التوقيت الجمعة، 19 أبريل 2024
التوقيت 06:02 م , بتوقيت القاهرة

الخونة حين يأخذون

عشرات بل مئات الضحايا، أيتام، وأرامل، ومقهورين، سقطوا ضحية العنف، وأوامر القيادات، لا يجدون عائلاً لهم، ولا مأوى، بينما من خطط وفكر ودبر، أخذ جائزته منذ وقت طويل، ونجح أن يسوق نفسه قائدًا في كل الأحوال، حتى إذا أزفت الآزفة، فرّ دون أن يلوي على شىء، إما تركيا، أو قطر، أو السودان، ليعيش في منزل بين حديقة وارفة، يتقاضى أجره بالدولار، أو الليرة، ويعيش أيضًا مناضلاً مجاهدًا من وراء (الكيبورد) ولوحة مفاتيح الكمبيوتر، يجاهد مدّعيًا (تويتريًا)، و(فيس بوكيًا)، لا يعاني من شيء، فزوجته وأولاده معه، يتعلمون في أحسن المدارس، ويركبون أحسن السيارات، وحين تنتهي الأزمة، سيعود كأنه السلطان الفاتح، الذي فرّ خارج البلاد من أجل الدين، والذي هرب لأنه لم يطق أن يجلس بين (الانقلابيين)!


قال لي أحدهم، إنه يؤدي دورًا بالغ الأهمية، فهو من يحرّض على الجهاد، ويدفع لمواجهة الانقلاب، ويدعو للعمل الثوري، ولو ظل في مصر، لكان مصيره السجن، ولم يستطع أن يجاهد في سبيل الله! فقلت له: إذن لماذا لم يقبضوا على حافظ، أو رجب حسن إلخ إلخ حتى اللحظة، ولماذا لم يحلوا حزب البناء والتنمية، ولم يأخذوا منكم المساجد؟ ومن الذي يبقى داخل البلاد؟ هل هم المغفلون الذين تحرضونهم، وفى النهاية يكون مصيرهم إما القتل، أو السجن، وإما أن يتورطوا في الدماء المعصومة المحرمة، بينما أنتم هناك من بعيد تنعمون وتقبضون وتأخذون؟ فرد بعنف: نحن نعيش في تعب، لا تصدق أن الحياة سهلة في قطر، أو في تركيا.. فرددت عليه أيضاً بعنف: نعم الحياة ليست سهلة، لأن الجو قارس البرودة، وأنا ذهبت مرة إلى هناك وأعرف، لكن الليرات والدنانير تدفئ جيدًا.


يحكي لي صديقي الشيخ علاء أبو الدهب، أحد المعتقلين السابقين، أن زوجة الأخ عماد عبدالرشيد (قتل في أحداث العنف) لا تجد ما تقتات به هو وأولادها الأربعة، حتى أن ابنها الأكبر، الذي كانت تتمنى أن تدخله الثانوية العامة، لم يجد من يدفع له مصاريف المدرسة، في وقت كان مع صفوت عبدالغنى مليون جنيه، قدمها لأحد ضباط الحدود، في محاولة لأن يرشيه كى يتركه يفر إلى السودان، لكن الأخير أبي.. مليون جنيه (من أين لك هذا يا زعيم التنظيم؟)، أكيد من فلوس الجماعة، على أساس أنك قائد، لا بد أن ينفق عليك الأفراد للحفاظ عليك، أليس كذلك؟ أما أولاد هؤلاء الذين قتلوا فلا يجدون ما يسدون به رمقهم، لأن سيادته أمير، وزعيم، وحاز على كل شيء، دكتوراه بالأوامر والمساعدات، واسألوا (سليم العوا) ليخبركم، وتعيين في جامعة سيناء بالأمر المباشر، و3 قطع من الأراضى أيضاً في سيناء، ولما جاء مرسي، أصبح عضوًا في مجلس الشورى باتفاق مع جماعة الإخوان، ولا تقولوا لي إنه من عرق جبينه، فأنا أعرفه جيداً فقد كنت أسكن معه في غرفة واحدة أيام الجامعة مدة عامين، بـ(عزبة شاهين بالمنيا) وأعرف بيته وأهله واحدًا واحدًا!!


أنا رأيت بنفسي المرأة العجوز، أم علاء وسيد، أولاد عم علي تاجر الزبادي الله يرحمه، تتسول في الشوارع، بعد ما قُتل ولداها، في أحداث العنف مع الشرطة، كسرها الزمان، وقسا عليها جبروت الأحداث الجسام، ولا عائل لها ولا نصير، وغيرها الكثير، وأتذكر أنني قابلت أحد قيادات الجماعة، وكنا في مدينة الانتاج الإعلامي قبل لقاء بقناة المحور، وهو الأخ جمال سمك، فقلت له، ألا تتذكرون أنه قتل بسببكم حوالى 1000 من الشباب، ومثلهم من الأمن، ألا تفكرون في آبائهم وأمهاتهم وأبنائهم اليتامى، ألا تفعلوا لهم شيئًا خيرًا من ممارسة السياسة؟ فقال لى: سنقوم بعمل إحصائية لهم بإذن الله، ومرت أيام مرسي، ولم يقدم أحد لهم شيئًا، لا إحصائية، ولا عملية.


كما حكى لي صديقي الباحث أحمد الشوربجي، أن زوجة أحد الذين قتلوا في تلك الأحداث، كانت فائقة الجمال، وكانت من محافظة بعيدة، وبمجرد وفاته، هجم عليها الخطاب والعرسان، وبعد ضغوط وافقت على الزواج من أحسنهم، لتستطيع تربية البنات الأربع، لكنه شردها وشردهن، ليقسو عليهن الزمان الطاعن في السواد، وهن يحاولن أن ينتزعن لقمة العيش انتزاعًا.


وهذا محمود، صبي جزار، أعرفه جيدًا، عقله متواضع، وأهل البلد كانوا يقولون عنه إنه (عبيط)، قتل في تبادل لإطلاق النار، وأصابته رصاصة عن طريق الخطأ، وترك 6 من الأولاد الصغار وزوجة وأمه العجوز، وقد أخذنى أحد أصدقائي ليعطي زوجته 30 جنيهًا، وقبل أن ننصرف سمعنا عراكها هي وأمه، فكل منهما يصرّ أن المبلغ البسيط له، فقلت: كيف تكفي هذه الجنيهات للإنفاق على هذه الأسرة طوال الشهر، لكنه أجابني قائلاً: هذا ما أستطيع فعله، فلا أحد يسأل عنهم.


على الضفة الأخرى، دعونا نضرب لكم 3 أمثلة فقط، لأن الأسطر لا تتسع للكتابة عن الكل، الذين هم نسخة طبق الأصل من الثلاثة، أولهم عاصم عبدالماجد الذى في قطر.. لا أنه في تركيا.. بل في الاثنين معًا، يعمل مذيعًا.. مفسراً للقرآن.. داعية في قنوات الإخوان.. قل ما تشاء، فهو قائد وأمير، وطبعاً بأجر، وحتى لو كان بغير أجر، فهو نجح مؤخراً أن يعمل في البيزنس بالدوحة، ويمكننى أن أكتب قائمة بالمشاريع التى يساهم فيها.. سيقولون إنها فلوس التنظيم.. سيقولون هل تريد من الرجل أن يبقى هنا دون عمل.. حاشا لله.. فليعمل، لكننى أريده أن يعمل لهؤلاء الذين قتلهم بتحريضه، إننى أريده أن يعود إلى هنا ليشاهد نتائج أوامره، إننى أريده أن يضرب لنا مثلاً واقعياً كيف يكون النضال والجهاد من أرض المحروسة.


وممدوح علي يوسف، قائد الجناح العسكري السابق، الذي كان هنا شريكًا لـ(ي.ع) أحد رجال الحزب الوطني المنحل، وطبعًا بأوامر أمن الدولة في هذا الوقت، وأصبحت له شركة سياحية، بتصريح أمني، وكرم زهدي هو من توسط له، رغم أن مثله قانوناً لا يجوز له ذلك، كما أعطوه تراخيص لـ3 مخابز، وتصريحًا بأن يخرج ما يشاء من عربات محملة بأجولة السكر من مصنع أبو قرقاص بالمنيا، بسعر المصنع، وفجأة انقلب وفر لتركيا، ليجاهد من وراء الكيبورد، وأخذ زوجته وأولاده وكل أمواله معه، ويكتب كل يوم، لا حل سوى في القصاص، السلمية ضلال، والجهاد المسلح مصير وطريق.. راجعوا صفحته على الفيس بوك لتروا العجب.


الثالث هو قاتل فرج فودة، أبو العلا عبدربه، هل تذكرونه، قبل فراره من مصر، حاولت أن أجري معه حوارًا صحفيًا، لكنّه أبي، كان لا ينطق بكلمة، كان مُصرًا على الوفاء بعهده للداخلية، لا بل كان جبانًا خائفًا من العودة للمعتقل، لكنّه بمجرد أن وصل للسودان، انقلب فجأة، كل يوم يكتب ويحرض، وكتب يومًا: شعار الجماعة الجديد باطل، الشعار القديم هو الحق، وقاتلوهم.. كان نفسي أن أقول له، لماذا أصبح القتال حق وأنت في السودان، أيها الملوث بدماء الأبرياء، عد يا رجل إلى هنا، وأرنا كيف يكون هذا القتال.. لكنهم الخونة حين يأخذون، والمنافقون حين يغدرون، والقتلة حين يكذبون.


سيقولون لي الجريمة لا نتحملها وحدنا، بل يتحملها من قتلهم لا من أخرجهم، هل تستطيع أن تجاهر بهذا الرأي؟


نعم أستطيع.. أنا لست جبانًا أجاهد من وراء الكيبورد وفقط، أو في استوديوهات مدينة الإنتاج الإعلامي، ولذا فإنني أدعو الرئيس، أن يقوم بواجبه، وأن يكلف الحكومة أن تجري تحقيقًا شفافًا حول هؤلاء الضحايا، وأن تُكلف هي بدورها لجانها وجمعياتها الخيرية، ومنظمات حقوق الإنسان أن تتكفل بهم.


وعودة لكم يا (مجاهدي الكيبورد)، و(مقاتلي حدائق استانبول)، و(مسلحي مطاعم كباب الدوحة)، فإنني أدعوكم جميعاً للرجوع، وأدعو شاعر الربابة، الذى يقيم في السعودية، ولا يكف عن انتقاد مشايخه ناجح وكرم، رغم أنه كان يذهب لأمن دولة مبارك يقبل أياديهم، كي يسمحوا له أن يكتب في مجلة جامعة المنيا، أن يكتب جملة عن المملكة لو له (شارب)، أو يرفع يده بإشارة رابعة بالرياض لو أن ما يكتبه من شعر الدماء الداعشى صادق، وكذلك هذا الذي كان يدّعى يومًا أنه تلميذ ناجح إبراهيم، كي يقدمه للفضائيات ومراكز الأبحاث، ولما أعطاه صلاح سلطان منصبًا انقلب على عقبيه، فلتعودوا إلى هنا جميعًا، لأن الله سيحاسبكم على ما تفعلون، عودوا وسأكون في استقبالكم في مطار القاهرة، لن تعتقلوا أو يقبض عليكم، ثم أروني بعدها ماذا أنتم فاعلون، هل ستقاتلون كما تدّعون، أم تخونون كعادتكم بعد أن تأخذوا.