التوقيت الأربعاء، 24 أبريل 2024
التوقيت 09:52 م , بتوقيت القاهرة

في ذكرى عودة العلاقات.. المغرب والجزائر "27 عاما من العزلة"

27 عاما مرت على ذكرى عودة العلاقات الدبلوماسية بين "الجارتين اللدودتين"، المغرب والجزائر، هذا ما تقوله كتب التاريخ، لكن ما يقوله الواقع إن ثمة ما يمكن تسميته "حربا باردة" وحدودا مغلقة منذ أكثر من 27 عاما، في ظل غياب مؤشرات جدية لإنهاء الصراع القائم حتى الآن.


النزاع المغربي الجزائري، الذي بات أحد أطول النزاعات بين الدول المتجاورة في العالم، تعددت أسبابه من عوامل تاريخية وجغرافية وسياسية، ورغم أن البلدين تربطهما لغة وحدود مشتركتين، وثقافة متقاربة، ونضال واحد ضد المستعمر الفرنسي، صار التوتر هو الصفة الملازمة للعلاقات بينهما، فما تكاد أزمة العلاقات بين البلدين الجارين تهدأ حتى تعود إى الاشتعال من جديد، وسط محاولات للصلح باءت كلها بالفشل.


بداية الصراع


يعود تاريخ الخلاف بين الرباط والجزائر إلى العهد الاستعماري الفرنسي، عندما أعادت باريس ترسيم الحدود بين البلدين المتجاورين بإدخال "الحاسي البيض" و"كولومب بشار" ضمن المقاطعة الفرنسية للجزائر آنذاك.


وبعد استقلال المغرب عام 1956، ومن بعده الجزائر في 1962، طالبت الرباط باسترجاع سيادتها على المنطقتين، فضلا عن مناطق أخرى كانت تعود لها قبل الاستعمار، مستندة في ذلك إلى خارطة المغرب الكبير التي نشرها حزب الاستقلال في 7 يوليو 1956، لكن الجزائر رفضت الطلب، ودعت إلى عدم المساس بالحدود التي رسمها الاستعمار الفرنسي بالاستناد إلى مؤتمر باندونج المنعقد في 1956.


حرب الرمال


وفي عام 1963، اشتعلت بين البلدين ما تعرف بـ"حرب الرمال"، إذ تحركت القوات الجزائرية إلى مناطق مغربية، ما دفع المغرب لحشد قواته والدخول في حرب ضارية بين البلدين، تكبد فيها الطرفان خسائر مادية وبشرية كبيرة، حتى أوقفت منظمة الوحدة الإفريقية سيل الدماء، بإرسائها اتفاق وقف إطلاق النار بينهما في 20 فبراير 1964.


وتمت اتفاقية تقسيم الحدود بين البلدين في 15 يوليو 1972، بين الرئيس الجزائري، هواري بومدين، والملك المغربي آنذاك ، الحسن الثاني، إلا أن هذا الأمر لم يعن انتهاء الصراع، الذي ظل ساريا، ولكن في صور وأشكال أخرى غير عسكرية.



معركة إمغالا


وعقب إعلان تكوين جبهة "البوليساريو" الانفصالية عام 1973، الداعية لاستقلال منطقة جنوب الصحراء المغربية لتصبح دولة مستقلة، تجددت الحرب العسكرية بين البلدين، فيما عرفت باسم "معركة إمغالا"، ففي مطلع عام 1976، دعمت الجزائر الجبهة عسكريا، ودخلت قواتها إلى الأراضي المغربية، غير أن جيش المملكة استطاع تحقيق انتصار كبير قتل فيه أكثر من 200 جندي جزائري خلال يومين.


الجدار الأمني


بعد ذلك شرعت القوات المغربية في بناء جدار أمني لتأمين حدودها من قوات "البوليساريو"، واستمر بناء هذا الجدار قرابة 7 أعوام منذ 1980 إلى 1987.



واستمر دعم الجزائر للجبهة سياسيا ولوجستيا حتى هذه الساعة، بدعوى "حق تقرير المصير والشرعية الأممية"، الأمر الذي لم يتقبله المغرب ورأى ذلك - وما يزال - تآمرا على وحدته الترابية، لتبقى أزمة الصحراء المغربية عنوانا رئيسيا للصراع بين البلدين.


هدنة قصيرة


وبعد 12 عاما من قطع العلاقات بين البلدين منذ الحرب الأخيرة بينهما، بادر المغرب إلى إطلاق سراح الأسرى الجزائريين في معركة إمغالا، وفي ظل هذه الأجواء جاءت مبادرة الرئيس الجزائري، الشاذلي بن جديد، بإيفاد مبعوثين إلى الرباط لدعوة العاهل المغربي إلى القمة العربية، التي احتضنتها الجزائر في يونيو 1988.


أعطت المبادرة الفرصة لتطوير المحادثات بين قيادتي البلدين، واتفاقهما على استئناف العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ بداية 1976، ليكون تطبيع العلاقات مدخلا ملائما لزيارة الملك الحسن الثاني الجزائر وحضور القمة.


وكان المغرب يرى أن تطويرا مضطردا في العلاقات بين البلدين على جميع المستويات سيكون كفيلا بتوفير مناخ جيد، لكي تواصل الأمم المتحدة مساعيها لحل قضية الصحراء، بتنظيم استفتاء لتقرير المصير يضع نهاية للتوتر في المنطقة، وبالفعل، أشاع فتح الحدود البرية بين البلدين في العام نفسه التفاؤل بإمكانية توديع عهد القطيعة.


انتكاسة سريعة


في عام 1994 فجر مسلحون فندق "أطلس" في مدينة مراكش المغربية، ووجهت الحكومة الاتهام  إلى جارتها الجزائر، ما أدى إلى فرض السلطات المغربية تأشيرة على دخول الجزائريين إلى أراضيها، قبل أن تتخذ الجزائر قرار منفردا آنذاك بإغلاق الحدود البرية معها حتى الآن.



وأضيف لذلك الموقف السلبي للجزائر إزاء تقرير لمجلس الأمن حول قضية الصحراء في خريف 1995، وهو ما اتخذه المغرب مبررا لتوجيه رسالة رسمية للجزائر بصفتها تتحمل الرئاسة الدورية للاتحاد في 20 ديسمبر من العام نفسه، يدعو فيها إلى إيقاف نشاطات ومؤسسات الاتحاد مؤقتا.


آمال فاشلة


آمال تجاوز أزمة العلاقات تجددت مع مجيء الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، إلى الحكم في ربيع 1999، وصدور إشارات إيجابية من المغرب، مهدت للتحضير للقاء بين البلدين في صيف 1999.


إلا أن وفاة العاهل المغربي (آنذاك)، الحسن الثاني، أدت إلى إرجاء اللقاء، ليقع بعده انهيار مفاجئ في هذا المسار بعد اتهام الجزائر جارتها بإيواء الجماعات الجزائرية  المسلحة في سبتمبر من العام نفسه، وتستأنف العلاقات مسارها الانحداري، الذي اشتد بعد عزم الأمم المتحدة على طرح مشروع حل سياسي لقضية الصحراء يرتكز على منح حكم ذاتي موسع للصحراء في إطار السيادة المغربية، وهو ما عارضته الجزائر.


تحسن مؤقت


وبعد قيادة حزب العدالة والتنمية، ذو التوجه الإسلامي، الحكومة في الرباط مطلع عام 2012، شهدت العلاقات المغربية الجزائرية شهدت تحسنا ملحوظا، حيث تبادل الجانبان زيارات رسمية شملت التعاون والتنسيق في عدد من القطاعات، بعيدا عن موضوع الصحراء الغربية الذي يختلف الطرفان بشأنه.


وفي عام 2013، هنأ "بوتفليقة" الملك المغربي، محمد السادس، بمناسبة الذكرى الـ58 لاستقلال المملكة المغربية، مطالبا بضرورة توطيد أواصر الأخوة بين البلدين وإزالة الخلافات.



الأزمة تتجدد


من جديد، اشتعلت الأزمة بين البلدين، عقب تصريحات الرئيس الجزائري في نوفمبر من العام نفسه، خلال مؤتمر القمة الإفريقية في أبوجا، ودعم بلاده  ما وصفها لـ"حقوق الإنسان في الصحراء الغربية"، وأعقبها عميلة اقتحام القنصلية الجزائرية في الدار البيضاء وتنكيس علم الجزائر.



وردا على تصريحات "بوتفليقة"، سحبت المملكة المغربية سفيرها من الجزائر للتشاور، وعاد السفير بعدها بثلاث أيام.



ولم يكتف المغرب بذلك، حيث وجه الملك محمد السادس خطابا في ذكرى المسيرة الخضراء التي نظمت من 35 عاما، لتدعيم أحقية المغرب في الصحراء الغربية، واتهم الجزائر بـ"شراء أصوات معادية" لقضية الصحراء الغربية.



التصعيد مستمر


الخصومة بين المملكة المغربية وجمهورية الجزائر تفاقمت عقب حادثة إطلاق عناصر من حرس الحدود الجزائري الرصاص على مواطن مغربي أعزل في شهر أكتوبر الماضي.


وسارعت الحكومة المغربية إلى استدعاء السفير الجزائري في الرباط لتبليغه باحتجاج المملكة على الواقعة، الأمر الذي ردت عليه الجزائر باستدعاء القائم بأعمال السفارة المغربية، متهمة الرباط بـ"فبركة الحادث".



وفي الشهر ىالتالي، ظهرت بوادر الخلاف التقليدي والعميق بين الجارتين مجددا، بعد سلسلة من الوثائق المسربة التي تخص وزارة الخارجية المغربية وجهاز الاستخبارات الخارجية، الأمر الذي دفع المغرب إلى اتهام جارتها بتسريب هذه الوثائق.


وفي سياق "عودة الدفء" إلى جسد العلاقات بين المغرب وفرنسا، وجه وزير الخارجية المغربي، صلاح الدين مزوار، في فبراير الماضي، أصابع الاتهام إلى الجزائر بكونها سعت إلى الإضرار بالمغرب، وتخريب العلاقات الثنائية بين الرباط وباريس، التي اندلعت منذ شهر فبراير من السنة الماضية.


الأزمة مستمرة


وحتى الآن، لاتزال الملاسنات الإعلامية والسياسية، والتهديدات الدبلوماسية، والاتهامات بإشعال الفتن وتمويل الإرهاب، المتبادلة بين الدولتين مستمرة، ولا أحد يعلم متى تنتهي.