التوقيت الخميس، 25 أبريل 2024
التوقيت 01:30 ص , بتوقيت القاهرة

وهل فعلا انخفاض قيمة الجنيه كارثة؟

هناك فكرة شائعة أن انخفاض قيمة العملة هو كارثة كبرى تستدعي النحيب والعويل، هذه الفكرة غير صحيحة، ومع ذلك فهي تتردد في الإعلام بشكلٍ يومي منذ عقود.


لنشرح الموضوع في البدايةً بشكلٍ مُبسط، فإنّ التعاملات التجارية بين بلدين تعتمد على سعر صرف العملة بينهما، وكلما زاد سعر العملة أصبحت عمليات الاستيراد من الخارج مُربحة، وكلما نقص أصبحت عمليات التصدير من البلد للخارج مُربحة .


لماذا؟ لأنه إذا كان الدولار يساوي عشرة جنيهات مثلا، وزاد سعر صرف الجنيه بحيث يصبح الدولار مساويًا لخمسة منها، فإنّ السلعة المُصنعة في الخارج بدولار سيصبح سعرها في الداخل خمسة جنيهات  بدلا من عشرة، وبالتالي تكون أرخص للمشتري المحلي وتزيد الواردات، أمّا السلعة المُصنعة محليًا، والتي كانت تكلفتها عشرة جنيهات وتُباع في الخارج بدولار واحد، فسيصبح سعرها دولارين، وتكون أغلى للمشتري في الخارج، وبالتالي فإنّ الصادرات تنخفض.


والعكس صحيح فإنّه إذا انخفضت العملة المحلية يكون هذا في صالح التصدير؛ لأن السلعة المصنعة محليا تكون أرخص للمشتري بالخارج .


يُشكل سعر الصرف إذن جزءًا من العوامل المهمة في التنافسية  لكونه مرتبطًا بسعر المنتج في الخارج، وبالتالي فإنّ زيادة التنافسية مثلما تقوم على زيادة الجودة وخفض التكلفة، فهي تقوم أيضا على سعر حقيقي للعملة، وهناك دول عديدة أهمها الصين تقاتل للحفاظ على قيمة عملتها منخفضة للحفاظ على صادراتها للخارج.


أين تقع إذن نقطة التوازن التي يكون عندها سعر الصرف مناسبا؟ 


تقع هذه النقطة عندما يتحدد سعر العملة على أساس سعرها السوقي الحقيقي، وفي حال أنه لا توجد حالة تعويم كامل للعملة، فإنه يحدث عندما يكون سعر الصرف الرسمي هو ذاته سعر الصرف في السوق الموازية بفارق بسيط، وهذه نقطة مهمة جدا عند الاستثمار في أي بلد، فأي بلد يوجد به سعران للصرف بفارق واسع، يضخم مخاوف المستثمرين من الاستثمار في ذلك البلد.


وبالتالي فإنّ سياسة تثبيت سعر العملة بمعزل عن سعرها الحقيقي ليست سياسة سليمة لأنها تخلق مشاكل كبيرة في التصدير وتقود لتهرب ضريبي، بالإضافة لإضعاف الصناعة المحلية، وبخلاف هذا كله فهي تشكل استنزافًا مستمرًا للاحتياطي النقدي الأجنبي لأن العملات الأجنبية تستخدم ك(دعم) لسعر الجنيه.


 وبالطبع فنحن ندفع قسطين نصف سنويين لفوائد الدين لنادي باريس للدول الدائنة، واحتفاظنا باحتياطي نقدي مرتفع هو أمر مهم لسداد التزاماتنا خصوصا لتغطية الواردات السلعية لمدة أطول.


أضف إلى ذلك أنه أصلاً يصعب أن تجد الدولار بسعره الرسمي في السوق، فهذا السعر هو سعر اسمي يتم التعامل به في قطاعات الحكومة وإلى أن يصبح بإمكانك شراء الدولار بسعره المُعلن أو سعر قريب منه بسهولة، فلا يمكن اعتبار أن ما يحدث هو تخفيض حقيقي لسعر الصرف.


ولكي تكتمل الصورة فبالتأكيد أن انخفاض سعر العملة ينتج عنه أيضا بعض المتاعب بالطبع، أولها ارتفاع أسعار السلع المستوردة بالنسبة للمشتري المحلي، والذي يقود بالتالي لموجة تضخم في الأسعار.


ولكن زيادة الصادرات من جهة، وتغيُّر حالة الركود في الأسواق عموما شراءً وبيعا، وزيادة الإقبال على المنتج المحلي  ستعادل التأثير السلبي للتضخم الناتج مع الوقت، كما أن انخفاض قيمة العملة سيجعل البلد أكثر جاذبية في المجالين السياحي والعقاري بخلاف أنه سيجذب رأس المال الأجنبي للاستثمار بالذات من الخليج، وهذا كله بدوره سيُنتج تأثيرًا إيجابيًا إضافيًا غير مباشر، حيث إن حالة الرواج عموما تتسبب في تراجع البطالة.


خلاصة ما نريد أن نقوله هنا إنه بالتأكيد هناك دور للبنك المركزي كما هو موجود في أي مكان في العالم، ولكن دوره ليس استخدام السياسات النقدية لتثبيت سعر الصرف بشكل دائم،  بل استخدامها  عند الضرورة  بشكل مؤقت في الحالات الطارئة وعند حدوث تلاعب أو انهيار، وفي الحقيقة فإنه لو كان البنك المركزي قام بخفض قيمة العملة تدريجيًا على مدى الشهور الماضية لما كان مضطرا لإجراء عملية تخفيض كبيرة في وقت قصير يكون تأثيرها التضخمي أقوى.


على أية حال فإنْ تأتِ متأخرًا خير من ألا تأتي أبدا، لدينا الآن مؤتمر اقتصادي  خلال شهرين نسعى من خلاله لجذب الاستثمارات الخارجية، وبالتالي فإنّ أفضل ما نستطيع القيام به هو تهيئة المسرح ليكون هذا المؤتمر ناجحا بشكل استثنائي، وبالتالي فإنّ إجراءات مثل توحيد سعر الصرف أو خفض الضرائب على بعض القطاعات، أو المزيد من ترشيد الدعم  كلها ستقود لنتائج أفضل.