التوقيت الأربعاء، 24 أبريل 2024
التوقيت 02:31 م , بتوقيت القاهرة

حوار|أثري مصري عائد من اليمن:آثار اليمن ترميمها شبه مستحيل

في مارس من عام 2011، يخرج الأكاديمي الأثري المصري كل صباح إلى عمله في إحدى جامعات اليمن، من منزله الكائن بمدينة المعلة، ويتصل بعائلته في المساء قبل أن يقرر العودة ليتأكد، إذا ما كانت الطلقات النارية التي تطلق من وإلى المجلس المحلي قد توقفت أم لا لكي يتمكن من العودة.

هكذا قضا الدكتور أسامة طلعت ليالٍ طويلة خلال 7 سنوات قضاها في اليمن، من عام 2007، حتى صيف 2014، بين شهادة العيان على الأحداث، ووضع الآثار والتراث العربي في اليمن، دار حواره في "دوت مصر".

"كنت في حي المعلة، وهو الحي الذي يحتوي على مبنى المجلس المحلي، فكان يقف أمامه ما يسمون بالحراك الجنوبي كل مساء، ويبدأون بإطلاق النيران على المبنى"، يتذكر الأستاذ الخمسيني مشهد حوائط البنايات المثقوبة بفعل الرصاص.

ويتابع: "في مارس 2011، أصبح القصف متواصل على مدار الـ24 ساعة، بالدانت وقذائف الهاون، وبدأ المواطنون في اعتصامات، وبدأت المدرعات في إطلاق النيران بشكل عشوائي على البيوت، حتى أصبحنا لا نخرج من بيوتنا، وإذا خرجنا لا نعود إلا بعد وقف إطلاق النار.

وزير الآثار

ورغم تلك الظروف التي واجهها الأثري المصري أثناء تواجده في اليمن، أصدر وزير الآثار بيانا رسميا يؤكد فيه أن مصر على أتم استعداد لإرسال أثريين مصريين لإنقاذ الآثار العربية التي طالتها يد الإرهاب في أقرب وقت.

وكان تعليق طلعت على ذلك، بأن مصر تمتلك من الكوادر المتخصصة ما يعينها على أداء هذا الدور، إلا أنه من خلال تجربته العملية في اليمن، يتضح أن المسألة ليست بهذه السهولة، فهناك مناطق أثرية في اليمن لا تخضع للحكومة  نفسها، ولكنها تتبع إدارة القبائل.

فمن المواقف التي واجهها الأثري الخمسيني قبل حتى إندلاع الحروب، هو أنه كان لا يستطيع الدخول إلى مباني أثرية، أثناء رفقته لبعثات علمية تابعة لمظومة الآثار في اليمن، لإنها لا تتبع الحكومة، قائلا: "لا بد أن تفكر مصر جيدا قبل القيام بهذا الدور".

الآثار قبل الحرب

"الآثار الإسلامية أكثر حظا في اليمن"، هكذا قال الدكتور طلعت، حينما سألناه عن وضع الآثار في اليمن قبل بداية الحرب، ذلك لأن الآثار الإسلامية موجودة في أماكن مسكونة، يستطيع الأثريون العمل بها، بينما الآثار القديمة مثل مأرب وشبوة، عاصمتي سبأ وحضر موت القديمة، توجد في أراضٍ شاسعة تتبع القبائل.

ترميم الآثار الإسلامية في اليمن يعد شكلا من أشكال التقرب إلى الله، إلا إنه يضرها في الكثير من الأحيان، فقد يحتوي المبنى على نص أو نقش قديم، فتأتي عملية الترميم بما لا تشتهي السفن، ويقومون بمحوه بالجير الأبيض المستخدم غالبا في الترميم، وفي حالة تصدع مئذنة أثرية، لا يقوم اليمنيون بترميمها، بينما يقومون بهدمها وبناء مئذنة جديدة مغايرة تماما لواقع الأثر.

الآثار بعد الحرب

"في الحرب تتعرض الآثار لما تتعرض له المباني العادية"، هكذا عبر الأثري المصري عن وضع آثار اليمن أثناء الحرب، فمن يضرب بدانة أو مدفع أربيجيه لا يفكر أنه قد يصيب مبنى أثري، فمعظم مباني عدن الأثرية قد تدمرت، مباني تراثية عمرها أكثر من 100 عام، يستحيل ترميمها، لكونها غير موثقة، مثلها مثل معظم آثار اليمن التي لا تسجل، ولم يتم دراسته، وبالتالي حينما تهدم يكون من المستحيل استعادتها على ما كانت عليه، حتى في حالة توفير الإمكانات المادية، والعنصر البشري، رغم أن اليمن ليس لها مدرسة في الترميم، ولا يوجد بها كليات آثار، سوى بأقسام فرعية من كليات الآداب في 3 جامعات.

"من الصعب أن نحصر الآثار التي تضررت في اليمن"، بهذه الجملة اختتم الدكتور أسامة طلعت حواره، حينما سألناه عن إمكانية حصر الآثار التي تضررت في اليمن إبان سنوات الثورة والحرب، فاليمنيون أنفسهم لا يستطيعون حصرها، لأن الأحداث مازالت مستمرة، فرغم أن مدينة صنعاء مسجلة على قائمة التراث العالمي، مثل القاهرة الفاطمية، إلا أن هدوء الأوضاع هو الشرط الأساسي لقياس كم الأضرار، والتحرك على الأرض لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.