التوقيت الخميس، 25 أبريل 2024
التوقيت 05:43 م , بتوقيت القاهرة

تصريحات "وزير العدل".. هل تستند إلى التراث الإسلامي؟

"ابن عامل النظافة لن يصبح قاضيا، لأن القاضي لا بد أن يكون قد نشأ في وسط مناسب لهذا العمل، وأن ابن عامل النظافة لو أصبح قاضيا سيتعرض لأزمات عدة، منها الاكتئاب، ولن يستمر في هذه المهنة".. كانت هذه تصريحات وزير العدل المستشار محفوظ صابر المستقيل، التي أثارت جدلا واسعا، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولاقت اعتراضات كثيرة، واستقال الوزير على إثرها من منصبه.

تصريحات وزير العدل ليست الأولى من نوعها، حيث أن تولي القضاء فى مصر يخضع لشروط قاسية والتي قد يستحيل معها التحاق "ابن عامل النظافة" بالسلك القضائي، لتبرز تساؤلات بشأن ما إذا كان العرف القضائي المصري يستند في ذلك إلى أصول في التاريخ الإسلامي؟

لا تعلموا أبناء السِفلة

الوصول إلى القضاء يبدأ بالتعليم الجيد، ولذلك يلجأ مناهضو فكرة تولي أبناء العامة للقضاء إلى حديث "لا تعلموا أولاد السفلة العلم، فان علمتموهم فلا تولوهم القضاء والولاية"، وهو حديث منشور فى عدد من الكتب وعبر مواقع الانترنت، وإن كان الكثيرين يشككون فى انتسابه إلى النبي.

القرطبي: السِفلة هم الدباغون والكناسون

وجاء فى تفسير القرطبى أن السفلة فى تعيينهم أقوال، فقيل هم الذين يتفلَّسون ويأتون أبواب القضاء والسلاطين يطلبون الشهادات، مأخوذ من التفليس وهو استقبال الولاة عند قدومهم بأصناف اللهو. وقيل: هم الذين يأكلون الدنيا بدينهم، وقيل: هم الذين يزاولون أعمالا حقيرة كالحياكة والحجامة والدباغة والكنس، وبخاصة إذا كانوا من غير العرب، حسب تعبيره.

الفاروق: القاضي ذو المال

أما أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فقد حدد من ضمن شروط تولية القضاة، أن يكون القاضي من أسرة كبيرة صاحبة وجاهة ومال، فقال في كتبه إلى بعض عماله "لا تستقضين إلا ذا مال وذا حسب؛ فإن ذا المال لا يرغب في أموال الناس، وإن ذا الحسب لا يخشى العواقب بين الناس"، كما جاء فى موسوعة فقه عمر بن الخطاب لمحمد رواس قلعه.

الغزالي: لا تعلموا من لا يستحق

فى حين ذكر الإمام الغزالى فى إحياء علوم الدين قول السيد المسيح "لا تُعلِّقوا الجواهر في أعناق الخنازير"، وقال إن الحكمة - التعليم- خير من الجواهر، ومَن كَرِهَها فهو شرٌّ من الخنازير، وقال تعالى: ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُم ) تنبيهًا على أن حفظ العلم ممن يفسده ويضره أولى، وليس الظلم في إعطاء غير المستحق بأقل من الظلم في منع المستحق، يقول الشاعر: "فمَن منح الجهال علمًا أضاعه... ومن منع المستوجبين فقد ظلم".

الماوردي: تعليم الخنزير إثم

وعرض الماوردى فى "أدب الدنيا والدين" حديث عن النبي محمد يقول فيه: " لا تمنعوا العلم أهله فتظلموا، ولا تضعوه في غير أهله فتأثموا " ولم يخرج هذا الحديث، كما جاء فيه عن النبي  "واضع العلم في غير أهله كمقلد الخنازير اللؤلؤ والجوهر والذهب"، وقال: العلم أفضل من اللؤلؤ، ومن لا يستحقه شرعًا خنزير. 

الأوقاف: كلام لا يناسب العصر

يرى مدير إدارة التفتيش الديني بوزارة الأوقاف، الدكتور سامي العسالة، أن حديث "لا تعلموا أولاد السفلة" غير صحيح، حسبما أفتى الرئيس الأسبق بلجنة الإفتاء بالأزهر الشيخ عطية صقر، لكنه أوضح أنه ورد فى إحياء علوم الدين وفى بعض كتب العلم الأخرى أقوال ممثالة لهذا الحديث.

وأضاف العسالة فى تصريح لـ"دوت مصر"، أن معنى الحديث غير ما ذكره القرطبي، فالسفلة هنا لا تعني المهن الوضيعة أو الحقيرة، وإنما تعنى "حقارة النفوس" والتى تنطبق على من عرف عنهم الفساد والرشوة.

وبخصوص مقولة الفاروق عمر، يقول العسالة، أن هذا الكلام ليس قرآنا، ومن المحتمل أن يكون الفاروق قاله فى مناسبة أو فى بلد معينة، لكنها لا تصلح فى باقى الأزمان والبلدان، والدليل على ذلك أن صحابة النبي كانوا فقراء وتولوا ولاة البلاد والقضاءة وبعضهم تولى  فى عهد سيدنا عمر نفسه.