التوقيت الجمعة، 26 أبريل 2024
التوقيت 02:54 ص , بتوقيت القاهرة

العَلمانية ليست كفرًا !!

ما إنْ أعلن عدد من الأشخاص الذين ينتهجون الفكر العلماني عن عزمهم تأسيس "الحزب العلماني المصري"، حتى هبط سيل من الغضب العارم سواء على المستوى الشعبي، أو على مستوى وسائل الإعلام التي عبر من خلالها العديد من الإعلاميين عن استيائهم الشديد من تأسيس هذا الحزب، نظرًا لتعارض العلمانية مع الدين كما يظن ويروج البعض.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا، هل العلمانية حقًا تتعارض مع الدين؟ وهل العلمانية  تعني الكفر والإلحاد؟

يجيب عن هذا السؤال الدكتور خالد منتصر بالقول "العلمانية ليست الإلحاد لسبب بسيط وهو أن العلمانية ليست دينًا أو عقيدة ولكنها آلية ومنهج تعامل دولة مع السياسة والاقتصاد والحكم والتعليم.. إلخ، العلمانية ليست ضد الدين بل هي ضد تحكم وتدخل رجال الدين في الحكم، بل على العكس لا توجد حماية حقيقية للأديان إلا فى الدول العلمانية، الدولة الدينية تحمي دينًا واحدًا وتضطهد الآخرين، أما الدولة العلمانية فهي تحمي كل الأديان وتقف على مسافة واحدة منها، العلمانية ليست ضد الدين ولا تحتقره ولكنها ضد من يحتكره ويدعي أن لديه التفسير الوحيد والتوكيل الحصري".

ومن يقرأ التاريخ المصري بموضوعية سيجد أن مصر الفرعونية كانت رائدة العلمانية منذ فجر التاريخ، فمصر كانت مليئة بالمئات من الآلهة، وكان لكل قرية ولكل إقليم الإله الخاص به تحت رعاية الإله الواحد للدولة المركزية (آمون)، ثم تم دمجه فيما بعد مع الإله ( رع )، ولم يحدث في التاريخ المصري أن نشبت أية معارك بين أنصار كل هذه الآلهة.

إن مٌفَجر العَلمانية- بفتح العين- هو العالم الفلكي البولندي نيقولا كوبرنيكس (1473- 1543م) عندما أعلن أن الأرض تدور حول الشمس، ومن ثم لم تعد مركزًا للكون، وبالتالي لم يعد الإنسان مركزاَ للكون، الأمر الذي ترتب عليه عدم إمكان الإنسان امتلاك الحقيقة المطلقة، ومن هنا جاء تعريف الدكتور مراد وهبة للعَلمانية بأنها "التفكير في النسبي بما هو نسبي وليس بما هو مطلق"، فالعَلمانية تعنى العَالَم المتزمن بالزمان، ومن هذه الزاوية تقال العَلمانية على العالم الزماني والنسبي، ويؤكد وهبة بأن العَلمانية ليست هي فصل الدين عن نظام الحكم، لأن هذا الفصل معلول للعلمانية التي هي العلة فى هذا الفصل، ومعنى ذلك أنه عندما يكون أسلوب تفكيرك علمانيًا يكون فى إمكانك قبول فصل الدين عن نظام الحكم وعكس ذلك ليس بالصحيح.

ومن هنا فالعَلمانية هي: أسلوب فى التفكير قبل أن تكون أسلوبًا في السياسة، وفي القرن السابع عشر تأسست نظرية العقد الاجتماعي عند الفيلسوف الإنجليزى جون لوك (1632- 1704)، وموجز النظرية أن المجتمع من صنع الإنسان، ومن ثم ينتفي مبدأ الحق الإلهى للملوك، أي أنه ليس من حق الملك الزعم بأن سلطانه مستمد من سلطان الله، إذ هو مستمد من سلطان الشعب، ولا بد من تكوين مجتمع بـ«عقد اجتماعى» ينص على «موافقة» البشر على التنازل عن بعض حقوقهم لحاكم يأتى بإرادتهم فى مقابل أن يحقق لهم الأمن والأمان، ويستلزم ذلك أن يكون سلطان الحاكم سلطاناً نسبياً وليس سلطاناً مطلقاً، ويستلزم ذلك أيضاً أن المفاهيم المترتبة على العقد الاجتماعى تكون مفاهيم نسبية بالضرورة، ويأتى فى مقدمة هذه المفاهيم مفهوم التسامح، وقد حرر لوك «رسالة فى التسامح» نشرها فى عام 1689م.

 وورد في هذه الرسالة أربع عبارات هامة هي: «ليس من حق أحد أن يقتحم، باسم الدين، الحقوق المدنية والأمور الدنيوية»، «فن الحكم ينبغى ألا يحمل في طياته أية معرفة عن الدين الحق»، «خلاص النفوس من شأن الله وحده»، «الله لم يفوض أحدًا فى أن يفرض على أى إنسان ديناً معيناً». ما مغزى هذه العبارات؟ إن مغزى هذه العبارات عند لوك، أن التسامح يستلزم ألا يكون للدولة دين حتى لو كان هذا الدين، من بين الأديان الأخرى هو دين الأغلبية لأنه لو حدث عكس ذلك، أى لو كان للدولة دين الأغلبية فتكون هذه الأغلبية طاغية بحكم طبيعة الدين، وعندئذ يمتنع التسامح بحكم أنه نسبى لأنه من إفراز العقد الاجتماعى المؤسس على العَلمانية.

ألم يحن الوقت لتحرير مصطلح "العَلمانية" من التشويه المتعمد الذي ألحقه به الأصوليون والمتطرفون؟ إن العَلمانية لا تعني الإلحاد، ولكنها تعني الإيمان بالحرية والعدل والمساواة وحقوق الإنسان.
فلا وجود لدولة وطنية بدون عَلمانية 
ولا حرية بدون عَلمانية
ولا ديمقراطية حقيقية بدون عَلمانية
ولا حقوق إنسان بدون عَلمانية
ولا حداثة بدون عَلمانية 
ولا تقدم بدون عَلمانية
العَلمانية هي الحل !!