التوقيت الجمعة، 29 مارس 2024
التوقيت 12:07 ص , بتوقيت القاهرة

تعديلات سوق المال الجديدة "ضربة قاضية" للمتلاعبين فى البورصة

محمود عسكر


أخيرا، وافق مجلس النواب مؤخرا على تعديلات قانون سوق المال، بشكل نهائى، بعد جولات طويلة من التفاوض والمناقشة سواء فى مجلس النواب ولجانه المتخصصة أو قبل ذلك فى كل من البورصة المصرية والهيئة العامة للرقابة المالية، حتى خرج القانون فى صورته الأخيرة للنور.

ورغم التعديلات الكثيرة التى حدثت من قبل على قانون سوق المال، إلا أن الأخيرة منها، تعتبر الأهم، والأفضل، والأكبر، بكل المقاييس بين هذه التعديلات، فغالبا ما كانت التعديلات السابقة تطال مادة أو اثنتين، وكانت دائما أيضا تتركز في بنود إجرائية أو إدارية، أما التعديلات الأخيرة فهى جوهرية، وفى صلب القانون.

أهمية التعديلات تظهر فى طبيعة البنود التى تم تعديلها وهى (45 مادة أساسية)، حيث تركزت فى تعديل العقوبات الخاصة بالتلاعب فى البورصة، وحماية المستثمرين الصغار، ومنع المضاربات المدبرة فى السوق، والتى أضرته بشكل كبير فى فترات سابقة، ونتج عنها خسائر ضخمة لآلاف المستثمرين، خصوصا من المستثمرين الصغار، حتى أن هناك عددا كبيرا خرج من السوق بشكل نهائى بسبب الممارسات غير القانونية، والتى كان يقوم بها المضاربون تحت غطاء القانون نفسه، حيث كانت العقوبات المفروضة بسيطة لا تتناسب مع حجم الجريمة، وبالتالى كان المضاربون يقومون بممارساتهم غير القانونية، ثم يقومون بدفع الغرامة القانونية ويعودون للعمل مرة أخرى بعد تحقيق مكاسب ضخمة، على حساب السوق.

وهو ما أكد عليه الدكتور محمد عمران رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، والرئيس السابق للبورصة المصرية، ومهندس معظم هذه التعديلات، إلى جانب عدد من مسئولى سوق المال وعلى رأسهم محسن عادل نائب رئيس البورصة ومحمد فريد رئيس البورصة، أمام البرلمان عندما قال "إن ما يحدث فى سوق رأس المال أنه قد يُجرى بعض المتعاملين معاملات قد يجنوا من ورائها أرباح تقدر بمئات الملايين أو المليارات في حين أن العقوبة القانونية لذلك لا تتخطى 20 مليون جنيه، أن تحديد العقوبة بـ20 مليون جنيه غير رادعة".

وأوضح عمران، أن الهدف من هذه المادة هو ردع المخالفات حتى تكون العقوبة المالية مرتبطة بالربح الذى حققه أو ما توقاه من خسائر، قائلا: "رقم الـ20 مليون جنيه لم يعد رادعا، نحن نستهدف الحفاظ على استقرار السوق بالكامل".

وتتضمن عقوبات التلاعب بالبورصة والتى تصل إلى السجن لمدة تتراوح من سنتين إلى 5 سنوات وغرامة لا تزيد على 20 مليون جنيه أو مثلى ما حققه المخالف من نفع مؤثم أو توقاه من خسائر أيُهما أكبر.

إذن تعديلات قانون سوق المال الجديدة جاءت كضربة قاضية للمتلاعبين والذين عانت منهم البورصة سنوات طويلة، وتكبد السوق والمستثمرين الصغار خسائر فادحة بسبب ممارساتهم غير القانونية، وكانت سببا رئيسيا فى إحجام عدد كبير من المستثمرين المحليين والأجانب عن الاستثمار في السوق المصرى، وليس ذلك فحسب، بل قرر عدد آخر الخروج من السوق بشكل نهائى.

وما يؤكد ذلك هو ما تعرض له السوق عقب الإعلان عن العقوبات الجديدة للمتلاعبين، ضمن التعديلات، حيث تعرض لخسائر كبيرة، وهو يثبت حجم المضاربات غير القانونية التي كانت تتم في السوق، بعدما آثر المضاربون التوقف خوفا من العقوبات الجديدة .

التعديلات أيضا ستمنح السوق "قبلة الحياة" بما ستضيفه له من زخم وقطاع جديد من المستثمرين وخصوصا العرب، من حيث إدخال أدوات مالية جديدة للبورصة من بينها الصكوك والسماح بإنشاء بورصة للسلع والعقود الآجلة، كما تتيح هذه التعديلات جذب شريحة كبيرة من المستثمرين المحليين والعرب، والتى ترفض الاستثمار فى أدوات الدخل الثابتة (بسبب تحريمها دينيا) من خلال إتاحة أدوات مالية جديدة للاستثمار مثل البنوك الإسلامية وشركات التأمين التكافلي.

ولمن لا يعرف، تتيح بورصة العقود الخاصة بالسلع اتفاق المتعاملين على تفاصيل بيع وشراء سلعة بسعر طويل الأجل، بما يعنى موافقة البائع على تسليم كمية معينة من سلعة ما، فى تاريخ مستقبلى، مقابل سعر يحدد عند إبرام العقد، بغض النظر عن سعر السلعة يوم التسليم، ويمكن تداول تلك العقود الآجلة، وانتقالها من متداول إلى آخر.

وكل ذلك سيمكن الحكومة من ضبط إيقاع السوق، وتحقيق شفافية لتداول السلع وفقا للعرض والطلب، ومحاربة ممارسات التهريب والاحتكار، والغش التجارى، والحفاظ على أسعار متوافقة وثابتة للسلع الأساسية، مثل القطن والقمح والسكر والأرز وتتعامل البورصات السلعية فى الحبوب ومنتجاتها، والبقوليات، والمنتجات الزراعية الجافة، والألبان ومنتجاتها، والدواجن والماشية واللحوم، والخضر والفاكهة، ويصدر عنها عند الإقفال نشرة تتضمن جميع التعاملات توضح الكميات والأسعار، كما تستهدف هذه التعديلات، توفير حماية أكبر للمستثمرين، والتصدى لأى مخالفات قد تصدر من شركات تداول الأوراق المالية، وتحرص التعديلات على تشديد العقوبات على المخالفين فى التعامل بسوق المال..فهل سيكون التطبيق مؤكدا لأهداف القانون؟