التوقيت الجمعة، 19 أبريل 2024
التوقيت 10:48 ص , بتوقيت القاهرة

كامب ديفيد.. هل تنجح مع إيران؟

ساعات و يلتقي ملوك وأمراء الخليج بالرئيس الأمريكي باراك أوباما في منتجع كامب ديفيد للتباحث حول مخاوف المنطقة من الاتفاق النووي مع طهران، والإشارات الإيجابية الكثيرة التي تصدر عن تقارب بين نظام الملالي وبين من كانوا يسمونه حتى وقت قريب "الشيطان الاكبر".


كامب ديفيد ليست جديدة على القاموسى السياسي العربي، فهذه الاستراحة الرئاسية الأمريكية التي تبعد عن واشنطن 60 ميلا، شهدت توقيع أول اتفاق سلام بين العرب وإسرائيل في سبتمبر 1979، والذي وقعه كارتر والسادات وبيجن.. يومها أسماه الفلسطينيون "اسطبل داوود"، وهي ترجمة محرفة للاسم الأصلي لتعبر عن أنه اتفاق إسرائيلي قلبا وقالبا، وأن الرئيس المصري الراحل السادات خائن ! لكن عندما ذهب ياسر عرفات إلى نفس المكان وصافح إيهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلى فى يوليو عام 2000 برعاية الرئيس كلينتون، دلل الفلسطينيون المكان فقالوا إنه استراحة لـ "سلام الشجعان".


المهم أننا نسينا التسمية الأولى والثانية، ومازال السلام بين العرب والدولة العبرية حلما بعيد المنال رغم الكلام الأمريكي المعسول والمصطلحات التي لا تُسمن ولا تغني من جوع مثل معايير كلينتون عام 2000 وحل الدولتين الذي اقترحه بوش عام 2001 ثم تفاهمات تينت ( مدير المخابرات الأمريكية ) وهلم جرا.. ولم تخرج القضية الفلسطينية حتى الآن من نفق التصريحات المظلم وقارورة الوعود المعسولة.. ثم دخلت إيران على الخط ووضعت الفلسطينيين كورقة على مائدة مفاوضاتها أحيانا تحولهم للإرهاب وأخرى لماكينات كلام أجوف.


لكن اجتماع ملوك وأمراء الخليج مع أوباما مختلف هذه المرة لأسباب.. السبب الأول أنه لأول مرة في التاريخ يجتمع القادة الستة مع رئيس أمريكي في نفس التوقيت.. الأمر الثاني أن العدو أصبح إيران وليس إسرائيل.. وإذا كان العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز قد طرح مبادرة الأرض مقابل السلام مع إسرائيل عام 2002 عندما كان وليا للعهد ولم تنجح أيضًا، فمن الذي سيطرح في اجتماع 14 مايو مبادرة أخرى للتقارب أو للتصالح أو لحسن الجوار مع الجار الفارسي الذي يُكشر عن أنيابه كل حين، ومازال يحتل جزر الإمارات الثلاث، ويحرك القلاقل والفوضى في البحرين ويدعم الحوثيين في اليمن لتهديد السعودية، ناهيك عن ضلوعه في المذابح التي ينفذها بشار وحزب الله ضد السوريين واللبنانيين.


بصراحه قادة الخليج يرون أن الاتفاق النووي مع إيران وإن كان يقلم أظافرها نوويا، إلا أنه في الوقت ذاته يفتح شهيتها للتوسع والامتداد، خصوصا بعد أن شرعت واشنطن في تقليص وجودها العسكري والبحري في الخليج.. المشكلة الآن أن إيران ودول الخليج أصبح لهما نفس الأهمية لدى أمريكا تقريبا، وإن كانت واشنطن تستفيد أكثر من السعودية لمبيعات الأسلحة وربما الدرع الصاروخية المقترحة.. لا يريد قادة الخليج أن يكون اجتماعهم مع الرئيس أوباما مجرد حملة علاقات عامة تظهر أن سياسته نجحت في احتواء الأزمات، وأنه لن يرسل جنودا أمريكيين للقتال مرة أخرى إلى أي مكان بالعالم.


قادة الخليج يريدون أن يستمر الحماس الأمريكي لاستقرار منطقة الخليج وضمان تدفقات النفط وسلامة الممرات المائية من التهديدات أو القرصنة.. لكن واشنطن في المقابل لن تعدهم بأي إنقاذ عسكري في المستقبل.. عليهم أن يحاربوا معركتهم إذا كانت هناك معركة ويقووا تحالفاتهم وهنا يبرز الدور المصري في قوة عربية مشتركة وقادرة.. العالم تغير عن التسعينات عندما حاربت واشنطن صدام لتحرير الكويت.. الآن إذا حاربت واشنطن خارج أراضيها فسيكون ضد الإرهاب.


 أمريكا لا تعترف بأن ما تُمارسه إيران في سوريا ولبنان وغزة والعراق واليمن وغيرها إرهابا.. الإرهاب هو داعش الآن.. أمريكا تريد محاربته في سوريا والعراق وسيناء لغرض خبيث وهو تفتيت الدول وزعزعة سيادتها وإقامة حدود آمنة لإسرائيل في دائرة تزيد عن 400 كيلومتر.. على أهل الخليج أن يتعايشوا مع إيران ويدهم على الزناد.. طهران أذكى من أن تدخل في مواجهة عسكرية مع الخليج ومصر.. لكنها ستبدأ حرب الفتن والدسائس.. سيزداد انضمام الشباب السنة لداعش متصورين أنهم يناضلون ضد المد الشيعى.. وتدريجيا سيجدون أنفسهم يحاربون دولهم. 


إيران ستلعب على التهديدات الداخلية لجيرانها.. إذا كنا نراهن على دور أمريكى جديد فى المنطقة عموما والخليج خصوصا.. فيجب أن يكون رهان الدول الخليجية على مواطنيها وتوفير حياة ديموقراطية لهم وعدم اضطهاد الشيعة.. الاستقرار الاقتصادي ليس كل شيء.. افتحوا نوافذ الحرية والاختلاف.. اسقطوا القداسة عن المسؤولين ورجال الدين حتى لا تكونوا مثل إيران التي تسجد لحكم الملالي.. أخشى أن يكون الخطر على الخليج من الداخل أكثر من إيران.. وعليكم أن تضعوا حكمة مصرية أمام ناظريكم "المتغطى بأمريكا.. عريان".. وانظروا لما حدث لمبارك والسادات !


أخيرًا يجب على دول الخليج أن تطالب في قمة كامب ديفيد بأن يكون ما حصلت عليه إيران، تقنيًا وسياسيًا، من خلال اتفاقها النووي مع الدول الست حقًا متاحًا لها أيضًا. بحيث يصبح من حقها أن تطور قدراتها النووية ضمن الحدود والمتطلبات نفسها التي يضعها ويحددها هذا الاتفاق. بعبارة أخرى، يجب مقاربة الاتفاق النووي في القمة من الزاوية الخليجية - العربية، وليس فقط الأميركية. وهذا بحد ذاته يفرض أن تكون الخيارات المطلوبة عربيًا في سورية حاضرة في القمة أيضًا. لأن هناك توازيًا كاملاً بين الاعتبارات التي يفرضها الاتفاق مع إيران، وتلك التي يتطلبها الأمن العربي في سورية.