حصل على عمولات أكثر عليهم، وعلى الآخرين الذين يدخلون الشبكة، مشيرا إلى أن هناك حسابا يتم تفعيلة بالاسم والباسورد الخاص بالعميل ليتمكن من معرفة الأشخاص في الشبكة التي يرأسها.



وقال العربي إن أهم ما يميز بيزنس التسويق الشبكي، هو "راحة البال"، لافتا إلى أنه لا توجد مواعيد محددة للعمل، ولا ضغوط نفسية من مديرك في العمل، فالتسويق الشبكي أنت مدير نفسك، مضيفا أن بيزنس التسويق الشكي هو طريقة جيدة لكسب مصدر دخل ثاني، وتعمل على توسيع دائرة صدقاتك ومعارفك، وتعتمد على مجهودك فقط، وأن الدافع للاطمئنان لـ"يوني واي" هو أن الشركة لها ملف ضريبي ومقر في القرية الذكية ودبي.


فيما نصح أحد المشاركين السابقين في شركة "جلوبال" للتسويق الشبكي، بعدم الدخول في هذا البيزنس مطلقا، لأن الربح الذي يأتي بسهولة يذهب بسهولة، وأن هذا البيزنس قد يفقدك أصدقاءك وأهلك، وهذا ما تعرض له مع أزمة "جلوبال".


وقال دفعت في البداية 3000 جنيه لعمل أكونت في الشركة وقمت بجلب أصدقائي وأقاربي لهذا المشروع، بناء على إقناع أحد أصدقائي لي به، وبسبب علاقاتي الكثيرة، استطعت إقناع عدد كبير من الأصدقاء والأقارب، وتربحت في شهر واحد أكثر من 5 أضعاف ما قمت بدفعة.


ولفت إلى أن النهاية كانت مأساوية، مشيرا أن هناك أبرياء فقدت رأس مالهم الذي دفعوه، وتم عمل محاضر كثيرة في المشتركين في هذه الشركة، وكنت أحد المسجل ضدهم محاضر، وقمت برد أموال كثيرة لأصحابها حتى أتفادى التورط أكثر، مضيفا "99% من الشركات دي نصابة"، لافتا إلى أن هذه الشركة تورط فيها كثير من المشاهير ولاعبي كرة القدم.



التسويق الشبكي بين الحلال والحرام


قال العربي "إن مصر فيها دار إفتاء واحدة و90 مليون مفتي"، لافتا إلى أن التسويق الشبكي ليس به أي حرمانية، مؤكدا أنه بيزنس عادي، يحقق أرباحا.


كثير من علماء الفقه أفاد جوازها بشرط أن تكون أصل السلعة المراد تسويقها مقبولة شرعا، ويلتزم فيها بضوابط البيع الشرعي، وعمولة التسويق ليس فيها أي حرمانية، فعند شرائك السلعة لا يشترطون عليك أن تجلب شخص آخر فهي مسألة حرية بين الطرفين.



ولكن دار الإفتاء المصرية قالت إن التعامل بالتسويق الشبكي "حرام شرعا"، بعد أن ثبت لدى أهل الاختصاص أن شيوع مثل هذا النمط من التسويق يخل بمنظومة العمل التقليدية، مضيفة أن هذا المجال قد يدفع الأفراد إلى ممارسات غير أخلاقية من كذب الموزع أو استخدامه لألوان من الجذب يمكن أن تمثل عيبا في إرادة المشترى كالتركيز على قضية العمولة وإهدار الكلام عن العقد الأساس وهو شراء السلعة.


وأضافت الإفتاء أنه لا توجد الحماية القانونية والاقتصادية للمشتري المسوق، كما أن السلعة محل التسويق أصبحت مجرد وسيلة للاشتراك في النظام وليست المقصودة لذاتها ولا محتاجا إليها بالفعل.



التسويق الشبكي والاقتصاد


قال عضو المجلس المصري للشؤون الاقتصادية، محمد فاروق، إذا كانت شركات التسويق الشبكي مسجلة ولها تراخيص من السلطات المحلية، ولها ملف ضريبي، ورخصة تجارة، فهي شركات مشروعة تخضع لرقابة الأجهزة المعنية، أما غير ذلك فهي تعمل تحت مظلة الاقتصاد غير الرسمي، وتهدر حق الدولة في تحصيل الضرائب وقد يكون معظمها شركات محتالة.


وأضاف فاروق  أن أهم مميزات هذا النوع من التسويق، هو أنه يعمل على زيادة دخل الأفراد، ومن ثم زيادة معدلات الصرف، مشيرا إلى أن مساوئها تكمن في إعطاء الفرصة للسوق السوداء للسيطرة على مجريات الأمور، بسبب إخراج العملة الصعبة خارج البلاد، وتدني قيمة الجنيه نتيجة زيادة الطلب على الدولار، وتنمية حركة الاستيراد لمنتجات ليس لها أي قيمة حقيقية، وعدم استفادة الدولة من أموال هذا المجال لعدم خضوعه للضرائب أو أي رسوم، لينتهى الأمر بنصب واحتيال من جانب عدد كبير من الشركات.


النصب الشبكي


وعلى الرغم من هذه الاستثمارات والأموال الكثيرة التي يجنيها الأشخاص، إلا أن عمليات النصب أيضا كثيرة تتم باسم التسويق الشبكي، إذ يستغل أصحابها حاجة الشباب إلى المال، ولاسيما حديثي التخرج الذين يبحثون عن عمل، ويقومون بإغرائهم للدخول معهم بكافة الطرق الممكنة، إذ يحصل هؤلاء المروجون على دورات داخل الشركة لكيفية التسويق وإقناع الآخرين بكل الطرق الممكنة، ليتمكنوا من جلب آخرين ليحصلوا على مزيد من الأرباح.



ولعل أبرز الشركات التي اتهمت بالنصب في هذا المجال، شركات "تو ديل، وريفولوشن، وجلوبال آد مارك، وسى يور واي، واليانس كونتنينتال، وماي رايت آد، وأوبيس، وتي في آي إكسبرس" الى جانب عدد من الشخصيات البارزة في المجتمع، فى جرائم نصب واستيلاء على أموال المواطنين بلغت 95 مليونا و752 ألف دولار.


ومؤخرا قام عدد من الموظفين بشركة "النصر للبترول" بالسويس، بتقديم بلاغ للنيابة العامة رقم 544 لسنة 2015، يتهمون خلاله موظفا بالشركة بالنصب عليهم والاستيلاء على أموالهم تحت دعاوى التسويق الشبكي، مؤكدين أن الموظف أوهمهم بالحصول على مبالغ مالية كبيرة ولم يستردوا أموالهم.



وهناك خلط بين التسويق الشبكي والتسويق الهرمي، ومعظم شركات التسويق الهرمي لا تستعمل هذا المصطلح لوصف طريقة عملها وتستعمل مصطلح التسويق الشبكي كغطاء واسم لنشاطها التجاري.



التسويق الشبكي قانوني أم غير قانوني


قال أستاذ القانون العام عادل عامر، إن الوضع القانوني يحدده جانبان، أولهما النشاط الذي تقوم به الشركة، والقانون الذي يسري تحته هذا النشاط، لافتا إلى أن هناك أنواعا من القوانين في مصر، هي قانون التجارة إذا كان النشاط خاصا بتاجر وليس شركة، وقانون 159 لسنة 81 بشأن شركات المساهمة المصرية، وقانون الاستثمار، هذه القوانين تحدد شروط لإشهار الشركة والنشاط المراد ممارسته، إذا توافرت هذه الشروط تكون الشركة قانونية، أما غير ذلك فهي تعتبر شركة محتالة.



وأضاف عامر، تتمثل خسارة الفرد في ثلاث حالات، أولها عدم القدرة على إقناع أشخاص للاشتراك لعدم قدرته على إتقان حيل النصب والاحتيال، وثانيها قيام الجهات الرسمية بوقف نشاط الشركة حفاظا على الاقتصاد القومي وعلى الاحتياطي الأجنبي من العملة الصعبة، أما ثالثها تشبع السوق بالمشتركين ويصبح ملايين الأفراد وُكلاء للشركة.


قانونيا يعتبر البيع الهرمي ممنوعا بنص قانون في عديد من الدول، إلا أن الشركات الجديدة التي تنشأ تتحايل دائما في إخفاء طريقة عملها ويظل الضحية هو الوحيد الذي بإمكانه كشف ذلك، لكن أمام عدم معرفة زبناء هذه الشركات بعدم قانونية عمل الشركات فإنهم غالبا ما يزالون في دوامة البيع الهرمي ويسعون بدل ذلك لجلب ضحايا جدد حتى يتمكنون من استرجاع استثمارهم الأصلي. مما يجعل من الصعب اكتشاف هذه الشركات ومتابعتها قضائيا.


ومع توالي محاضر ضد شركات كثيرة للتسويق الشبكي في مصر، أعلنت الإدارة العامة لمباحث الأموال العامة، في وقت سابق أن التسويق الشبكي مخالف للقانون رقم 146 لسنة 88 بشأن تنظيم تلقى الأموال وقانون 88 لسنة 2003 بشأن تنظيم التعامل بالنقد الأجنبى، "لأنه يؤثر على العملة الأجنبية في السوق"، كما يجرم قانون 80 لسنة 2000 لمكافحة غسل الأموال هذا النشاط الذي يتم بإضفاء شكل مشروع لتحويل الأموال للخارج.