التوقيت الجمعة، 19 أبريل 2024
التوقيت 03:28 ص , بتوقيت القاهرة

حكاية الـ 350 يوم سجن.. فهمي: الإخوان "سرطان" ترعاه "الجزيرة"

‘‘الصحفي يكرس حياته لتغطية الحدث ويواجه أصعب الظروف والمواقف، ولكن عندما يصبح هو الحدث بين يوم وليلة، فلابد أن يكون هناك خطأ أو لبس ما‘‘


هكذا يقول في رسالته، التي خط سطورها بين جدران السجون، وهو يتذكر هتافه ضد جماعة الإخوان في مسيرات 30 يونيو 2013، و في ديسمبر من العام ذاته، يجد نفسه متهما أنه واحدا من أعضائها.. هكذا يقول، وتشرد ذاكرته إلى فرحته إلى جانب خطيبته، خلال تصوير طائرات القوات المسلحة، وهي تحلق في سماء القاهرة، فتمر الأيام وتتصدر اتهامات وجهت له، نشر أخبار كاذبة عن مؤسسات الدولة المصرية، ليلقى حكما بالحبس 7 سنوات.


محمد فهمي، صحفي الجزيرة المتهم في القضية المعروفة إعلاميا باسم "خلية الماريوت"، والذي تم إخلاء سبيله يناير الماضي، بعد تنازله عن جنسيته المصرية، وفقا لقانون الإفراج عن الأجانب، كان لـ "دوت مصر" معه لقاء خاص، على هامش مؤتمر "الصحافة ليست نشاطا سياسيا"، الذى عقده، منذ أيام، لتوضيح موقفه من القضية.



في آخر تقرير مصور أعده فهمي لقناة «سى. إن. إن» قبل استقالته في 2013، نزل برفقة قوة من شرطة قسم قصر النيل لتصوير كيفية تطبيق حظر التجوال ليلا في وسط القاهرة، ويشاء القدر أن يُسجن بعد أشهر قليلة في القسم ذاته، عند إلقاء القبض عليه، ويقول :"تركت «سى. إن. إن» لآخذ قسطا من الراحة، والإعداد لزفافي، ولم تمض أسابيع قليلة حتى عدت للعمل الصحفي، كصحفي حر، لعدد  من الصحف الأجنبية، إلى أن انضممت لفريق عمل قناة الجزيرة الإنجليزية في سبتمبر 2013".


‘‘الحرفية واليقين تأتي مع الخبرة والحس الصحفي المكتسب من الميدان قبل الإستديو، وهذا كان نهجي دائما خلال تاريخ عملي الصحفي لأكثر من12 عاما، سواء بالصحافة الأجنبية أو بالقنوات العربية مثل تليفزيون دبي وقناة الحرة لعدة أعوام‘‘..


لم تكن تجربة قناة الجزيرة كسابقيها بالنسبة لفهمي، ويسرد قصتها قائلا :"عندما بدأت العمل مع قناة الجزيرة الإنجليزية في سبتمبر 2013، كان أول شرط لي لقبول هذه الوظيفة هو قانونية عمل القناة بمصر، وعدم عرض أي من التقارير التي أقوم بإنتاجها على قناة الجزيرة مباشر مصر، لأننى كنت أدرك أن القناة كانت مغلقة رسميا بحكم قضائي، ولم يمر شهرين لعملي بالقناة حتى تم القبض علي، بتهمة انضمامي لجماعة الإخوان، ونشر أخبار كاذبة عن الأوضاع في مصر، ويرجع ذلك لإنحياز الجزيرة للإخوان، بل لأنها الراعي الأول لهذا السرطان المسمى بالإخوان."


‘‘ما يميز الصحفى الجيد عن الصحفي البارع هو القدرة على قراءة ما بين السطور وعدم الوقوع في الفخ بأن يصبح أداة في يد جماعة ما، أو حكومة، أو أشخاص بأعينهم، أو حتى فكر معين ‘‘..


حاول الصحفي البورسعيدى أن يجعل من تلك الكلمات، نهجا له، تحديدا خلال تغطية الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، ووصولا إلي أحداث ثورتي 25 يناير، و 30 يونيو، ويتذكر :"أول مهمة صحفية أسندت لي كانت مع جريدة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية، عندما ذهبت إلى العراق في أول أيام الغزو الأمريكي، وفي جميع تحقيقاتنا، كنت أنا وفريق العمل نطالب الحكومة الأمريكية بأجوبة لتساؤلاتنا العديدة، ونواجههم بحقائق جمعناها من الحقل الميداني، كانت تتعارض مع ما كانوا يعلنون عنه خلال مؤتمراتهم الصحفية، فلم «نطبل» لهم، وأوضحنا أن هدفهم كان البترول".


ويستكمل حديثه:"خلال الأيام الأربعة الأولى من ثورة يناير، لم أكن أعمل في أى مؤسسة صحفية، فهتفت ضد مبارك، لأن طموحي كان هو تغيير الرئيس بقائد أقوى ينقذ مصر من طوفان الفساد والفقر، لكن دون المساس بالجيش أو الشرطة."


"مع بداية 30 يناير توقفت عن الهتاف، لأنني بدأت العمل كصحفي في قناة «سى. إن. إن» الإخبارية، فارتديت قبعة الصحفي المحايد مرة أخرى، وتركت جميع آرائي السياسية خلفي في ميدان التحرير، حينها كانت علاقتي ممتازة مع كافة أجهزة الدولة و الرموز السياسية".. هكذا يروي فهمي ما يتذكره عن تلك الفترة.


‘‘حياة السجن ليست بهينة، ثلاث وعشرون ساعة في الزنزانة، وأسابيع من الحبس الانفرادي، ونظرات الذل على وجه أمك، من الممكن أن تكسر الإنسان وتولد الحقد والكراهية تجاه السجان والنظام، خصوصا لو أنك سجين مظلوم‘‘..


قاد عمل فهمي به إلي ظلمات السجون، 350 يوما، و التي يروي أحداثها قائلا: "تم وضعي في سجن العقرب، ولم استسلم للأحاسيس السلبية والهدامة، بل تذكرت مثل يروج في دهاليز السجون و يقول «إن لم تكن إرهابيا، فالسجن سيجعلك إرهابيا فعلا، أو شيخا، أو داعية إسلاميا، أو محاميا»، وقررت بعد حكم المحكمة علىَّ بالسجن سبع سنوات، أن أتقمص شخصية المحامي وقرأت أوراق قضيتى بأكملها، وحيثيات الحكم وقانون العقوبات، ولايزال عقلي لا يستوعب القضية بأكملها".


حل بعض الألغاز الصحفية التي لم يستطع أن يكملها خارج السجن، كانت مهمة  "فهمي" داخل السجن، وتمثلت في لقائه بقيادات جماعة الإخوان، والتي يحكي عنها: "قابلت مستشار مرسي للعلاقات الخارجية، عصام حداد، وسرد تفاصيل مقابلته المغلقة مع الرئيس الأمريكي، وأنه طلب منه أن يمده بالخبرة والتدريب في كيفية التحكم الديمقراطي في القوات المسلحة، ثم يخبرني بأن مشكلة حدثت عند رجوعه لمصر، لأن الرئيس السيسي الذي كان وزير الدفاع في هذا الوقت قد غضب عنما تسرب الحوار له، وأوباما كان يأمل في أن ينجح المشروع الإخواني في مصر كي يطبقه في دول مجاورة أيضا، أما خيرت الشاطر فهو شخص لم يتكلم كثيرا ولم أتحدث معه، وكان متواجدا معي أيضا حازم صلاح أبوإسماعيل، ودائما ما كان يتحدث عن حلمه أن تُحكم مصر وفقا للشريعة الإسلامية، و من الملاحظ أن الإخوان في السجن ينتقدون «مرسي»، ويرون أنه كان لا يصلح أن يكون رئيسا للجمهورية، فذكروا في وثيقة المصالحة، التي أعدت في السجن، أنهم يريدون إعادة صياغة الدستور مرة أخرى، والقصاص لشهدائهم، وفي الوقت ذاته، سيتغاضون عن فكرة رجوع مرسي إلى الحكم مرة أخرى".


أما حواراته مع أعضاء من جماعة أنصار بيت المقدس والعائدين من سوريا وليبيا، فيصفها "فهمي" أنها لا تقدر بثمن: "هؤلاء الجماعات لا يتحدثون إلا عن جلب المتفجرات وطموحهم في نشر فكر الخلافة الإسلامية، وعندما كانت تأتى  أخبار داخل السجن عن أن هناك أشخاصا استشهدوا من القوات الأمنية في أماكن مختلفة، يحتفلون بذلك".


كان تنازل فهمي عن جنسيته المصرية، هو الحل الذي لم يجد أمامه سواه للخروج من السجن، لكنه يسعى إلى استعادتها مرة أخرى بعد توفيق أوضاعه القانونية عقب صدور الحكم النهائي في قضيته- حسبما يؤكد عند سؤاله عن رغبته في استرداد جنسيته المصرية. 


ويري فهمي أن الصحفيين يعانون كثيرا، ولابد من وقف الانتهاكات التي تًمارس بحقهم، بحجة الحرب على الإرهاب، ويشير إلى أنه أسس مؤسسة فهمي للصحافة الحرة، بهدف الإبلاغ عن الشكاوي الواردة من الصحفيين، ولكي تتولى المؤسسة الدعوة لعدم وضع الصحفيين خلف القضبان بسبب ممارستهم عملهم.


الصحفي محمد فهمي، الذي عاش 350 يوما في دهاليز السجون، يسمع و يرى ما لم يستطع أن يراه خارج تلك الأسوار، قرر  مؤخرا مقاضاة قناة الجزيرة أمام المحاكم الكندية، لمطالبتها بدفع تعويض 100 مليون دولار، كونها فشلت في الدفاع عن صحفييها وحمايتهم، في الوقت الذي ينتظر فيه النطق بالحكم النهائي في قضيته، خلال الشهور المقبلة، والتي سوف تحضرها المحامية الشهيرة أمل كلوني، المسؤولة عن قضيته.


و في ختام رسالته يقول :


‘‘كل ما أتمناه من مصر هو إخراجي من المعادلة السياسية، فإذا اختلف الكبار فلا داعي لإدخال الصغار. فأنا مجرد شاب مصري بسيط اسمه محمد فهمي، أحلم بالاستقرار والزواج من خطيبتي وبناء أسرة بسيطة في وطني الغالي مصر. أنا لا أمثل قطر أو أي كيان بعينه، وإنما أجسد فقط شخصية الصحفي الذي يعيش في حلم اسمه «حرية الصحافة والتعبير» عندما يتحقق ذلك فنحن على الطريق الصحيح، وكلنا أمل في مصرنا الجديدة‘‘.